12 مايو 2024 , 17:36

حــرب الشـــعــــوب// أحمدفال ولد الدين

ولد الدينيُروى أن المهلب بنَ أبي صفرةَ قال يوماً لأبي علقمة الحميدي لحظة اشتداد حربه مع الخوارج
قل لقومك أن يعيرونا جماجَمهم ساعة”. فرد عليه: أيها الأمير، إن جماجمهم ليست بفخارٍ فتُعار، وأعناقَهم ليست بكراثٍ فتنبت
لعل جملة المهلب تلك معبرةٌ عن نفسية حكام العرب المعاصرين وحروبهم، وعن الباعث وراء حروب العرب خلال العقود الماضية. فالصراعات التي خاضتها الدول العربية بعد استقلالها –باستثناء تلك التي مع إسرائيل- كانت حروب مستبدين ضد مستبدين من أجل مطامع شخصية، ولم يكونوا يبالون أقُتلت شعوبهم أم مُزقت؟. فجماجم الشعوب فخار يُعار، وأعناقهم حشائش تنبت من جديد
فما دخل الشعب الليبي في الحرب التي شنها القذافي على تشاد في ديسمر عام 1980؟ وما مصحلة المواطن المصري بحرب عبد الناصر على اليمن ما بين عام 1962 و1967؟ ثم ما دخل شعوب المغرب العربي في القتال العبثي الذي دار نهاية السبعينيات على الصحراء الغربية؟
ثم ما مصلحة المواطن العراقي في ذلك القرار الذي اتخذه صدام منفرداً بغزو جارته، غير الويلات التي أخرجت بلاده من مصاف الدول الساعية للنمو إلى مصاف الدول الفاشلة، وانتشلتها من عوالم الحضارة المعاصرة إلى عصور الاحتراب الطائفي؟
ولعل من المثبط كثيراً أن طوائف من مثقفي العرب كانت تصفق للحرب العبثية التي خاضها صدام ضد إيران ولموت مئات الآلاف من الشبان العراقيين وأسر عشرات الآلاف منهم، فيما يعتصر قلوبهم الألم اليوم – شفقةّ- لسقوط الناس شهداء في ساحات الحرية في طريقهم للتحرر الذي بدأته الشعوب العربية مع بواكير عام 2011
إن الفرق بين قتلى تلك الحروب العبثية وبين شهداء الثورات الآن، أن الناس كانوا يقتلون لدفع ضريبة الذلة –على لغة سيد قطب- فيما يقتل الناس الآن لدفع ضريبة العزة. إن قتلى حروب الملوك والرؤساء قتلى حَزَانَى يُساقون إلى الموت عبثاً وهو ينظرون، أما قتلى التحرر اليوم في مصر والشام فهم شرفاءُ شهداءُ مقبلون غيرَ مدبرين يلقون الموت باسمين، بقرار شخصي ودافع داخلي. وذلك فيصل ما بين الحرية والعبودية
لذلك باستطاعتنا القول إن القلاقل الجارية اليوم في مصر وليبيا وتونس وسوريا –والمؤجلة في الدول العربية الباقية- هي أول حروب تقررها الشعوب بعيداً عن نزوات المستبدين. فهي أول قلاقل في تاريخ العرب الحديث تقررها الشعوب بعيداً عن نزوات حكامها. وعليه يمكننا ملاحظة أن العصر الذي نعيش فيه اليوم قد ولدت فيه – على لغة آر آر بلمر- لحظة “حروب الشعوب وانتهت فيه حروب الملوك”. في عالمنا العربي
وشتان ما بين الحربين والنمطيْن
– كانت حروب الزعماء حروباً عبثية مزاجية تساهم في شرخ الصف العربي دون أية عوائد للأمة التي يذهب خيرة أبنائها حطباً لتلك الحروب. فما سببُ الشرخ الحاصل الآن بين الجزائري وأخيه المغربي؟ وما سر ذلك التوجس الثاوي بين جَنبيْ بين الكويتي ضد أخيه العراقي؟
– يسقط القتلى في حروب الملوك والرؤساء عبثاً، وتنساهم شعوبهم ولا تتذكر أسماءهم ولا حروبهم نهائياً لأنهم لا تعنيها. فما الذي يذكره العراقيون الآن عن معركة الفاو؟ وما أسماء عشرات آلاف الضباط العراقيين الشباب الذين فقدتهم أمهاتهم عبثاً؟ هل يذكر العراقيون اسم واحد منهم؟ وهل توجد منارات تخلدهم في ساحات العراق، أم أن الأمر كله كان عابراً وغير حقيقي؟ وهل يتذكر العراقيون قتلى تلك الحرب بفخر اليوم؟ إن كل ما يعلق بالذهن من تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات لحظات حالكة كان الناس يساقون فيها إلى الموت دون سبب واضح، ويقتلون دون سبب واضح، وتختفي أسماء ضحاياها في لفائف التاريخ دون سبب واضح
– أما قتلى حروب الشعوب فشهداء تتغنى بهم الأمم إلى أبد الآبدين. فسيقف الشعبي التونسي طويلاً عند اسم محمد البوعزيزي –رغم تواضع الفعل وسلبيته- بل إن اسمه مرسوم على أكبر شوارع العاصمة تونس، بل في بعض العواصم العالمية الأخرى. وسيقف الليبيون طويلاً –بعد تجاوز الصحو من لحظات المخاض هذه- أمام أسماء شهدائهم الذين تزين صورهم الآن ميادين الحرية في كبرى المدن الليبية
– إن كل قطرة دم تسيل أثناء حروب الشعوب تساهم في تقريب لحظة الانعتاق وتوحيد الشعب تجاه هدف حريته السليبة، فيما تتحول كل قطرة دم أثناء حروب الملوك إلى مبكى عبثي وآهات مكبوتة. فالمستبد عادة يحرم مساجينه من كل شيء حتى من البكاء على قتلى حروبه العبثية
إن المتباكين اليوم على دفع العرب لضريبة العزة إنما يريدونهم أن يدفعوا ضريبة الذل دوماً. فلسان حال الشعوب العربية يردد ما قاله جون آدمز يوم قال: إن عليه دراسة الحرب والسياسة كي يمنح أحفاده فرصة دراسة الرياضيات والفلسفة
لقد كانت رؤوس العرب في الماضي أشياء يعيرها أمير لأمير، أما اليوم فهامات ترتفع بقرارها الذاتي بحثا عن حريتها الضائعة وكرامتها المهدورة.

شاهد أيضاً

لماذا غزواني ثانية؟ / محمد محمود أبو المعالي

لا جَرم أنه ما جانف الصواب من طرح اليوم السؤال عما ينتظره الموريتانيون من ترشح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *