
ملف الإر ث الإنساني في موريتانيا لم يخل من التسييس و التدويل بسبب تضارب المواقف السياسية حول قضايا إنتهاكات حقوق الإنسان ،
و خاصة ما يتعلق بالإرث الإنساني في الفترة ما بين 1989 – 1992 م .
رغم وجود قوانين وطنية للإنتصاف و معالجة الإفلات من العقاب ،
فإن غياب إجراءات فعالة من طرف الأنظمة الحاكمة و وقوف حركة افلام بثقلها العرقي إلي جانب ذوي الضحايا و في وجه كل حلول لا تنسجم مع طموحاتها السياسية و حرصها علي الإعتراف بتعرض الزنوج الموريتاتيين للتطهير العرقي و هو ما لم يحصل علي الإطلاق و بهذه الطريقة ،
مما أدخل الملف في مسار من التسييس الداخلي و دوامة من التدويل و المزايدة و تشويه سمعة الوطن دأبت عليها حركة افلام و إيرا لاحقا بالتعاون مع منظمات إقليمية و دولية معادية للوطن تنشط في مجال حقوق الإنسان من داخل عواصم إفريقية و أوروبية ( داكار ، آبيدجان ، باريس ، ابروكسيل…)
و هو ما يؤكد مدي تعقيد و حساسية القضية .
في الوقت الذي أعتاد فيه بعض دعاة الإنفصال و إثارة النعرات و أصحاب المتاجرة بالقضايا الوطنية من داخل حركتي افلام و إيرا.

إثارة قضية إعدامات إينال بالتزامن مع ذكري عيد الإستقلال تذكيرا بتوقيت الإعدامات ،
حق أريد به باطل يعكس ميول و رغبة الحركتين في إستغلال الملف كورقة ضغط علي النظام الحاكم.
و الإستثمار في هذه المظلمية بشكل وقح
و خاصة حركة افلام الإنفصالية ذات البعد العنصري و الحقد الدفين إتجاه موريتانيا .
و التي لم تكن وليدة اللحظة بقدر ما هي جذور و إمتداد للحركات الزنجية الموريتانية التي ظهرت بعيد إستقلال البلاد و قيام الدولة المركزية .
و المناوئة للمشروع القومي العربي و ترسيم اللغة العربية دستوريا .
ذات نزعة إفريقية و توجه فرنسي بحت .
ساهمت في تأجيج الأوضاع خلال أحداث 1966 بحيث كانت العقل المدبر لكل ما حدث لاحقا و خاصة بعد مرور عام علي منشور الزنجي المضطهد الذي انتشر علي نطاق واسع أنذاك ،
خلال القمة الإفريقية المنعقدة بإديس بابا ،
أسس لميلاد ما بات يعرف بحركة افلام FLAM سنة 1986 .
بقصد رفع الظلم اللاحق بالزنوج الموريتانيين حسب زعمهم.
كان من بين مطالبها و مازال إنفصال الضفة عن عن باقي أجزاء موريتانيا .
كما فشل بعض منتسبيها من داخل المؤسسة العسكرية في الإطاحة بالأنظمة القائمة حينها في أكثر من محاولة إنقلاب ذات بعد طائفي و عرقي .
حيث أعتاد قادة هذه الحركة و بعض مناصريهم إلي إثارة و تدويل قضية إعدامات إينال . خلال مواسم عيد الإستقلال الوطني.
للتشويش علي أجواء الإحتفالات المخلدة لذكري عيد الإستقلال المجيد و ما تتطلب من تفاعل وطني و إنسجام و تعاطي شعبي يناسب الحدث .
إلا أنه من المفيد جدا في هذا السياق أن يدرك قادة حركة افلام و من يدور في فلكهم
أن التشويه الإعلامي المفتعل و تسويق حقائق مضادة مشكوك في صحتها إلي حد بعيد و إعداد مؤتمرات صحفية لايمكن أن يضفي أو يعطي الحق أو الشرعية لقضية لا حق لها في الأصل .
و أن صناعة الحدث و التاريخ و تحقيق العدالة و التحلي بسلوك المواطنة .
لا تتأتي من تعكير فرحة ذكري عيد الإستقلال أو محاولة تكدير صفو السلم الإجتماعي .
و بالتالي الخروج علي دعائم الوحدة الوطنية.
الشئ الذي لا يخدم القضايا الوطنية العادلة و لا التعايش الأهلي السلمي بقدر ما يخدم آجندات خارجية ذات نوايا هدامة و أبعاد سياسية سيئة وخطيرة .
ففي ضوء ما تزخر به ذكري عيد الإستقلال المجيد من قيم سامية و غايات نبيلة لزرع روح المواطنة و تحصين المكاسب الديمقراطية ،
أرتأيت أن أعرج علي هذه القضية الشائكة لأبدي رأيي في بعض الأمور رفعا للبس الحاصل في بعض المفاهيم الخاطئة من جهة .
و تبيانا للحقائق و الشواهد و الأحداث التاريخية من جهة أخري
إنطلاقا من قبول الآخر و إلتزاما بالرأي و الرأي الآخر .
في الوقت الذي أصبحت فيه و سائل التواصل الإجتماعي إحدي الأدوات المهمة و المهيمنة علي الساحة الوطنية و الدولية.
و مروجة لأحد مصادر التهديد للأمن الوطني للدول و المجتمعات في ظل لجوء البعض إلي توظيفها بشكل سيئ في نشر الشائعات و إشاعة الأكاذيب المغرضة.
تارة بحجة حرية التعبير أو بدوافع و مصالح ضيقة .
لقد حان الوقت لقادة حركة افلام و غيرهم أن يعلموا أن دعوات الإنفصال و التحامل الكيدي علي الوطن و التمسك بلغة المستعمر و الإرتهان إلي الخارج لحلحلة القضايا الوطنية أمر مفروغ منه لم يعد يناسب المرحلة في ظل نظام ديمقراطي كفيل بضمان حقوق المواطن .
في ضوء تراجع اللغة الفرنسية داخل مناطق نطقها ونفوذها سابقا بإفريقيا أمام تصاعد النفوذ الروسي و الصيني و التركي،
صحيح أن اللغة مهما تكن و بالمفهوم الأوسع لم تعد تشكل عائقا إبستيمولوجيا في التواصل أو التخاطب أو التعامل في ظل التحولات الرقمية و إختزال العولمة العالم في قرية صغيرة .
لكن بالمقابل تظل اللغة إمتدادا وتأصيلا لهوية الشعوب و إنتمائها العرقي أو الديني بحيث تلعب الذاكرة الجمعوية و التراث دورا بارزا في تثبيت الهوية .
شكلت اللغة العربية تاريخيا داخل المجتمع الموريتاني عامل وحدة و إستقرار في ظل وطن واحد و دين واحد .
تم ترسيمها دستوريا كلغة رسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية رغم تحفظ و إستنكاف بعض الجماعات الزنجية من أصحاب النزعة الفرنكفونية الرافضة للعربية بدوافع و اغراض شخصية قبل أن تخسر الرهان بشأن اللغة الفرنسية في ظل المستجدات و المتغيرات الطارئة التي شهدتها منطقة الساحل الإفريقي.
ففي نفس السياق و من أجل الوقوف علي حثيات ما أثير من جدل و تناقض حول قضية إعدامات إنقلابيي 1987 – 1990 بإينال .
فإن ثمة مجموعة من العسكريين الزنوج بحكم تصدرهم المشهد و توليهم مناصب قيادية من مواقع عسكرية هامة
كانت لديهم طموحات شخصية للإستلاء علي الحكم بالقوة و إرساء دولة علي أسس و آجندات خاصة طبقا لمشروع نظام ذات بعد طائفي
تم إفشال المحاولة الإنقلابية أنذاك و ضبط المتورطين و إخضاعهم لمحكمة عسكرية في ظل حكم عسكري إستثنائي .
نفذت فيهم إعدامات في ظروف غامضة رحمهم الله صادرة من محاكم عسكرية .
قد نتفق علي أنها خارجة عن الإطار القانوني المعهود مقارنة بما يحصل في المحاكم الآن .
و إنسانيا بأنها خطوة خاطئة و صادمة و غير مبررة .
لكن ركوب المخاطر في تلك الفترة و علي هذا النحو يتطلب دفع ثمن غالي .
قد يتساءل البعض ماذا سيكون الوضع لو نجح الإنقلاب ؟
بالتأكيد ستشرد و تنفي مجموعات كاملة دون إستثناء
قد يعدم بعضها و يقتل بدم بارد و في ظروف مشابهة .
احتمال وارد و قائم .
في حين لماذا يتم إضفاء الصبغة العنصرية علي حالة هؤلاء الإنقلابيين الزنوج لكونهم فشلوا في محاولتهم الإنقلابية ؟
بينما لم يتم إضفاء صبغة حقوقية علي قضية قادة إنقلاب 16 مارس 1981 م
الذين خضعوا لمحاكمة عسكرية داخل قاعدة إجريدة العسكرية أمثال : الأمير أحمد سالم ولد سيدي و البطل الطيار عبد القادر الملقب ( كادير ) و غيرهم ؟
و الذين أعدموا نهارا جهارا رحمهم الله بدم بارد لنفس الخطيئة و الأسباب ولم يحرك أحد ساكنا لا من ذويهم أو حواضنهم الإجتماعية و لا من غيرهم من منظمات حقوق الإنسان … الخ
إضافة إلي حالات التسريح و الطرد الواسعة من داخل المؤسسة العسكرية أستهدفت أنذاك مئات الضباط و ضباط الصف و الجنود دون سابق إنذار ،
لا لشئ سوي الشك في ولائهم للقيادة أو إحتمال الإنتماء لتيارات فكرية .
جلهم من حاضنة إجتماعية واحدة .
رغم ذلك كله لا أحد وصف الإجراء التعسفي حينها بأنه إستهداف ممنهج لأبناء حاضنة إجتماعية دون غيرها
ما هذا التباين في المقاربات و في طرح القضايا الإنسانية و الحقوقية ؟
الخطأ الفادح الذي وقع فيه قادة حركة افلام و أهالي الضحايا و اخذ بعدا عنصريا هو محاولة إلصاق قضية الإرث الإنساني بمجتمع البيظان .
بدل جعلهم جزءا من الحل .
و التشهير بهم دوليا و وصفهم بأوصاف و نعوت كاذبة من قبيلة دولة البيظان العنصرية و لابارتايد و غير ذلك .
صحيح طغيان و ظلم الأنظمة المستبدة لا يطاق و انتهاك حقوق الإنسان أمر خطير و مؤذ و عمل مدان يستوجب مساءلة و محاسبة كل الضالعين فيه ،
لكن ما ذنب الشعوب و المجتمعات في ذلك ؟!
تأسيسا لماسبق فإن ما حدث مع مأساة أحداث داكار العنصرية 1989 م ليس بمعزل عن ما جري في السابق و اللاحق .
فأحداث السينغال رغم فظاعتها و حجم مآسيها تم إختزالها في قضية مبعدين ،
تم تسويتها لاحقا بالتعويض لهم و قيام صلاة الغائب علي أرواح موتاهم و إعادة الإعتبار لهم مع كل الإمتيازات و دمجهم في المجتمع في إطار مصالحة تبناها الرئيس الأسبق السيد محمد ولد عبد العزيز جرت وسط حضور رسمي واسع و كبير لذوي الضحايا و بعض منظمات حقوق الإنسان المحلية و المجتمع المدني إلي جانب مشاركة وفود من دولة السينغال ،
تم ذلك دون رعاية من الأمم المتحدة.
و مع رحيل نظام ولد عبد العزيز أختفت و تلاشت ملامح هذا الصلح و كأن شيئا لم يحدث .
خاصة أن أهالي الضحايا واجهوا صعوبات قبل ذلك في تحقيق العدالة و التعويض ،
في ظل إلتزام الحكومات المتعاقبة بمضون القانون الذي أقره البرلمان الموريتاني 1993 و الذي يمنح الحصانة لمرتكبي الجرائم خلال فترة الإرث الإنساني( 1989 – 1992 ) مما أغلق باب المحاسبة القضائية محليا و قيد حقوق الضحايا .
رغم الدعوات المتكررة من بعض المنظمات الحقوقية و حركة افلام بإلغاء قانون العفو لكن دون جدوي .
في حين كان السبب الرئيسي لإندلاع الأحداث المؤلمة و المؤسفة بين الشعبين الشقيقين هو حادثة إتلاف حقل مزارع سينغالي بالخطأ عن طريق مواشي أبقار لمواطن موريتاني من أصول فلان ،
كانت الشرارة الأولي المنتظرة لإستهداف مكونة البيظان بكل أطيافها .
إنه حق أريد به باطل أو حاجة في نفس يعقوب قضاها.
و كأن الموريتانيين من أصول عربية ( البيظان ) الذين تم التنكيل بهم و سحلهم و إحراقهم في افران مخابز و نهب ممتلكاتهم و خيراتهم أمام أعين السلطات الأمنية السينغالية و مرأي و مسمع من المجتمع الدولي و منظمات حقوق الإنسان .
لا حقوق لهم ولا لذويهم .
بالطبع هم أيضا تركوا وراءهم أرامل و أيتاما لم يتلقوا بعد حتي أي ضمانات للتعويض علي غرار المبعدين و لم تقم صلاة الغائب علي أرواح موتاهم أو يتبني قضيتهم أي حزب سياسي أو منظمات حقوقية محلية أو دولية .
فهم الضحية و الخاسر الأكبر في القضية تم تجاوزهم بكل سهولة و طي الملف علي هذا النحو و بشكل نهائي .
عن أي عنصرية أو حقوق أو مقارنة يتحدثون ؟
يجب إستنطاق التاريخ و إستحضار أحداث الماضي و العودة إلي الذاكرة من أجل أن يجد الكل حقه غير منقوص دون تزييف للواقع أو إقصاء لأي مجموعة ،
هكذا الإنصاف وغير ذلك باطل .
و مابني علي باطل فهو باطل .
من جهة أخري أوضح الرئيس السينغالي الأسبق عبدو ضيوف في مذكراته التي قال فيها بالحرف الواحد: ( يجب أن أعترف بأنني لاقيت مصاعب كثيرة مع بعض الشخصيات السينغالية في منطقة النهر المحاذية لموريتانيا نظرا لما تحمله من حقد دفين و تحامل كيدي مفتعل إتجاه الجارة موريتانيا .
إذ لم تكن هذه الشخصيات تريد حلا سلميا بالطرق الدبلوماسية بل كانت تريد الحرب الفعلية مع موريتانيا .
كما كانت نفس المطالب تأتيني من بعض الفرنسيين الذين كانوا يقولون لي : ماذا تنتظرون بعد كل ما فعلوه بكم .
انتم مجبرون علي إعلان الحرب لأنكم لا تستطيعون فعل غير ذلك ) .
لكنه تدارك الأمر بقدرة قادر وجنح للسلم لأسباب متباينة .
لا شك أن المجتمع الموريتاني بمختلف مكوناته الشرائحية و بحكم بعده العربي والإفريقي يتقاطع تاريخيا و صيروريا في جملة من العادات و التقاليد و الظواهر و الممارسات الإجتماعية و الثقافية .
لا يمكن لأي كان نكرانها أو تجاهلها،
و إن كانت تتفاوت في أبعادها الإجتماعية و حجم أشكالها و أنماطها في بعض الحالات بإختلاف و تنوع الموروث الثقافي لدي مكونة إجتماعية بعينها دون غيرها .
فظاهرة العبودية علي سبيل المثال المقيتة و المدانة و المجرمة وطنيا و دوليا .
والتي سادت و عمت مناطق و شعوب العالم دون إستثناء تم تجاوز مآسيها و مخلفاتها داخل بعض البلدان المتقدمة علي مراحل متفاوتة و بشكل تدريجي و نهائي عبر مصالحات و تفاهمات وطنية أيضا .
ظهرت داخل مجتمعنا برمته كممارسة دنيئة و ظالمة في حق الإنسان أو بني آدم علي الأصح الذي كرمه و فضله الله تبارك وتعالي علي كثير من خلقه كما جاء في الآية الكريمة من سورة الإسراء ( و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا ) صدق الله العظيم .
نجد بقايا رواسبها و مخلفاتها لدي كل مكونات المجتمع الموريتاني ،
إلا أنها لدي بعض مكونات الزنوج أخذت أنماطا و أشكالا و صورا و أساليب بشعة و خطيرة مقارنة بما كان يحصل لدي مجتمع البيظان وصلت لدرجة تجهيز مقابر خاصة للأسياد و عوائلهم و أخري للعبيد .
الشئ الذي ظل في حالة وضع صامت لا ينبغي التحدث أو الكلام بشأنه دون أيما إثارة من دعاة مناهضة العبودية أو منظمات حقوق الإنسان التي تنشط بشكل مستمر في المجال الحقوقي و علي نحو واسع داخل الوطن ،
في محاولة لطمس الحقيقة و توجيه اللوم و العتاب بدرجة أقل لمكونة الزنوج دون مكونة البيظان .
و هو ما يؤكد عدم سلامة و شفافية و نزاهة و صدق عمل الجمعيات الحقوقية الناشطة في مجال حقوق الإنسان ،
فمن شأن هذا أن يهيئ الأذهان و يمهد السبل لتسويق و ترويج الشائعات و الأكاذيب المضللة و الإفتراءات المفتعلة بقصد الإضرار بسمعة مجتمع البيظان .

في الوقت الذي يتم فيه رفع الشبهات عن مكونات الزنوج ..
و إن كان ذلك لا يبرر إطلاقا ما موريس في السابق داخل أوساط البيظان من عبودية و ظلم و سطو و غبن و تهميش و تعذيب و إغتصاب..الخ
و بشكل فظيع و فاضح ضد شريحة لحراطين و ما يضاهيها من فئات ضعيفة طالها الغبن و التهميش و الظلم كآزناكة و غيرها .
مما كان له الأثر الكبير في تجهيل و تفقير و تجويع أبناء هذه الشرائح،
و خاصة في ظل غياب المساواة قبل قيام الدولة المركزية و تقاعس و انبطاح نخبنا الوطنية و الرغبة الجامحة لديهم من أجل التربح علي كاهل المواطن البسيط جشعا و علي حساب القضايا الوطنية العادلة .
مما جعلنا اليوم نعيش هذا الواقع و الوضع الإنساني المر ،
و نتناقض مع أنفسنا في كل الأحوال و الأوقات و المناسبات
نتيجة إزدواحية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية و الحقوقية،
و التباين في الطرح و المقاربات و التعمد إلي الخلط بين العمل السياسي و الحقوقي .
بالتأكيد لسنا مسؤولين عن ظلم الأنظمة المستبدة أو عن ممارسات العبودية في الماضي ،
بقدر ما نحن مسؤولون و مدعوون كل من موقعه للتخلص من رواسبها بشكل أو بآخر و مناهضتها و عدم التستر علي مرتكبيها و الوقوف إلي جانب ضحايا أشكال الإرث الإنساني و رفع الظلم عنهم و تمكينهم من تبوئ مكانتهم المستحقة و اللائقة داخل المجتمع دون مزايدة .
و هو ما يتطلب نهجا شاملا يجمع بين العدالة الإنتقالية و التعويضات و البرامج الإجتماعية و الإقتصادية لتلبية إحتياجات الضحايا و تعزيز المصالحة الوطنية مع منح الضمانات لعدم تكرار الإنتهاكات ،
ولا يتأتي ذلك إلا عن طريق التمكين و التمييز الإيجابي الهادف و المنصف من الدولة ،
ما نحتاجه و نتطلع إليه اليوم أكثر من أي وقت مضي هو خطاب موحد جامع يفضي للإنخراط في عمليات إصلاح البلد بشكل واسع و يسعي لبناء شامل من أجل موريتانيا حاضنة لجميع أبنائها،
بالإضافة إلي أهمية سماع بعضنا البعض و إغتنام فرصة الحوار الوطني المرتقب الذي سبق و أن تعهد به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حيث من المتوقع أن ينطلق قريبا إن شاء الله ،
و ضرورة حجز مكان ضمن الحضور ،
و الجلوس معا علي طاولة حوار وطني شامل وجامع جاد مبني علي المصارحة و المكاشفة و معالجة كل الإختلالات و الإشكالات و مواجهة القضايا الوطنية العالقة بالحلول لا بالتجاهل و النكران ،
و تقديم التنازلات المؤلمة من أجل مصلحة الوطن و ذلك بتغليب منطق المواطنة الصالحة و المخلصة علي تراهات المصالح الضيقة .
و ردم الهوة التي أنشأت بين مختلف مكونات المجتمع .
كما نحتاج أيضا إلي تقريب التباعد و بث رسائل التقارب .
و العمل سويا بغية فرض هيبة الدولة بالعدل و القانون علي نحو يعزز قيم الولاء و الإنتماء للوطن ويقوي اللحمة الوطنية و يكرس دولة المواطنة و المساواة و يحقق العدالة الإجتماعية و يجسد التقسيم العادل للثروات بشكل تعم فيه الرفاهية و تذوب فيه الفوارق الإجتماعية.
و هو ما يعكس و يجسد مقاصد خطابات فخامة رئيس الجمهورية خلال جولته الأخيرة داخل مقاطعات ولاية الحوض الشرقي ،
و ما تضمنته من أفكار هادفة و بناءة تصب في هذا الإتجاه .
بالتأكيد ما يجمعنا هو ثوابت و قيم وطنية و دينية و أصول ثابتة تندرج ضمن روابط و قواسم كبيرة مشتركة وجامعة .
في حين يبقي ما يفرقنا هو حالات فرعية و خلافات آنية عابرة و قضايا تم تدويلها و تضخيمها و توظيفها بشكل سيئ و خاطئ أساء للوطن و خدم آجندات خارجية تتربص بوحدة و إستقرار البلد و النيل من ثوابته الوطنية .
لكن هيهات!!!

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .
المرابع ميديا – al-maraabimedias موقع "المرابع ميديا" التابع لوكالة المرابع ميديا للإعلام والإتصال