ثار بعض النقاش المفيد بشأن توجيهات رئيس الجمهورية بوضع آلية لاستفادة أبناء الأسر ضحايا الغبن من الإمكانات الجيدة التي تتيحها تجربة مدارس الامتياز. استعجل بعض المعلقين ممن رأى أن التوجيهات ستضر بالتجربة المميزة لهذه المدارس التي أحيت الأمل بإيجاد تعليم عمومي قادر على تخريج متعلمين بمتسويات جيدة، في أفق أن تكتمل منظومة المدرسة الجمهورية، التي تمثل مشروع الرئيس غزواني للنهوض بالتعليم وتحقيق التحول المجتمعي والتنموي المنشود من خلاله.
فغفل أولئك الذين لم يتبينوا أمر التوجيه الرئاسي، عن أنه كان دقيقا بدرجة يستحيل معها أن يسبب أي تراجع في مستويات الامتياز، أو يؤدي إلى انتقاص من أدائها.
صناعة التراكم الإيجابي
يعطي تشخيص الواقع التعليمي للفئات التي عانت من الغبن الاجتماعي صورة تقريبية عن حجم تراكم الغبن الذي يعاني منه أطفال هذه الفئات؛ فما زال كثير من أطفال هذه الفئات يعاني التفاوت الناتج عن عقود الغبن، فعلى افتراض أن الأطفال اليوم تتاح لهم فرصة الولوج إلى نفس المدرسة العمومية، إلا أن أبناء المغبونين يعودون حين يرجعون إلى بيوتهم فلا يجدون جوا مساعدا على الدراسة، نظرا لظروف الحياة المختلفة، ونظرا بشكل خاص إلى واقع التعليم في ربات المنازل بهذه الفئات.
إن من مسؤولية الدولة علاج التراكم السالب بصناعة تراكم إيجابي مضاد ينقضه، ويبني مكانه. ويصنع التراكم الإيجابي عبر سلسلة متكاملة من الخطوات، من بينها الخطوة التي جاء بها التوجيه الرئاسي، بشأن مدارس الامتياز، وهي تكملة لسلسلة من الخطوات الفعالة في المجال الاجتماعي، شكلت على مدى السنوات الأربع العمود الفقري لعمل حكومات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. وقد غيرت هذه الأعمال، إلى الأفضل، وضع كثير من أبناء الطبقات الأقل دخلا، من عموم المواطنين، ومن الموظفين وعقدويي الدولة.
وبإلقاء نظرة على الثورة التي أحدثتها سنوات حكم الرئيس غزواني الأربع في مجال التأمين الصحي، وحصة الفئات المغبونة منها، بالمقارنة مع المؤمَّنين من موظفي القطاع العمومي، ندرك أن عدالة حقيقية أصبحت الآن واقعا ملموسا في الخدمات الصحية. وهو ما ستحققه الخطوة التي يقام بها الآن على صعيد مدارس الامتياز خلال سنوات قليلة على مستوى متصدري المسابقات الوطنية، ومن ثم الولوج بسلاسة ويسر إلى مراكز فنية واستراتيجية، لم يكن الوصول إليها متاحا لمن عانى آباؤهم وأمهاتهم من تراكم الغبن لعقود.
التمييز المحصن
لا تنفك المعالجات التي تتضمن بعض التمييز تثير الجدل، بين من يرى فكرة التمييز منافية للعدالة الناجزة، لأنها تعطي بعض الناس ما لا يستحقه ظاهريا، وتضايق آخرين في مكتسبات حققوها بأقلامهم. ولكن النظر الفاحص إلى هذا الطرح يمكن أن يلغيه جملة؛ فمن جهة فإن مكان هؤلاء، وهؤلاء جاء بتراكم تاريخي طويل، جزء منه من صناعة الدولة، وسياساتها، وإن تصحيح الاختلالات المرئية فيه من مسؤولية الدولة، حتى ولو لم تتسبب في منشئه، ولم تكن مسؤولة عنه.
الثاني أن الدولة مسؤولة عن منح فرص متكافئة بعدالة، وهي أيضا مسؤولة عن الرفع من مستوى الشعاف من أبنائها حتى يرتقوا إلى أي مستوى يمكن أن يصل إليه بعض أشقائهم، أو نظرائهم من أبناء البلدان الأخرى. إن الشق الأول من المسؤولية يحتم عليها المحافظة على معايير الدخول إلى مدارس الامتياز كما هي، ورفعها لترقى إلى آفاق أرحب، ويحتم عليها الشق الثاني من المسؤولية أن لا يظل أبناء المغبونين واقعين تحت مستوى هذه المعايير. أي أن عليها أن ترفع مستوياتهم لتقبلهم المعايير الفنية المحايدة. وهذا هو بالضبط ما تضمنه التوجيه الرئاسي والبرنامج المنبثق عنه.