14 مايو 2024 , 4:35

الفقراء يهيمون حبا بولد عبد العزيز! / المامي ولد جدو

المامىقبل يوم أو يومين من موعد زيارة الرئيس للداخل تنطلق أسراب من المهاجرين و”اللحلاحة” لا يلوون على شيء، وتتزين المدن، وتتوفر عدة خدمات لم يكن السكان ليحلموا بها، فمثلا تقوم شاحنات بتزويد دكاكين التضامن بالسكر والزيت والطحين في عدة قرى وبلديات ، ويتم طلاء واجهة المستشفى وتنظيف غرفه، وترتيب

الأسرة، ورسم ابتسامة مصطنعة على المرضى، كما يتم حشو حفر الطريق بمادة سريعة التفاعل، وسريعة الاندثار لأنها تعلق في عجلات الوفد الرئاسي عند مغادرته للمدينة، وتصدر أوامر حزبية بتوزيع صور الرئيس المكبرة والمتوسطة الحجم، و كتابة لافتات من قبيل “أنجز حر ما وعد”.

إلا أن كل هذه المظاهر لم تعد تستطيع أن تخنق صوت المواطن، أو تلتف على مطالبه، و لم تعد فكرة حلحلة مشاكل الفقراء بعد زيارة الرئيس تنطلي على هؤلاء، و لم يعودوا يصدقون الإعلانات التي يطلقها الساسة لتجميعهم على النواصي والطرقات وتحت أشعة الشمس اللاهبة، أو زمهرير الشتاء القارص، ووعدهم ببحبوحة من العيش الكريم والسعادة والرخاء، و أنهم سيتوفرون على المال ويدخرون ويشترون ما يريدون، تمر على هؤلاء المساكين مرور الكرام، تلك الفكرة التي يروجها المخادعون المتواطئون، وبعد انتهاء الزيارة الميمونة، يختفي الجميع فجأة، ويظلم المصباح العجيب الذي كان يلون الحياة بألوان زاهية للمحتاجين والآملين في وظيفة أو خدمة ما.

لم يعد الفقراء يستقبلون بانشراح وعفوية وابتهاج تتخلله الزغاريد والأناشيد والأشعار، على وقع الآلام والحسرة، والعبرات المخنوقة من الظلم والاستئثار،  لم تعد صدورهم تنشرح لكلام قيادات الأحزاب السياسية و الناشطين الفاعلين، لأن فعلهم ونشاطهم ذاك،  قادهم لسنوات الضياع والحسرة.

لقد أجاد الساسة الممثلون دورهم المسرحي جيدا خلال الحقب الماضية، ويروعوا في تجسيد أدوار  التملق والخداع، و التصقت بهم صفة النفاق والدجل ،  عبر سعيهم الدءوب لاختطاف صوت المواطن البسيط، الذي بات يرفض الوصاية السياسية بعد أن أتيحت له وسائل التعبير عن ذاته، وبعد تأكده من فشلهم في تبليغ شكواه و همومه ومآسيه، بل وتعمدهم كتم صوته حتى يتسيد المراءون والمخادعون المتلونون الحرباويون المشهد الكريه.

إنهم –بصراحة- لا يهيمون حبا في الرئيس، ولا في الاتحاد من أجل الجمهورية، كما يحاول الساسة بكل ما أوتوا من وسائل الترغيب والترهيب، إظهاره أمام ولي نعمتهم، لم يعد الشعب يرضى بتمثيل أقل مسؤولية وأكثر نرجسية، حتى وإن حاول هؤلاء استثمار حقيقة أن الفقراء لا يصوتون عادة لمن ينال ثقتهم أو يخدم مصالحهم،  ويعلمون أنهم لا يعرفون إلا الأشخاص ولا يميزون بين حزب وآخر.

عقلية خدمة المواطن من خلال الوظيفة، لا يبدو أنها تستطيع الرسوخ في إذهان الموظفين، لأنهم يعتبرون الوظائف مكافأة على ما يقومون به من ولاء سياسي ، وبالتالي لا بد أن يظلوا متحمسين في كل جولة، وبدل من خدمة الشعب يخدمون الحاكم، وبدل من الانصياع لطلبات الموطنين، و السعي لحل مشكلاتهم، ينصاعون لما تمليه عليهم نواياهم من جشع ونهم للمراتب الوظيفية السامية، التي يجزمون في قرارة دواتهم أن ما أوصلهم إليها هو فقط تملقهم السياسي ، وانتهازيتهم، ولهذا يغرقون في النرجسية، وحب الظهور، و لم تخطر في عقولهم العاجزة فكرة أن المواطن أصبح يلفظهم ويلهو بهم، حتى وأنهم يرقصون على جسد ميت، ويأكلون منه، ويدخرون ويشترون الضمائر والولاءات المتعددة الاتجاهات والصنوف، لا نهم يعتقدون بأن الذكاء والعبقرية بدأت وانتهت معهم، ومع وصولهم إلى السلطة، التي يوهمون أعلى هرمها بأن الفقراء يهيمون حبا به!

 

شاهد أيضاً

لماذا غزواني ثانية؟ / محمد محمود أبو المعالي

لا جَرم أنه ما جانف الصواب من طرح اليوم السؤال عما ينتظره الموريتانيون من ترشح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *