

أثار قرار القضاء الموريتاني بشأن إحالة معلم للسجن بتهمة الإعتداء بالضرب علي تلميذ داخل الفصل أساء إليه و ناطحه بالقول و اللفظ دونما خوف أو خشية في محاولة لإسكاته و تأديبه تجاوزت حدود اللباقة في الإتجاهين .
وفق ما تضمنه محتوي فيديو انتشر علي نطاق واسع وثق الحادثة لحظة وقوعها –
ردود فعل متباينة و جدلا واسعا داخل الفضاء الأزرق و تسبب في إستياء كبير داخل أوساط المعلمين .
انقسم علي إثره الشارع الموريتاني ما بين : –
. مؤيد : يري بأنها خطوة جد إيجابية في إتجاه تطبيق القانون الذي يحمي الأطفال و ضرورة محاسبة المعتدين علي التلاميذ القصر ضمن ما يعرف بالعنف المدرسي غير مبرر تحت أي ظرف كان ،
لما قد يترتب عليه من مخاطر علي حياة و سلامة الأطفال،
. و معارض : يري بأنها إهانة غير مسبوقة لهيبة و مكانة المعلم في ضوء واقع يعيشه المعلم علي مضض و يتجرع مرارته في ظل غياب واضح لدور المؤسسة التربوية في تشريع القوانين لحمايته و الذود عن رسالته علي غرار قانون الرموز .
بالتأكيد لو أدرك أمير الشعراء احمد شوقي بأن زمنا سيأتي من بعده لا يقوم أحد فيه للمعلم قدرا و لا يحظي فيه بشيئ من التبجيل و لا بقانون يحميه ،
لما أنشد بيته المشهور : –
قم للمعلم و فيه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا .

كان التعليم في الماضي يخضع لنظام و قوانين عرفية صارمة في ظل قيم سائدة حينها متأسسة علي ضوبط أخلاقية و ثوابت دينية و وطنية و علي ثقافة طورها الوعي الفطري للموريتانيين.
فكان المعلم يستشعر القيمة الكبيرة لمهنته بصفته صاحب رسالة و ليس موظفا بدوام جزئي ،
مما أكسبه تقديرا و إحتراما كبيرين داخل الوسط المدرسي و المجتمعي .
في ظل التركيز علي صدق النوايا و حب الدراسة و الرغبة في التعلم و إكتساب المعرفة .
فرغم ضعف الموارد و قلة الإمكانات و صعوبة وسائل الإتصال و التواصل أنذاك .
كان المعلم صاحب مكانة مرموقة إجتماعيا ،
لا أحد يستطيع التجرؤ عليه سواء كان طالبا أو ولي أمر
بحيث كان يملك صلاحيات واسعة داخل الصف و خارجه .
لدرجة أننا كنا نخشي و نحن أطفال اللعب في الباحات و الساحات العمومية و نختفي بسرعة كلما شعرنا بقدوم أو مرور المعلم إتجاهنا أو بالقرب من تلك الأماكن .
خوفا من أن لا يلقانا و نحن في هذه الحالة مما يعرضنا للمساءلة و العقاب نتيجة التسيب و إهمال الواجبات .
تتفاوت درجات العقوبة أنذاك داخل المدرسة حسب خطورة و حجم الخطأ ما بين : –
. الجلوس علي الركبتين و رفع اليدين بإتجاه الحائط لفترة طويلة نسبيا .
. الضرب علي اليدين بسوط موجع أو عصا و لو بتأخر بسيط بعد رنين الجرس .
. الضرب علي المؤخرة بعد تقييد حركة الرجلين و اليدين بواسطة 4 أشخاص و هو ما يسمي حينها بالأربعة ( par quatre ) .
. الطرد أو الفصل .
كل هذه الإجراءات التأديبية كانت تفرض علي التلميذ داخل محيط المدرسة ضمن ضوابط ملزمة تفرض عليه الإنصياع و إحترام المعلم و الإندماج داخل الفصل .
دون إعتراض أو رفض من أي كان .
حيث كان أولياء الأمور يربون أبناءهم علي حسن الأدب و إحترام الأكبر سنا و تقدير المعلم ،
و مع ذلك لم تسقط السماء علي الأرض .
و هو ما كان له الأثر الكبير في خلق جيل متعلم و منضبط تولي لاحقا مسؤوليات كبيرة في إدارة الشأن العام و تدرج في مناصب عليا ،
خدم الوطن من مواقع مختلفة و متباينة .
إلا أنه بمضي الوقت و مع تراجع القيم المجتمعية و تغيير المفاهيم و إهتزاز الثوابت الدينية و الوطنية و طغيان المادة و إنتشار إستخدام حبوب الهلوسة و المؤثرات العقلية داخل الوسط المدرسي.
و بعد سنوات من منع العقاب البدني داخل مؤسسات التعليم ،
نجد أن كثيرا من أبناء الجيل الصاعد قد فسد من جراء عدم إستخدام هذ الأسلوب التأديبي في مراحل التعليم الأولي .
خاصة أمام تأثيرات عولمة غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات و ساهمت بشكل أو بآخر في نشر ثقافة العنف و إنحدار القيم ،
بالطبع أساليب كانت تستخدم في التربية لها إيجابياتها الكثيرة كما ذكرنا في السابق و سلبياتها الخطيرة من قبيل الإفراط في التعذيب النفسي و الجسدي و ما قد يسببه من إضطرابات شخصية للطالب و حرمانه من الدراسة
لما تجسده من تصرفات غير مناسبة و أفعال يجرمها القانون .
واقع أندثرت معه هيبة و مكانة المعلم ما بين التطاول عليه لفظا من بعض الطلاب المنفلتين أخلاقيا إلي التعدي عليه جسديا تارة داخل محيط المدرسة دون وجه حق للرد بالمثل و تارة أخري من رجال أمن كما حصل مع معلم خلال العام الماضي وسط وقفات إحتجاجية للمعلمين مطالبة بتحسين وضعيتهم .
شاءت الأقدار ان صفع شرطي معلما ضمن المحتجين أسقطه أرضا.
دون ان تقدم الأجهزة الأمنية إعتذارا رسميا للمعلمين ،
و كأن شيئا لم يحدث .
و إن كان ذلك ضمن حالات قليلة و شاذة نتيجة ضياع كرامة و إحترام ظلت إلي وقت قريب محفوظة و مصانة.
إضافة لما سبق ذكره يجمع كل المراقبين بشأن التعليم إلي أن ظاهرة عدم إحترام الطلاب للمعلم تعود لأسباب و عوامل متباينة أبرزها عدم إستطاعته إتخاذ أي قرار بحق غير المنضبط .
و تراجع دور الأسرة بشأن العمل علي تنمية إحترام المعلم و قدسية مكانته في عقول الأبناء .
بالإضافة للدروس الخصوصية التي يقدمها المعلم خارج فضاء المدرسة و التي قللت من هيبة المعلم .
حيث أزالت الحواجز فيما بينه و بين الطلبة الذين يحصلون عليها .
في ظل شعور الطالب ضمن هؤلاء ان المعلم أصبح مدينا له ،
فهو الطالب الذي يدفع له .
و بالتالي لا يستطيع المعلم أن يواجهه بأخطائه أو نواقصه،
في الوقت الذي كان فيه المعلم في الماضي بمنزلة الأب في البيت و المدير في المدرسة .
من جهة أخري يلاحظ تراجع صلاحيات المعلم بشكل مشهود ،
بحيث أقتصر دوره الآن علي تلقين المعلومات في ظل تحولات إجتماعية و تقنية حديثة .
تتطلب تطوير أدوات المعلم و مهاراته ليلائم العصر الرقمي و يتفاعل مع التحديات الجديدة في مجال التعليم مثل إستخدام التكنولوجيا و التواصل مع أولياء الأمور و الطلاب و الزملاء لإدارة الصف و قيام علاقة إيجابية .
تأسيسا لما سبق فإن هيبة و مكانة و إحترام المعلم أصبحت قاب قوسين أو أدني من الضياع .
ما لم تكن هناك حلول ناجعة من الجهات الوصية و المعنية للعودة بالمعلم إلي ما يستحقه بالفعل من موقع بارز و متميز ،
لائق بكينونته و وضعه المهني و الحياتي .
في إطار المواءمة بين النظام القديم و الحديث .
وتمكين المعلم من تقنين جديد و تشريعات تحميه دون تأييد للعنف أو الدفاع عن متورطين في جرائم عنف بينة .
بحيث تمسك العصا من النصف .
علي نحو يجرم العنف المدرسي و الضرب المبرح و الإفراط في التعذيب
مقابل عدم تجريم إستخدام العصا بلباقة و في حدود التأديب الخفيف للتخويف فقط ليس إلا .!!
تحية تقدير و إحترام لكل معلم مخلص يبذل جهده في تعليم أبناء وطنه .
اباي ولد اداعة .
المرابع ميديا – al-maraabimedias موقع "المرابع ميديا" التابع لوكالة المرابع ميديا للإعلام والإتصال