6 مايو 2024 , 18:21

الأستاذ والكاتب الصحفي محمد الأمين الفاضل .. يدون .. (تحية للفريق المتقاعد)

كان لابد أن أعلق على تقاعد الفريق مسقارو ولد أغويزي، حتى وإن جاء هذا التعليق متأخرا، فالتعليق على هذا التقاعد تفرضه عليَّ مسألتان، أولاهما أن تقاعد الفريق كان هو الموضوع الأبرز الذي كثُر الحديث حوله خلال الأيام الماضية، وقد أصبح بذلك قضية رأي عام، وهو ما يستوجب من كل مهتم بالشأن العام أن يعلق عليه إيجابا أو سلبا. أما ثانيهما فهو أن الفريق المتقاعد هو بمثابة أخ أكبر أكن له كل التقدير والاحترام، فأنا وهو ننحدر من نفس المدينة، ودرسنا في نفس الثانوية، حتى وإن كان ذلك في فترات مختلفة، ولهذين السببين فإني أرى أني أولى من غيري بالتعليق على تقاعده.
لقد شهد تقاعد الفريق تفاعلا غير مسبوق، سواء تعلق الأمر بالتفاعل مع التقاعد في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تعلق بأفواج الزائرين لمنزله، وهذا التفاعل غير المسبوق يفرض طرح السؤال: لماذا حُظيَّ تقاعد الفريق مسقارو بكل هذا الزخم؟
هناك أسبابٌ عديدة يمكن أن نستعرضها للإجابة على هذا السؤال، ولكني سأكتفي في هذا المقام بواحدة من تلك الأسباب، وهي أن المسار الوظيفي للفريق المتقاعد لم يكن مسارا عابرا، فالفريق المتقاعد كان من أكثر العسكريين تفاعلا مع الناس بمختلف مستوياتهم واهتماماتهم، وكان من أكثرهم قدرة على بناء علاقات عامة، أين ما حل وارتحل، وحتى في مراحل مبكرة من مساره الوظيفي، ويبقى المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه لـتأكيد ذلك هو ما كتبه صديقي الدكتور مصطفى الفاتي عن تعامل الفريق معه يوم جاءه قبل أكثر من ربع قرن من الآن في مكتبه في مدينة ألاك طالبا الدعم لجمعية شبابية مغمورة يترأسها شاب مغمور في العشرين من عمره.
خلال قيادته للحرس الوطني، وحينها كنتُ معارضا، وأمينا تنفيذيا في المنتدى، استقبلني الفريق المتقاعد في مكتبه، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألتقيه فيها بمكتبه، واستقبلني بوجه بشوش، وقد قال لي حينها إنه يعرف أني معارض للنظام الذي هو أحد قادته، ولكن ذلك لا يمنع أن تبقى الصلة مفتوحة بينا لما يربطنا من روابط أخوية يجب أن تبقى فوق السياسة.
أعطاني رقم هاتفه، وخرجتُ من مكتبه بانطباع في منتهى الإيجابية، ومع ذلك فقد قررتُ في نفسي أن لا أتصل به لأني على قناعة أن اتصالي به لن ينفعني كمعارض، وقد يضره كأحد قادة نظام يعرف بشراسته في تعامله مع المعارضة.
كان أول اتصال لي به بعد ذلك اللقاء في شهر دجمبر من العام 2019 بعد وصول الرئيس الحالي للسلطة، وقد اتصلتُ به في إطار مبادرة “كنتُ طالبا في ثانوية لعيون” والتي كنتُ قد أطلقتها في سنوات سابقة، اتصلتُ به لأطلب منه أن يتحمل كلفة إحدى الجوائز التي تفكر المبادرة في تقديمها للأوائل في الثانوية في ذلك العام، مع إشعاره بأننا سنقدم الجائزة باسمه بصفته تلميذا سابقا في الثانوية.
كان الرد أكثر من إيجابي، بل إني لم أكن أتخيل أن يكون بهذا المستوى من الإيجابية، فلم يكتف الفريق بتحمل كلفة أكبر الجوائز في ذلك العام، بل إنه فوق ذلك ذكر لي وزراء من دفعته كانوا قد درسوا في الثانوية، وبادر بأن نظم لي معهم لقاءات، وكانوا ممن قدموا فيما بعد جوائز للمتفوقين في الثانوية خلال ذلك العام.
لقد تحمس الفريق كثيرا لفكرة دعم الثانوية من طرف قدماء طلابها، وظل يدعمنا في نادي قدامى ثانوية لعيون الذي اندمجت فيه المبادرة لاحقا، ويعدُّ الفريق هو أكبر داعم للنادي، وقد اقترحتُ عليه ذات لقاء أن يأخذ معه بعض الوزراء وكبار الأطر من دفعته، وأن ينظموا زيارة ميدانية للثانوية، وأن يأخذوا صورة تذكارية من الفصل الذي جمعهم في مرحلة الباكالوريا، وأن يقدموا على هامش تلك الزيارة دعما للثانوية يسلمونه لمديرها، وقد رحب كثيرا بالفكرة، وأكد لي أنه على استعداد لتنفيذها، ولكن بقية الوزراء وكبار الأطر من قدامى الثانوية لم يتحمسوا كثيرا لتنفيذها.
في العام 2010 أطلقنا مبادرة لتكريم الشرطي المميز والمعروف الشيخ صار رحمه الله (شرطي نادي الضباط)، وقد عاهدتُ ذلك الشرطي أننا لن نتخلى عنه بعد تقاعده، وكنتُ على صلة دائمة به من بعد تقاعده، وبعد أن أصبح يزاول مهنة الحراسة. في شهر مايو من العام 2022 اتصلتُ به، فأخبرني بأن المرض قد اشتد عليه، وفهمتُ من حديثه أن ظروفه المادية غير جيدة، فما كان مني إلا أن اتصلت بالفريق وأخبرته بالموضوع، وأرسلتُ له رقم هاتف المعني عبر الواتساب فرد علي بكلمة” ابشر”.
في اليوم الموالي اتصل بي الشيخ صار رحمه الله، وكان صوته ضعيفا بسبب المرض، وقال لي بصوت مؤثر إني أشكرك كثيرا، وأريد منك أن تتصل بالفريق وتشكره باسمي، لقد أرسل لي ” يااااااسر من الفظة”، أظنه هكذا قال بالضبط رحمه الله.
لم يحدث أن اتصلتُ بالفريق في موضوع شخصي بحت، وهذا أسلوب أتبعه في الغالب مع كبار الموظفين الذين لي صلة بهم، ولكني كثيرا ما اتصل به في قضايا عامة، وكنتُ في بعض الأحيان أحدثه في قضايا تعني قطاعه، وأقدمه له فيها رأيي المتواضع، وكان في كل الأحوال يستمع إلي بشكل جيد، ويبدي اهتماما كبيرا بما أقول..صحيح أنه كان في كثير من الأحيان لا يأخذ برأيي، ولكنه كان في كل الأوقات يبدي اهتماما كبيرا عندما أتحدث معه في مثل هذه المواضيع. ليس هذا فقط، بل إنه في بعض الأحيان كان هو من يبادر بأن يتصل بي، ويناقش معي بعض ما أكتب، وكان يعبر عن إعجابه ببعض المقالات، ولعل آخر مقال عبر لي عن الإعجاب به، هو مقال: ” هل دماؤنا أرخص من دمائهم؟”.
يبقى أن أقول إني كنتُ أفكر في زيارة الفريق في منزله لأول مرة، وذلك بعد الإعلان عن تقاعده، ولكن لما رأيت الصور المتداولة لزيدان وهو يرمي دراعته في منزل الفريق في مشهد لا يسر مثلي عدلتُ عن الأمر، وتلك واحدة من النقاط التي آخذها على الفريق، فتشجيع “الزيدنة” يعدُّ من الأمور التي أضرت وتضر كثيرا بقيم هذا المجتمع.
من هنا وعن بعد، أوجه التحية للفريق المتقاعد، والذي يكفيه أن أفواج الذين زاروه في منزله بعد تقاعده لم يكونوا أقل من أفواج المهنئين له يوم تم تعيينه مديرا للأمن الوطني، وهذا أمرٌ نادر الحدوث في هذه البلاد، إن كان قد حدث أصلا.

شاهد أيضاً

تصنيف جواز السفر الموريتاني كثالث أقوى جواز سفر مغاربي.

صنف مؤشر “هينلي” جواز السفر الموريتاني الذي يلجُ لـ59 دولة حول العالم كثالث أقوى جواز …