Zwei Fotos im Frame
Foto 1 Foto 2

قراءة لخطاب فخامة رئيس الجمهورية في ضوء مفهوم دولة المواطنة وأمام أطماع القبيلة و جشع الموظفين

تتعارض دولة المواطنة مع الولاءات القبلية و النزعات الشخصية للموظفين ،
حيث أن المواطنة تتطلب المساواة في الحقوق و الواجبات بين جميع أفراد المجتمع أمام القانون و علي نحو عادل بغض النظر عن الإنتماء العرقي أو القبلي .
بينما يميل نظام القبيلة إلي المحاباة و التمييز علي أسس عائلية أو جهوية و علي حساب بقية أبناء الوطن .
بالتأكيد ولوج أو تدرج الموظفين إلي المناصب العليا عن طريق المحسوبية أو المحاباة ،
يتعارض مع مبدأ الإستحقاق و الكفاءة .
مما يقوض أسس دولة المواطنة المبنية علي العدالة و سيادة القانون .
بحيث تصبح المواطنة مجرد مفهوم نظري غير مطبق علي أرض الواقع .
جرت العادة أن تأتي الزيارات الرئاسية الرسمية داخل الوطن في أجواء إحتفالية حماسية تنافسية يتم فيها إستقبال رئيس الجمهورية بحرارة بالغة .
وسط حضور و حشد شعبي كبير و كبير جدا ،
تحركه و تؤطره أطراف وازنة من الأعيان و شيوخ القبائل و رجال السياسة و المال و الأعمال و أطر و موظفي الدولة .
بهدف إظهار الإجماع الشعبي و الرضا العام و تأكيد الولاء للنظام
مقابل التعيين و تمكين أبناء القبيلة .
و هو ما عزز من نفوذ القبيلة داخل المشهد السياسي و مفاصل الدولة و علي نحو أستباح إستغلال النفوذ الوظيفي .
أمام الإندفاع الكبير و الإنصياع الأعمي لعادات وتقاليد و طقوس إستقبال أملتها ظروف الديمقراطية الخاطئة
و ما يصاحبها عادة من إسراف و تبذير و تبديد للمال لا حدود له و بشكل كرس
البعد القبلي و مجد الأعيان و أبناء القبيلة.
يأتي هذا في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف و الترويج للشرائحية بشكل واسع داخل البلاد،
و هو ما ساهم بشكل أو بآخر في العودة القوية للدور المتعاظم للقبيلة في إذكاء العصبية و إثارة النعرات الضارة التي تعيق نهوض و تقدم الوطن .
و تدفع الناس إلي نصرة الظالم علي المظلوم دون الإحتكام إلي القضاء الوطني .
و التي قد تتطور إلي ملاسنات فظة علي صفحات التخاصم الإجتماعي.
أو تتنهي بصراعات يسيل فيها دم الإخوة من أبناء الوطن الواحد جعلت منهم القبيلة ألد الأعداء .
خاصة في ضوء ما يحصل من تصادم و عراك قبلي ،
يتجدد من موسم لآخر بسبب نزاع عقاري قديم و حقد دفين أو صراع علي موارد مائية .
و هو ما يعد خروجا صريحا علي دولة القانون و المواطنة يقوض مفهوم و هيبة الدولة .
قد يشكل خطرا حقيقيا علي السلم الإجتماعي و التعايش الأهلي و الإستقرار السياسي .
إذ لا يختلف إثنان علي أن القبيلة هي نقيض الدولة و إن الولاء للقبيلة بدل الوطن يلغي مفهوم الوطن .
و عليه فإن القبيلة بالمفهوم السياسي تشكل عائقا أمام بناء دولة المواطنة الحديثة التي تستند إلي الشرعية و المواطنة و الكفاءة و هي القيم التي تناقض أعراف و تقاليد و عادات القبيلة القائمة علي القرابة و الولاء و الإتباع و العصبية و الإنحياز .
في حين يجمع كل المحللين و المراقبين علي أن إتساع نفوذ القبيلة لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو إمتداد لتاريخ طويل من التواجد السياسي و إستغلال الحكومات نفوذ القبيلة لتأدية أدوار سياسية ،
خصوصا في أوقات الأزمات السياسية و الفراغ المؤسسي في ظل أعتماد النظام الحاكم علي الأعيان و النافذين داخل المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي و استمرار الحكم .
و هو ما ادي إلي تعاظم قوة القبيلة
و أسس لمرحلة من الممارسة السياسية الخاطئة و الظالمة منذ إنطلاق العهد الديمقراطي.
في الوقت الذي تنظر فيه النخب الوطنية الفاسدة للدولة علي أنها بقرة حلوب ،
كما تري بأنها مجرد مصدر للثروة و الإستفادة الشخصية .
حيث يسعون لإستغلال مواردها و مؤسساتها لمصالحهم الخاصة ،
دون النظر لمصالح الشعب أو التنمية المستدامة ،
مما يجعل الدولة عرضة للتدهور.
نتيجة لما سبق ذكره و للتراخي و التمايز الحاصل في تطبيق القانون و غياب العدالة الإجتماعية و ظهور علامات الثراء الفاحش غير الشرعي و انتشار الفساد في كل تجلياته دون مساءلة أو محاسبة ،
حيث تعد القبيلة بيئة مناسبة و محمية و حاضنة للفساد .
ظروف كرست للحكم الأحادي في المراحل السابقة و إعلاء صوت القبيلة علي حساب صوت الوطن .
أسست لمرحلة من التعاطي الديمقراطي السلبي .
خدم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة و زاد من حالات الظلم و الغبن و التهميش و إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .
و خلق قيما مجتمعية وطنية بديلة خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية كالنفاق السياسي و الكذب و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و التسيير و إستغلال النفوذ.
حيث أعتادت المواسم الإنتخابية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت لصالح النظام الحاكم علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني.
رغبة في التوظيف أو التعيين او التوزير أو تمكين أبناء القبيلة ، دون الإلتزام بمبدأ الجدارة و الكفاءة و الإستحقاق .
بل الإعتماد علي معايير مزدوجة و سياسات إنتقائية علي مستوي التعيينات في الوظائف الحكومية أو الدبلوماسية أو المناصب العليا أو إدارة المؤسسات من قبيل القرابة و المصاهرة و إقتراحات شيخ القبيلة و أخذ الإعتبار ببعض التوازنات القبلية دون غيرها و الولاء الحزبي و المناطقي و المحاباة و الزبونية أو تدوير مفسدين و هم في حالة دفع مسروقات سابقة في مناصب عليا ،
كما يتم منح الصفقات العمومية بالتراضي لرجال مال و أعمال و أصحاب نفوذ دون غيرهم من أبناء الوطن .
مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم دولة المواطنة .
من جهة أخري يتنزل خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني
أمام ساكنة انبيكيت لحواش ضمن جولته الأخيرة داخل الوطن ،
في سياق تأكيد بناء الدولة الحديثة علي قيم المواطنة و الإنصاف .
و ليس علي الإرث الإجتماعي القديم .
حيث لامس مكمن الوجع
كما شدد الخطاب أيضا علي أن هذا المشروع ليس مجرد شعار ،
بل هو مسار وطني شامل يتطلب وعي النخب و تكاتف الجميع .
فهذا النوع من الخطابات يهدف إلي تقوية الوحدة الوطنية و الإهتمام بجميع مناطق البلاد ،
و يؤكد علي أن الجميع جزء من نسيج وطني واحد و أن لديهم حقوقا و واجبات متساوية .
بغض النظر عن القبيلة أو الجهة التي ينتمون إليها ،
فبناء الدولة و المستقبل يعتمد علي مشاركة جميع المواطنين و إلتزامهم بوطنهم ،
حيث تم الربط بين خطاب فخامة رئيس الجمهورية و الفعل التأسيسي
بما يوضح أن الرئيس يتحدث من منطلق العمل الميداني و ليس فقط من موقع الخطابة .
بدليل الإجراءات العملية الصارمة التي أتخذها علي الفور و التي صاحبت الخطاب من قبيل :
. حظر مشاركة و حضور موظفي و اعوان الدولة أي إجتماع ذي طابع قبلي أو جهوي أو نشاط يتنافي مع مفهوم الدولة.
. تحريم النزاعات القبلية إثر إستغلال مساحات أرضية من أجل المصلحة العامة كالأراضي الزراعية أو الموارد المائية .
. عدم التساهل أو التسامح مع أي دعاية ذات طابع عنصري أو شرائحي.
فهل يعقل في ظل دولة القانون و المؤسسات أن يتم االإحتكام إلي القبيلة و الخوض أو التعاطي في قضايا و جرائم معروضة أمام القضاء الوطني ؟!
إن الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد المنافي لمنطق الدولة الحديثة ،
يقتضي ضرورة العمل علي بناء مشروع إجتماعي إقتصادي وطتي متكامل يساهم في غرس و تطوير قيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الوطن الواحد و الدين الواحد و حقوق الإنسان و قوانين الدولة .
و الإلتزام بالترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة.
من خلال وضع إستراتيجية وطنية محكمة تهدف إلي تعميق الإنتماء الوطني وفق أصوله السليمة و الحضارية،
تؤسس لحماية وحدته الوطنية من كل التحديات و المخاطر الداخلية و الخارجية ، حيث تعتبر الوحدة الوطنية المرتكز الأساسي في إستقرار الدول و نمائها و التي يقوم عليها البناء الوطني السليم .
و بالتالي تشكل هدف التنمية السياسية و غايتها الأولي.
صحيح أن أهداف ترسيخ و تعزيز مفهوم القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها و إدراجها ضمن الوثائق الرسمية بل يستوجب ترجمتها إلي إجراءات فعلية و عملية .
و أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي إرادة جادة و صادقة في إحداث التغيير المنشود عبر إرساء سياسات إصلاح ناجحة و عدالة تذوب فيها كل الفوارق الإجتماعية و تقسيم عادل للثروة تزول من خلاله حالات الظلم و الغبن و التهميش و الإقصاء .
تتحقق خلالها تنمية مستدامة تتيح معيارا مقبولا للعيش الكريم .
و تعمل علي تعزيز دولة القانون و المؤسسات .
فإلي متي ستظل الدولة رهينة أطماع القبائل و الأشخاص ؟
بالتأكيد الوطن سيبقي إن شاء الله و ستتلاشي الأطماع و تتواري الأشخاص و القبائل و لو بعد حين !

حفظ الله موريتانيا
اباي ولد اداعة .