17 مايو 2024 , 8:26

هي : رحيل / البخاري محمد مؤمل// بكين

بكين

كم من مرة دخلت في حوار مع ذاتي حول أكثر من قضية: في أمور الحياة اليومية، في المسائل المهنية، في قضايا أخرى لا يمكنني حصرها ولا حتي تصنيفها ..من أهمها ما يتعلق بهواياتي وميولي الفكرية و الترفيهية .. أو على الأصح ببعض أوجه الموروث الثقافي الذي رضعته من ثدي الأوساط التي تربيت فيها، و كذلك نلته من المحيط الذي أعيش فيه
هكذا كنت أتساءل عن شعرنا العربي و مواءمته للعصر..إذ كثيرا ما كنت في حيرة من أمره :
شكله “الهندسي” ـ كما صنفته نازك الملائكة منذ عقود عديدة ـ أراه أحيانا مقيدا للشاعر و للقارئ معا، يفرض عليهما إتباع و تقبل قوالب قافية وعروضية قد تمنع و تسجن .. ورغم ذلك يبقي دائما له رنين جميل في أذني، خاصة لما يتغنى به المرء بصوت عال، أو لما ينشده المطربون
مضامينه هي الأخرى تغيرت وتنوعت لمسايرة التطور.. لكنني بقيت مولعا بأن تكون مرآة أكثر جرءة في التعبير عن ما يتصدر عصر العولمة: القضايا المجتمعاتية، الأشياء الحميمة، الإحساسات و الخلجات الباطنية التي لا يمكن إبرازها تبعا للانماط التوافقيية في التعبيرحيث أن لكل منا قراءته لها. ولا يجوز لشاعر محترم أن يحرمنا من هذه الحرية ـ حرية الشعور بالأشياء التي يريد هو أن يعبر عنها: فهي أحاسيس شخصية تشكل معيار الذوق لديه و أساس التذوق عندنا نحن.
بعبارة أخرى ينبغي لنا أن نلقى في نتاجه ضالتنا التي نبتغي نحن وليس فقط ما يحصر عقل المتلقي و يحجزه في حدود “الرسالة” التي أراد هو “تبليغها” , لأن العالم تجاوز عصر “الشاعر المربي و قدسيته” و”القارئ التلميذ و سذاجته”: فلسفة التلقين و امتلاك “الحقيقة المعيارية” ولى عهدهما
كان هذا الإمتعاض ينتابني كثيرا لما أقرء أو اسمع شعرا. أما الآن فإني أظنني عثرت على ضالتي، أي علي نموذج من القصيدة أو المقطوعة، التي لا تلزم القارئ أن يبتلع الأفكار والمعاني أو القوالب التي أراد له المؤلف أن ينقلها عنه
العينة التي بين أيدينا لشاعر سماها: ” قصيدة الزمن و الدم”٭. لكنني أنا لا أقبل بهذا العنوان.. و أقول له لا ! هي: ” رحيل”
لماذا الرحيل و إلى أين؟ لست أدري.. ولا الشاعر يعرف، حسب ظني
لأن بدّي ولد إبنو لا يبدو لي من أولئك الأدباء الذين يرسمون طرقا “معبدة” لأنفسهم أولا، ثم يلزمون الناس بالمشي على خطاهم.. وكأن هؤلاء تائهون .. لا معالم لهم يهتدون بها غير ما ينتجه ذلك الشاعر المغرور بنفسه ويفرض عليهم تلقيه وابتلاعه
“فمظاهر” النص، هي، و الروابط الميكانيكية لكلماته و لبنيته، تكون في هذه الحالة هي وحدها ما يهم : حيث لا إحاءات ..لا خيال.. لا معاني ولا صور سوى ما ترمي لنا به قشور الكلمات و تراكمها
ليس لي بهذا الكاتب أي سابق معرفة..و رغم ذلك، أجزم بأنه ليس من أنصار “أدلجة” الشعر..بل أظنه أيضا ضد “أدلجة” الفكر
فكلنا نعرف أن “الأدلجة” أضحت اليوم نوعا من الجمود لا يقبل سواه.. بل يئد كل ما حاول الخروج عن المألوف و المفاهيم النمطية حتى و إن كانت في معظمها متآكلة
و بالعودة في هذا الصدد للنص الذي أتحدث عنه، أأكد أنه لو كان الأمر كذلك، لاستحال علي ـ مثلا ـ أن أتصور هنا احتمال جعل “رحيل” مكان “قصيدة الزمن و الدم
لكن هذا تصوري أنا. “فلكم دينكم و لي ديني”، كما للشاعر بدّي ولد إبنو ميزة الإبداع و لي حق التأويل
شكرا له على عدم سلبي هذا الحق.. بل إن قصيدته هذه تترك باب التصور مفتوحا على مصراعيه: خيال واسع جدير بالذكر.. أردت أن أنوه به من خلال هذه الكلمة التي ألهمتني قراءتي لنصه: ” قصيدة الزمن و الدم”.. فهي رحيل لا حد له: لا في الزمان، لا في المكان، لا في الاشياء…
فالشاعر ينقلنا معه في سفره.. بعيدا.. بعيدا.. بعيدا… إلى أين؟
لكل واحد منا إجابته. فالشاعر تر ك لنا أن نختار الوجهة التي نسير عليها في قراءتنا له
اكتوبر 2014

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *