30 أبريل 2024 , 14:03

صاحب الجلالة الملك محمد السادس قاد مسارا تحديثيا متدرجا برؤية متصبرة وحكيمة علي مدي أزيد من عقدين من الزمن تحققت فيهما لبنات مثالية مكنت المملكة من امتلاك مناعة وقوة أهلتها لمواجهة مختلف الأزمات المحلية أو العالمية

كان الافتتاح الرسمي للاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، اليوم الإثنين، مناسبة سانحة لتقديم كتاب باللغة الإنجليزية تحت عنوان Morocco’s Quest for Stronger and Inclusive Growth “سعي المغرب من أجل نمو أكثر قوة وشمولا”، الذي أعدّه خبراء من صندوق النقد الدولي.

وفضلا عن مداخلة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، التي لعبت دور “مُسيّر نقاش” مع كل من وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، أعقبتْهُما مداخلة للوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع.

التجربة التنموية المغربية “تحت المجهر”

الحدث الذي أقيمَ بحضور لفيف من الشخصيات المغربية والأجنبية، من بينها رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، وضع “التجربة التنموية المغربية” على محك التقييم وتحت المجهر، مناقشاً “الدروس المستفادة” منها لصالح بلدان أخرى إفريقية أو نامية؛ كما سعى إلى إبراز إمكانات المغرب في مجال الشراكة مع القطاع الخاص، “باعتباره ركيزة أساسية لبرنامج النموذج التنموي الجديد للبلاد”.

وأعلنت مديرة “النقد الدولي” أنه “تم إعداد الكتاب من طرف خبيرين ضمن عملية ‘الطريق إلى مراكش 2023′”، لافتة انتباه الحاضرين إلى أن “التقدم الاقتصادي الذي أحرزه المغرب في العقدين الأخيرين نتيجة إصلاحات عديدة”، فضلا عن مناقشة “التحديات الراهنة والتالية والبرنامج الجديد للإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحويل النموذج التنموي للبلاد، وجعله أكثر شمولا وتوجها نحو القطاع الخاص”.

ومما يورده الإصدار سالف الذكر أن “قصة المغرب تعد مثالا مُفيدًا لعدد كبير من الاقتصاديات النامية التي مازالت ساعية إلى إرساء أسس استقرار ماكرو اقتصادي”، مسجلا وفق المعلن من خلاصاته أن “التحديات التي يواجهها المغرب في تعزيز النمو وجعله أكثر مرونة وشمولًا ليست حكرا على المملكة، إذ إن سلسلة الإصلاحات التي شرعت الرباط في تنفيذها توفر أفكارا مثيرة للاهتمام بالقدر نفسه للاقتصاديات الناشئة والنامية”.

فتاح: “المغرب يبتكر نفسه بعد الأزمات”

“إعادة البناء بشكل أفضل بعد الزلزال تدعونا إلى ابتكار أنفُسنا حين نواجه أي نوع من الأزمات والصدمات”، كانت هذه أبرز أفكار وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، متحدثة ضمن جواب لها تفاعلاً مع سؤال طرحته عليها مديرة صندوق النقد عن تعامل واستجابة المملكة مع زلزال الحوز.

‌فتاح شددت، في معرض حديثها، بقوة، على أن “المسار التنموي للمغرب، تحت قيادة الملك، وصل إلى مرحلة إقرار الدولة الاجتماعية التي لا تعني فقط تعميم الحماية الاجتماعية، بل خدمات صحية عمومية وَلُوجة، وتعليم عمومي يساوي بين التلاميذ في فرص التعلم”، وزادت: “هو التزام منا بإدماج مهنيّي القطاع غير المهيكل في المغرب في إطار دينامية النمو المستدام”.

وأكدت وزيرة الاقتصاد المغربية أن “أولوية تدبير الإشكاليات الاجتماعية ستتصدر عمل صانعي السياسات في أربع سنوات قادمة”، ما يجعل “الأجندة قوية بالنسبة لإستراتيجية نمو بلد صاعد مثل المغرب”، معددة أن من أبرزها “تنافسية المنظومة الصناعية المغربية وأسواق المال والأعمال، مع جاذبية الاستثمار بعد قوانين إصلاح الجبايات (تنزيل تدريجي للإصلاح)، وتعزيز التعاون الإفريقي جنوب-جنوب”.

الجواهري: “الإنسان في صلب إصلاح الاقتصاد”

من جهته، أكد عبد اللطيف الجواهري، والي البنك المركزي المغربي، أن الأخير “سارع، ومنذ الأيام الأولى لحدوث زلزال الحوز، إلى إحداث/خلق خليّة تقييم داخلية متخصصة، مازالت تحاول ضمان سرعة استجابة لتقييم شامل للأضرار، بعد حصرها وتقسيمها إلى مادية وغير مادية”، لافتا إلى أنه “رغم أن جهة مراكش سياحية بامتياز مع 22% من حجم مساهمتها في النمو السياحي الوطني، إلا أننا نأخذ في الحسبان المجال الفلاحي ومختلف أنشطة الحياة الجبلية”.

“بنك المغرب يعمل بشراكة مع خلية الصندوق في ضوء التقييم الأخير للبنك الدولي”، يورد الجواهري، مضيفاً أنه “مازال صعباً تحديدُ أرقام دقيقة للأثر الاقتصادي الشامل بين المادي واللاّمادي”.

وأكد المسؤول ذاته أن “العمل يتم مستحضرين تماماً خصوصيات كل بلد سبق له أن تعرض لكارثة مشابهة، لكن عموما هناك استئناف وانتعاش للنشاط الاقتصادي سريعاً، بل إمكانيات وفرص نمو أقوى”، مردفا بأن “10 في المائة من الناتج الإجمالي للمغرب تساوي في حجمها تقريبا الغلاف المالي المخصص لإعادة تأهيل المناطق المتضررة في سنوات”.

“رغم كل سلبياته فإن هامش التحرك يظل مهمّا جداً في سياق المفاوضات مع مؤسسات مالية دولية طالما ساعدتنا في أزمات سابقة (‘برنامج التقويم الهيكلي’ في الثمانينيات)”، يسترجع الجواهري تاريخا من العلاقات بين المغرب وصندوق النقد، مستدركا بعدها: “إلا أننا الآن نضع الإنسان في صلب إصلاحات اقتصادية حاسمة تجعلنا نحظى بثقة المجتمع الاقتصادي العالمي”.

“رهان المناخ وُجودي”

بالنسبة لتهديد التغيرات المناخية، قال الجواهري متفاعلا ضمن موضوع الجلسة النقاشية ذاتها إن “اجتماعات مراكش يجب أن تفكّر في غلق أبواب الجحيم والغليان العالمي لضمان نمو مستدام”، مُحيلاً على ما سبق أن تحدّث عنه غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حينما قرع جرس الإنذار العالمي من تغيرات جذرية في مناخ الكوكب.

وتوجه المتحدث إلى مديرة صندوق النقد بالقول: “نراهن عليكم في قضايا المناخ والتكيف مع تقلباته، ونعلم مدى عملكم ومجهودكم ضمن مجموعة العشرين، وسعيكم إلى إعادة توزيع ثمار النمو بشكل متوازن بين الشمال والجنوب؛ إلا أن الرهان وجودي نظراً لتغيرات المناخ، ما يجعلنا نطلب منكم أكثَرَ السيدة المديرة”.

“يجب الفوز على الانشطار/الانقسام الجيوسياسي الذي تتسع رقعته كل يوم”، يخلص والي البنك المركزي المغربي، ناصحاً بأن “تعدّدية الأطراف قد تكون حلاً ضمن سياسات عمومية قُطرية وتعاون دولي يعيد الأمل للشباب في بلداننا”.

لقجع: “سنتذكّر خلاصات مراكش”

من جانبه، تحدث فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، بفخر كبير عن “مكانة المغرب -على الدوام- كصلة وصل بين الفضاء الإيبيري ونظيريْه المتوسطي والإفريقي”، ما جعله نموذجا متميزا للاستقرار في “منطقة صراعات”.

“لذلك، فحين نقول اليوم إن المغرب الحالي يعمل على أن يكون جسرا نحو إفريقيا فلأنه سبق أن لعب هذا الدور على مدى قرون في المبادلات التجارية والإنسانية عبر محطة مراكش”، يقول لقجع في استدعاء للتاريخ، مضيفاً: “لقد ساهمت مراكش في إنتاج معطى حضاري مشترك في هذا الفضاء الجغرافي”.

وزاد وزير الميزانية: “بلا شك سنفتخر جميعا بما ستسفر عنه أشغال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي المنعقدة بمراكش من قرارات وتقدّم في مقاربة الإشكالات المطروحة… سنتذكر ذلك في المستقبل مَقروناً بكلمة مراكش تماما كما يتذكر التاريخ صفحات كتبتها مراكش قبل ما يناهز عشرة قرون، وكان لها بالغ الأثر ليس على مصير المغاربة فقط، بل على المحيط برمته”.

وخلص المتحدث: “ صاحب الجلالة الملك محمد السادس قاد مسارا تحديثيا متدرجا برؤية متصبرة وحكيمة على مدى أزيد من عقدين من الزمن، تحققت فيهما لبنات مثالية همت كافة المجالات، وحققت تراكما مكن المغرب من امتلاك مناعة وقوة أهلته لمواجهة مختلف الأزمات المحلية أو العالمية، ومواصلة البناء بثبات في إطار الاستقرار والانفتاح”

هسبريس : يوسف يعكوبي من مراكش

شاهد أيضاً

لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان تناقش اتفاقيات ومشاريع قوانين التعاون القضائي

خصصت لجنة العلاقات الخارجية بالجمعية الوطنية الاجتماع الذي عقدته صباح اليوم  الاثنين للدراسة المعمقة لمشاريع …