Zwei Fotos im Frame
Foto 1 Foto 2

الحلف السياسي والإقطاع السياسي

ليست السياسة نشاطا فرديا، وإنما هي نشاط اجتماعي بامتياز. هذه الصفة تفرض على السياسيين البحث عن الحلول والوسط، وعن الشراكات بين أشخاص متساوين في الحقوق والواجبات.

ينتج عن ذلك ضرورة تقاسم المناصب والمكاسب بين أعضاء الحلف السياسي. ولأن تلك المناصب والمكاسب لا يمكن أن تعم نخبة الحلف، في آن واحد، يصار إلى التناوب بين نخبة الحلف على تلك المناصب والمكاسب. يحدث ذلك حين تمارس السياسة في الحلف بين متساوين في الوضع الاجتماعي، ولا يتفاضلون إلا بالمؤهلات والانجاز الذي يمكن قياسه، ما يسمح بالمساءلة عند تقديم المنجز التنموي والخدمي عند انتهاء المأمورية.

أما حين تستثمر في السياسة قيم أخرى لا صلة لها بالسياسة، فإننا لم نعد أمام حلف سياسي، وإنما يسيج إقطاع سياسي له قيادة لا تتغير لأنها تستمد شرعيتها من وضعها الاجتماعي، ويعج بأتباع يبخّسون اجتماعيا ليظلوا أتباعا. هنا تستثمر التراتبية الاجتماعية التي ندد بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطاب وادان، وجويل، وتمبدغة. بناء على ذلك فإن أسرة القيادة القبلية ينبغي أن تقود الإقطاع السياسي فتستحوذ على المناصب والمكاسب، وينحصر دور الأتباع في تأبيد هذا الوضع.

ولا تعني الانتخابات أكثر من تجديد الولاء للزعيم القبلي، والتهليل لكل مكسب جديد ينضاف إلى مكاسبه العتيدة. ولا تطلب، في صاحب الاقطاع السياسي الكفاءة المعرفية، فقد لا يحمل من الشهادات سوى الكفاءة المهنية في مجال التبريد، ولن يسأله أحد عن برنامجه الانتخابي لأن انتخابه يتم على أساس وضعه الاجتماعي، فيحتكر كل المناصب والمكاسب ضمن أسرته الضيقة لأنها وحدها التي “يحق” لها التطلع إلى الأدوار القيادية.

لذلك تجد الرجل نائبا وأخوه عمدة، ورئيس لفرع الحزب. وتجد الرجل نائبا وابن أخيه عمدة، ثم تضيق مساحة الاحتكار إلى أن يكون الرجل نائبا وابنه عمدة وأمين عام لقطاع وزاري، وعضو المجلس الوطني للحزب الحاكم. ويخيطون نفس المقاس لحلفائهم السياسيين؛ فيكون الرجل سفيرا، وزوجه نائبة ورئيسة لفرع الحزب.

هذا الوضع مستحيل في ممارسة سياسية سليمة، لأن تلك الممارسة تدار ضمن حلف سياسي أعضاؤه متساوون في الحقوق والواجبات ويعبرون عن طموحاتهم السياسية المشروعة. ومن ثم فإن ما تحاربه قوى التغيير في مركز الرشيد الإداري؛ تقوى، هو هذا الإقطاع السياسي القائم على تراتبية اجتماعية تجمع المناصب التنفيذية والتشريعية والحزبية في يد أسرة واحدة تستمد شرعيتها من تتويج المستعمر لها مشيخة على قومها.

ليس من بين أعضاء مبادرة قوى التغيير من يريد منصبا سياسيا أو حزبيا لنفسه، لكننا نعمل على ترجمة خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في الواقع المعيش في مركز الرشيد الإداري، فنعمل على إشراك الساكنة المحلية، وغالبيتها العظمى من لحراطين، في تسيير شؤونها المحلية في البلديات. فبدل أن يكون عمدة الرشيد مقيما في الصكوك، ويعمل في انواذيبو ينبغي أن يكون من لحراطين المقيمين في الرشيد، وهم الأغلبية الساحقة من سكان المدينة.

وبدل أن يكون عمدة النيملان مقيما في انواكشوط ينبغي أن يكون من سكان النيملان. هذا الوضع الشاذ وطنيا لا تجده إلا في مركز الرشيد الإداري. فقد أجريت تغييرات على بنية حزب الإنصاف، فخرج أشخاص ودخل آخرون بدلا منهم. لكنك لن تجد أخا أصغر يدخل مكان أخيه الأكبر في عملية “توريث” بين أجيال من أسرة واحدة، إلا في حالة بلدية الرشيد. ولن تجد حلفا سياسيا، على طول البلد وعرضه، يقبل أن تحتكر أسرة واحدة عمدة بلدية ريفية لمدة 39 سنة دون بقية أعضاء الحلف.

فمنذ انطلاق المسلسل الديمقراطي لم تعرف بلدية الرشيد سوى ثلاثة عمد؛ أب، وابن أخيه، وابنه. ولم يتناوب على نائب الريف في مقاطعة تجكجة سوى امرأة وأخوين، وهو ما يؤكد طابع الاقطاع السياسي. ففي بلدية لعيون مثلا، حيث تدار السياسة من طرف أحلاف سياسية، تعاقب على عمدة لعيون عشرة أشخاص ليس فيهم أب وابن أخيه، ولا أب يرثه ابنه، ونوابا بعدد الأحلاف في تناوب سلسل على المناصب السياسية. لقد نتج عن وضع الإقطاع السياسي إهمال متعمد للتنمية، وإفشال للتعليم ليعم الفقر والجهل وبذلك تستمر السيطرة على الأتباع.

حين كان سيدني سوخنا مستشارا في رئاسة الجمهورية عرض عليه تولي زوجه حقيبة وزارية، فرفض بشدة قائلا: “أدّورُ اسوانك يوكلوني”. يحترم سيدني نفسه، ويحرص على مصالح مجموعته، ويخاف أن يؤكل… أما أصحابنا فلا هم لهم سوى مصالحهم الضيقة، فيأكلون كل من يحاول منافستهم. فقد كانت مدينة الرشيد الوحيدة من بين مدن الوطن التي أريقت فيها الدماء في انتخابات 2023، وحررت فيها محاضر شكاية كيدية عند الدرك سحبت بعد انتهاء الاقتراع بنصف ساعة…

الدكتور : إسحاق ولد سيد الأمين لأحمد “الكنتي”