28 أبريل 2024 , 23:25

من هنا تُهزم إسرائيل بقلم/ م. محفوظ بن أحمد

025مرت قبل أيام ذكرى 6 يونيو. وهي مناسبة تعني الكثير لليهود، ولمحتلي فلسطين منهم بشكل خاص. يسمونها رسميا حرب الأيام الستة ولا يقيمون لها احتفالات صاخبة تلقى فيها القصائد وترقص الفرق تحت صور القائد الملهم!.

إنما يحتفلون بها تحت هاجس “الأمن” وتوطيد الاحتلال وتهويد الأرض ومسخ صورتها الفلسطينية، التي ضيعتها الشعارات وردمها النسيان ونبت عليها العشب اليهودي الخبيث.

في تلك الحرب الخاطفة كانت إذاعة “صوت العرب” تزف إلى الملايين الانتصارات العسكرية العربية، قبل أن تتوج تلك الانتصارات بالنصر الأكبر الذي قالوا إنه فشل إسرائيل في قتل القائد العظيم وإسقاط نظام حكمه التقدمي التحرري.. الخ.

قبل 6 حزيران 1967 كانت إسرائيل كيانا ضعيفا ذليلا محاصرا في ما تتبرأ منه اليوم الأنظمة العربية وبعض الفلسطينيين من أرض فلسطين ويسمونه حدود 1948!!.

لم ير العالم من “انتصار” القادة العرب في حرب تلك الأيام الستة سوى تدمير أسلحتهم ودفاعاتهم وإبادة جزء كبير من جنودهم… وسقوط مدينة القدس وباقي أرض فلسطين وجزء من مصر (سيناء وغزة) وشمال الأردن (الغور والضفة) وجزء أساسي من سوريا (مرتفعات الجولان وأنهارها). وهذه هي الدول العربية الثلاث المجاورة لفلسطين والتي خاضت تلك الحرب بدعم عسكري ومادي من معظم الدول العربية الأخرى.

هل كان ذلك انتصارا عربيا كما زعموا، بل هل كان خسارة معركة انتحر قوادها خزيا وندما.. أو على الأقل استقالوا وتواروا عن الأبصار؟؟!!

أي شيء غير اللعنة يستحقه من على مسئوليتهم وقعت تلك الكارثة التي ضاع فيها المسجد الأقصى والأرض والعرض، وحل الهوان والخزي والعار في باقي الديار العربية؟

وأي شيء أكثر سخافة وأدنى نظرا من تبريرات هؤلاء وأبواقهم لتلك الهزيمة المنكرة ونتائجها البشعة، مثل القول بأن أمريكا وأوروبا ساندت أو حتى قاتلت مع إسرائيل؟!

هل كانت هذه القوى الشريرة مختفية أو مشكوكا في نواياها تجاه العرب أو تجاه صنيعتها الإسرائيلية؟!

لكن دعونا نتجرع الهزيمة ونخادع أنفسنا ونستجيب لأوهام الإعلام القومي العربي.. ونقول إنها مجرد معركة خسرناها أو في أسوإ الأحوال “نكسة”؛ وسنرد الصاع صاعين والحرب سجال.

طال الأمد وجاءت حرب اكتوبر 1973، التي كانت بحق حربا تكتيكية ذات أهداف سياسية محدودة ما لبث أن ظهرت مكشوفة (التغطية على تحول تجاه النظام المصري الجديد، وتأسيس ما يسمى بمفاوضات السلام والاعتراف بإسرائيل وتشريع احتلالها لكافة فلسطين والقبول بحشر الفلسطينيين في الضفة والقطاع اللذين كانا ـ قبل 1967 ـ جزءا من الأردن ومصر!!).

مع هذه الجروح الغائرة والتجربة المرة.. ظل بعض دعاة القومية العربية يتبجحون بالمزيد من الشعارات، ويمنون الأمة بالوعود الطوباوية: بالنصر والوحدة والنماء على أيدي قادتهم التقدميين الملهمين..الخ.

ولم يدخروا جهدا ولا حيلة في تزييف الواقع والتاريخ في دفاعهم الأعمى والأصم عن تلك الأنظمة العسكرية الاستبدادية، رغم رتوعها في الفساد والقتل، وفشل كل مشاريعها؛ ومشروعها الأهم وشعارها الأسمى وهو “الوحدة العربية”..

طوال أربعة عقود ونصف استطاع ثلاثة على الأقل من الحكام العرب، الآتين بانقلابات عسكرية، تأسيس ممالك للطغيان تحت اللافتة القومية العربية. أحدهم يهذي ويتخبط في طرابلس الغرب، واثنان منهم يحكمان باسم تيار قومي، بل حزب واحد، في العراق وسوريا؛ وهما بلدان متجاوران جغرافيا، ولكن كانت “الوحدة العربية” بينهما قطيعة تامة وإغلاقا للحدود، وحربا إعلامية ومخابراتية شعواء. وكان أتباع ذلك الحزب القومي يعالجون هذا الواقع المناقض ويبررونه بالشعار الجميل: “أمة واحدة ذات رسالة خالدة”!!.

لم تقتصر الجهود “القومية” لنظامي البلدين على البطش والقمع في الداخل وتصفية المعارضين والمشتبه بهم، حتى من الرفاق، بأبشع الطرق وأكثرها وحشية.

إلا أن كل واحد منهما كان يحتاج لمزيد من الدماء والدمار ـ خارج فلسطين طبعا ـ فشن النظام العراقي حربا على جارته الإيرانية خرج منها بخسائر هائلة، وبغرور أوقعه في احتلال جارته وحليفته الممولة لانتصاراته (الكويت). فما كان احتلال الكويت نوعا من الغدر ونكران الجميل فقط، لكنه كان أيضا نموذجا فريدا لما يخفيه استبداد وطغيان أولئك الحكام المغرورين من الغباء وضحالة التفكير واسترخاص دماء البشر.

أما في سوريا فقد انكب النظام البعثي على تحصين نفسه والتمكين لطائفته في البلد، ولكنه كان أيضا بحاجة لبعض الدماء والحروب، خاصة أنه يمارس الاستبداد هو الآخر باسم العروبة والتصدي والتقدم والاستعداد لمواجهة العدو وتحرير الجولان وفلسطين.. الخ

وجدت سوريا بدورها في لبنان ـ جارها وشقيقها الأصغرـ ميدانا للحروب الضرورية لنظامها “التحرري”.

وهكذا كان لبنان ضحية لجبن النظام السوري واستبداده وطائفيته؛ فهو بلد مزدهر ينعم بهامش كبير من الحرية والديمقراطية، وهذا بالذات لا يروق لدمشق الأسد، كما أنه احتضن بكرم نادر وسعة صدر القيادات الفلسطينية المطاردة من إسرائيل والمطرودة من الأردن مع آلاف اللاجئين الفلسطينيين؛ وهذا أيضا يزعج النظام السوري الذي يريد احتكار “المقاومة والصمود” بطريقته الخاصة (الكلامية).

كانت نتائج التحالف السوري مع إيران في حربها مع العراق (البعثي الشقيق!) إنشاء منظمة حزب الله في لبنان. وقد رفعت هذه المنظمة من شعارات المقاومة والتحرير ما يكفي لتغطية جوهرها الطائفي، الذي توارى خلف حروبها المظفرة وخاصة تحرير جنوب لبنان..

وبينما تنعم إسرائيل والمستوطنون اليهود بالأمن الكامل والخيرات في الأرض السورية المحتلة (الجولان) ظلت سوريا تتظاهر بحرب إسرائيل في لبنان الذي جعلته بذلك “درعا بشريا” في تلك الحرب التكتيكية مع إسرائيل.

في تلك الأثناء مات الأسد العجوز فجأة، فقام “البرلمان” السوري بتعديل الدستور ـ في خمس دقائق ـ لتتويج الأسد الشبل خليفة على الجمهورية “المقاومة”.

لم يحد الشبل عن مسار أبيه فأبقى جبهة الجولان هادئة باردة كثلوج “جبل الشيخ”، بل استقبل غارات إسرائيل وتدميرها لمنشآته الحيوية (مفاعل دير الزور)، واغتيالاتها لأهم مساعديه في عرينه.. بنفس البيانات “التحررية” وقافيتها المعهودة: “إن سوريا تحتفظ بحقها في الرد في المكان والزمان المناسبين”..!! وهو نفس الانتقام الذي كان رد به الشقيق العراقي على تدمير إسرائيل لمفاعله الاستراتيجي (تموز) سنة 1981، إلا أن الرئيس العراقي تجرأ ـ بعد عشر سنوات ـ في لحظة يأس على توجيه بعض بقية صواريخه إلى الكيان الصهيوني دون إيلام، وذلك بهدف اجتذاب مزيد من تأييد الرأي العام العربي والإسلامي المتعاطف معه في مواجهة العدوان الأمريكي. وهو تصرف من المحتمل جدا أن يلجأ إليه الأسد لرشوة نفس الرأي العام الذي نبذه واستنكر حربه على شعبه.

رعى النظام السوري وغذى الحرب الأهلية في لبنان. وفي مرمى دباباته وظِل مخابراته ارتكبت إسرائيل مجازر صبرا وشاتلا ضد اللاجئين الفلسطينيين. قبل أن يقوم الجيش السوري نفسه باحتلال “اخوي” للبنان ويطرد منه القيادة الفلسطينية (ياسر عرفات) إلى عرض البحر.

وحين ثار الشعب السوري على الاستبداد والتدجين، أخرج الأسد لامة الحرب وأظهر بأس جيشه العربي الذي واجه بطائراته الحربية ودباباته ومدافعه المواطنين المحتجين.. وأظهر في مدنهم وقراهم شجاعته وقدرته على البطش والتدمير… تماما كما وصف الشاعر الموريتاني (أحمد الحسن) الرئيس السوري قبل عقود:

قالوا بأنك في الحروب نعامة * أسـد إذا رفض المواطن أن يُذل

ولأن جينات الجبن وغرائز القمع فيه أقوى من كل شيء استنجد الأسد ـ مع ذلك ـ بكتائب مليشيات حزب الله الذي حول جبهته من جنوب لبنان إلى جنوب سوريا! كاشفا قناعه الجميل، الذي صفقت له الشعوب العربية، وتجمل منه النظام السوري نفسه، عن جوهره الطائفي القبيح!

**

اليوم يستفيق أولئك الذين أيدوا حزب الله وتعاطفوا معه ـ رغم المأخذ الطائفي ـ بسبب رفعه لواء مقاومة إسرائيل. وتتغير مواقفهم مع تغير تجاه مدافع الحزب الذي أصبح محل إدانة مزدوجة (مقاتلته الشعب السوري وطبيعته المذهبية الطائفية).

لكن هناك من لم يغيروا رأيهم ولن يغيروه لأن مواقفهم كانت أسيرة الشعارات ونصيرة الاستبداد.

حتى بعد هذا التاريخ الطويل من القمع والهزائم والفشل.. ما زال هناك من يصدقون شعارات المقاومة والممانعة وهزيمة إسرائيل… من دمشق الأسد!.

المفارقة الكبرى التي لا يتنبه لها أحد من هؤلاء هي أن مثل هؤلاء الحكام المستبدين وأنظمتهم الشمولية هم خَدمة إسرائيل وعملاؤها الحقيقيون ـ على الأقل من حيث النتائج ـ ومن ثم فإنها تتمنى بقاءهم وتعمل مع حلفائها على استمرار أنظمتهم الديكتاتورية.

إن القوة التي تعتمد عليها إسرائيل وتحفظ أمنها.. ليست السلاح ولا التقدم العلمي ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية.. بل هي بقاء الشعوب العربية ـ عدوهاـ تحت حكم أنظمة استبداد وفساد قمعية، مهما كان حجم التهديدات والشتائم التي توجهها لإسرائيل.

إن إطلاق الحرية وإعادة الكرامة والإرادة والوعي للشعوب العربية وتمكنها من اختيار حكام ـ أيا كان حزبهم ـ يحترمونها؛ وقدرتها على مراقبتهم ومساءلتهم، وبالتالي تغييرهم… هي السلاح الفتاك الذي تخشاه إسرائيل، وهو الخطوة الأولى ـ مهما تأخرت ـ على طريق هزيمتها.. ومن ثم فسيظل من الصعب أن تنعم الشعوب العربية بمثل تلك الأنظمة التي تخضع لإرادتها.

وليجد أولئك الذين يتباكون على حكام الاستبداد وأنظمة الشعارات المخدِّرة والمواقف المضللة… كل الطمأنينة بأن إسرائيل وحلفاؤها يشاطرونهم نفس الدموع ويسعون، كما كانوا في الواقع، لإبقاء تلك الأنظمة؛ وخلقها من جديد كلما انهارت بفعل تراكم سيئات أعمالها.

وتحرير الأرض والحجر لن يكون ولن يصان قبل تحرير البشر.

م. محفوظ أحمد

شاهد أيضاً

الممثل المقيم للبنك الإفريقي للتنمية بموريتانيا في مقابلة مع “المرابع”: مشروع “RASME” هو حل رقمي للإشراف على المشاريع ومراقبتها وتقييمها عن بعد

على هامش ورشة العمل الخاصة بمشروع الإشراف والتقييم والمراقبة عن بعد(RASME) التي بدأت أمس الثلاثاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *