28 أبريل 2024 , 23:20

‘الحوار الإستراتيجي التونسي الأميركي ثالث حوار بين واشنطن وبلدان المغربي العربي لماذا؟

_18208_174“الوضع الأمني في المغرب العربي وخاصة ما يتعلق منه بالإرهاب قد أصبح يكتسي أهمية سياسية بالغة على الساحة الداخلية الأميركية ذاتها.”

تونس- دأبت الولايات المتحدة الأميركية على تنظيم ما يسمى بالحوارات الاستراتيجية مع عدد من البلدان التي رأت أهمية في تدعيم العلاقات معها، وينتظر عقد حوار استراتيجي أميركي مع تونس في الرابع من أبريل المقبل، ليكون، حسب ما أجمع عليه خبراء أميركيون، محطة لتدعيم العلاقات الثنائية بين الطرفين.

تتزامن زيارة رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة لواشنطن في الرابع من أبريل القادم مع انطلاق أولى جلسات “الحوار الاستراتيجي” التونسي الأميركي، وسيكون هذا الحوار الثالث من نوعه في منطقة المغرب العربي، بعد الحوارين اللذين سبق أن انطلقا بين واشنطن وكل من المغرب والجزائر، وتأتي هذه التحركات الديبلوماسية بين تونس وواشنطن، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتونس قبل شهرين معلنا عن التحضير للحوار الاستراتيجي المرتقب بين تونس والولايات المتحدة.

وعن الأهداف المرجوة من مثل هذه الحوارات التي تقوم بها الولايات المتحدة، تقول الن لايبسون، رئيسة معهد “ستيمسن” للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، إن تعريف هذه الحوارات “مرن” وهو يتكيف حسب رغبات طرفي الحوار، ولكن هذه الحوارات تتجاوز في كل الأحوال، من حيث عمقها، المستوى الاعتيادي للحوارات الثنائية. “فالحوارات الاستراتيجية” هي عادة حوارات ذات بعد إقليمي. كما تتجاوز الاعتبارات الظرفية أو قصيرة المدى من حيث استشرافها للآفاق بعيدة المدى للعلاقات الثنائية.

وقد صرح مسؤول أميركي كبير له تجربة طويلة في مثل هذه الحوارات على هامش زيارة وزير الخارجية جون كيري الأخيرة لتونس بأن رفع العلاقات الثنائية بين أميركا وأية بلاد من العالم إلى مستوى “الحوار الاستراتيجي” يكرس الاهتمام بهذه العلاقات بشكل “مؤسساتي” ويعطيها طابعي “الثبات والدورية” ويولد فرصا للطرفين المتحاورين “كي ينصتا ويتحدثا لبعضهما البعض”.

ويلاحظ تاريخيا تطور الحوارات على نسق مختلف حسب أولويات الولايات المتحدة والبلدان المعنية بالحوار وتغير الظروف المحيطة بهذه الحوارات، حيث شملت “الحوارات الاستراتيجية” للولايات المتحدة بلدانا عديدة مثل الهند وباكستان والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا ومصر.

وتعتبر لايبسون أن هذه “الحوارات الاستراتيجية” تمثل في حد ذاتها تحولا في العلاقة مع واشنطن والبلدان المغاربية وتطورا يتجاوز الاهتمام الظرفي السابق نحو تركيز الأسس لاهتمام ثابت لأصحاب القرار السياسي الأميركي بالعلاقات والمشاغل الثنائية والإقليمية المشتركة مع بلدان المنطقة المغاربية، ذلك أن “الحوارات الاستراتيجية” تحتم عقد اجتماعات دورية (مرة في السنة على الأقل) وعلى مستوى حكومي عال.

وهذا يعد تطورا نوعيا لافتا، إذ أن الملفات المغاربية لم تكن إلى حد الآن تنال اهتمام الساسة الأميركيين مقارنة باهتمامهم بالأوضاع في بلدان ومناطق أخرى من العالم.  

_139533083513
“الن لايبسون: الحوارات الاستراتيجية تحول في العلاقة بين واشنطن والبلدان المغاربية”

  

لم تكن خفية على المتتبعين للسياسة الخارجية الأميركية أهمية استقرار الأوضاع في شمال أفريقيا وهي التي شهدت تغييرات سياسية انعكست على الوضع الأمني، خاصة في تونس وليبيا.

وفي هذا الشأن يربط مارك حبيب الأستاذ بجامعة جورج واشنطن وخبير العلاقات الأميركية المغاربية هذا الاهتمام الأميركي الجديد بتغير الأوضاع في منطقة شمال أفريقيا منذ “ثورات الربيع العربي” ويرى أن “الحوارات الاستراتيجية” مع بلدان المغرب العربي سوف “تضمن حدا أدنى من التنسيق مع الولايات المتحدة على صعيد الاستراتيجيات الأمنية، خاصة في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وكذلك في ما يخص الاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية”.

اختلاف المسارات الأوروبية والأميركية

يؤكد حبيب أن “الحوارات الاستراتيجية” الأميركية سوف تضع الأسس لمسار مستقل له منظور مختلف عن المسار المغاربي الأوروبي.

فبحكم العلاقات المصلحية والتاريخية الوثيقة والقرب الجغرافي وما يترتب عليه من مشاكل وهواجس وتداعيات مستمرة، فقد حافظ الشركاء التقليديون للمغرب العربي في أوروبا على علاقات مكثفة ولصيقة مع البلدان المغاربية، سواء بشكل جماعي في إطار الاتحاد الأوروبي أو بشكل ثنائي كما هو الأمر بالنسبة إلى البلدان القريبة من المنطقة مثل فرنسا، بل وأضافوا إليها تدريجيا مسارات أخرى مثل مسارات “الحوار” و”الشراكة المتميزة”، في الوقت الذي واصلوا فيه التعويل على قنوات “الحوار المتوسطي” للحلف الأطلسي في العديد من المسائل العسكرية والأمنية. كل ذلك جعل العلاقات المغاربية الأوروبية في غنى عن مسارات على شاكلة الحوارات “الاستراتيجية” الأميركية.

ونظرا إلى اختلاف المصالح الأوروبية في المغرب العربي عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لم تكن الاستراتيجيات الأوروبية والأميركية في المنطقة في كثير من الأحيان متطابقة، وقد أشار تقرير لمنظمة “أطلنطيك كاوينسل” الأميركية (صدر في أواخر العام الماضي) إلى أنه رغم التعاون الوثيق أثناء الأزمات فقد بقي التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محدودا على صعيد السياسات تجاه البلدان العربية التي تمر بمراحل انتقالية.

أجندات المغرب العربي

من الواضح أن أولى الاهتمامات في إطار “الحوارات الاستراتيجية” الأميركية مع بلدان المغرب العربي الثلاثة كانت وستبقى في المستقبل المنظور أمنية بالمعنى الواسع للكلمة. وذلك يشمل بالخصوص مواجهة الإرهاب بتفرعاته الإقليمية والدولية، وفي درجة ثانية العمل على “إصلاح المنظومات الأمنية” لبلدان المنطقة.

وإن كان التعاون المغاربي الأميركي في مجال مقاومة الإرهاب يعود إلى فترة طويلة نسبيا، فإنه في حالة الجزائر على وجه الخصوص شهد تطورا نوعيا بعد أحداث 11 سبتمبر التي أحدثت تقاربا بين المصالح الأمنية الجزائرية والأميركية وإن بقيت المقاربات التكتيكية مختلفة.

ويرتبط الاهتمام الأميركي بالإرهاب في المغرب العربي بتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة بعد فبراير 2011، وخاصة انهيار نظام معمر القذافي وما انجر عن ذلك من تدفق للأسلحة والمقاتلين من ليبيا نحو شمال مالي بما أدى إلى تدخل فرنسا عسكريا وتدفق الكثير من العناصر الجهادية المتطرفة من مالي إلى جنوب الصحراء.

وقد سبق الحملة العسكرية الفرنسية هجوم مجموعة تابعة لتنظيم “الموقعين بالدم” على منشأة عين أميناس الجزائرية، مما تسبب في مقتل 39 عاملا أجنبيا وإثارة مخاوف المؤسسات البترولية العالمية من أن يؤدي تنامي الأنشطة الإرهابية عبر الصحراء إلى تعريض مصادر التزود بالبترول والغاز إلى الخطر.

_139533088912
“مارك حبيب: الاهتمام الأميركي بالحوار مرتبط بتغير الأوضاع في شمال أفريقيا”    

وحتى في غياب “حوارات استراتيجية” مباشرة بين واشنطن وطرابلس يبقى الوضع الأمني في ليبيا من أهم الاعتبارات المرشحة لتحتل موقعا متميزا على جدول أعمال “الحوارات الاستراتيجية” المغاربية الأميركية، وذلك على ضوء بقاء أكثر من 20 مليون قطعة سلاح خارج السيطرة ومواصلة فرض المليشيات في ليبيا إرادتها على المؤسسات الحكومية والمنشآت النفطية وحتى على المعابر الحدودية.

وقد أدى ضعف الحكومة المركزية إلى فرار سفينة “مورنينغ غلوري” محملة بشحنة من النفط المهرب، قبل أن توقفها البحرية الأميركية في البحر الأبيض المتوسط.

يمثل الوضع في منطقة الساحل والصحراء المتاخمة للمغرب العربي مسألة ذات أهمية في الحوارات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وقد لفت ويليم زرتمن، الخبير الاستراتيجي الأميركي المختص في الشؤون الأفريقية، قبل إطلاق “الحوارات الاستراتيجية” إلى أنه “دون تعاون وتنسيق أمنيين بين البلدان المغاربية وكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فإن الوضع في منطقة الساحل سوف يبقى نقطة الضعف الأساسية بالنسبة إلى الأمن الإقليمي في المغرب العربي”.

ويشار إلى أن الوضع الأمني في المغرب العربي وخاصة ما يتعلق منه بالإرهاب قد أصبح يكتسي أهمية سياسية بالغة على الساحة الداخلية الأميركية ذاتها، بعد الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي ومقتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا كريس ستيفنس أثناء الهجوم. وأدت المراجعات التي حصلت بعد ذلك في أميركا إلى تطوير الولايات المتحدة لجاهزية قواتها في جنوب إيطاليا وأسبانيا.

مقاومة الإرهاب

يرى المحللون أن مقاومة الإرهاب في المنطقة المغاربية سوف يزيد في تعويل بلدان المنطقة على الولايات المتحدة وفرنسا خاصة على جمع المعلومات والتسلح والتدريب.

وإذا كان الدور الأجنبي في مقاومة الإرهاب سوف يواصل بالتأكيد إثارة بعض ردود الفعل السياسية السلبية في المنطقة المغاربية، فإن الوعي المتزايد بخطورة التهديدات الأمنية المتفاقمة سوف يخفف من حدة ردود الفعل تلك، باعتبار أن التحديات الإرهابية الجديدة تتجاوز القدرات الذاتية لبلدان المنطقة. وإذ تقوم تونس على وجه التحديد بمراجعة عقيدتها الأمنية من أجل ملاءمتها ومتطلبات التطور الديمقراطي، فهي مازالت تحتاج إلى توافق سياسي داخلي يمنح المنظومة الأمنية والعسكرية فيها تكليفا واضحا حتى تتعامل بأريحية ونجاعة مع الأطراف الإقليمية والدولية القادرة على مساعدتها على درء المخاطر الإرهابية المحدقة، وذلك بالشكل الذي تحدده المنظومة الأمنية والعسكرية (وليس الأطراف الحزبية أو السياسية).

ولا يبدو البعد الأمني بشكل عام منفصلا عن البعد الأساسي الثاني في “الحوارات الاستراتيجية” الأميركية المغاربية، والمتمثل في البعد الاقتصادي، فاستتباب الأمن في المنطقة ضروري من أجل فتح مجالات الشراكة والتجارة والسياحة على نطاق أوسع، ويدرك السياسيون الأميركيون من ناحيتهم أنه دون ديناميكيات اقتصادية فعالة تسمح بتسريع نسق النمو وإحداث مواطن الشغل فإن بلدان المغرب العربي (ومن بينها تونس) تبقى غير محصنة من خطر الهزات الاجتماعية والسياسية العنيفة.

وقد لمّح المسؤولون الأميركيون على هامش زيارة كيري الأخيرة لتونس إلى إمكانية أن يظهر الكونغرس حسن استعداده من خلال مبادرات جديدة، (وإن كانوا أشاروا إلى أن تونس تلقت بعد من واشنطن منذ 2011 مساعدة تقدر بحوالي 400 مليون دولار).

ولكن المسار التشريعي الأميركي يبقى دائما مسارا معقدا على صعيد المساعدة الخارجية التي قلما تنال إجماع أعضاء الكونغرس.          

_13953309368
“ويليم زرتمن: الوضع في منطقة الساحل يستوجب تعاونا مغاربيا أوروبيا أميركيا”

كل المعطيات تدل على أن “الحوارات الاستراتيجية” بين الولايات المتحدة ومخاطبيها في المنطقة المغاربية تبقى أساسا حوارات ثنائية رفيعة المستوى حتى بعد نعتها بـ”الاستراتيجية” ومحاولة توسيع نطاقها حتى تشمل التداعيات “الإقليمية” للمستجدات.

و لكن هل يمكن “للحوار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة وبلدان المغرب العربي أن يشمل على غرار مناقشة المسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك، المشاريع التي تشجع على الاندماج المغاربي؟

قد يبدو السؤال غريبا لأول وهلة، ولكنه يصبح مفهوما إذا أخذنا بعين الاعتبار إجماع الكثير من الأطراف المؤثرة عالميا على أن الاندماج المغاربي يشكل عامل استقرار وتنمية من شأنه أن يخدم مصالح شعوب المنطقة وأمنها، وبالتالي لا يمكن أن يتعارض مع أي “حوار استراتيجي” دولي مع حكوماتها.

الاندماج المغاربي

يقول خبراء أميركيون إن واشنطن مستعدة لبعث أية مشاريع قد تساهم في دعم الاندماج المغاربي، ولكنه من الواضح أن الأوضاع الراهنة، المرتبطة بالخلاف بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء المغربية وكذلك الوضع الأمني في ليبيا، يمكن أن تعيق التركيز على المشاريع ذات الفائدة الاندماجية.

ويرى هؤلاء أن المشاريع المغاربية ذات القيمة الإقليمية المضافة يجب أن تنبع من رغبة حقيقية لدى بلدان المغرب العربي أولا، حتى وإن رغبت واشنطن في ذلك أو سلمنا بأن ذلك من أولوياتها، وتقول الن ليبسن في هذا الصدد إن “الولايات المتحدة لن تدفع بقوة في هذا الاتجاه إن كانت الأطراف المغاربية غير متحمسة له”.

إذن نستطيع القول إن بداية تحقيق اندماج مغاربي لا يمكن أن تكون إلا في إطار “توافق استراتيجي مغاربي” يجعل المنطقة تتجاوز تناقضاتها ونقاط ضعفها وتستغل الاهتمام الخارجي لتحقيق أهدافها وخدمة مصالحها الذاتية، ولكن هذا التوافق الذي غاب عن المنطقة في حواراتها مع أوروبا لا يبدو قابلا للتحقيق بيسر مع “مخاطبيها الاستراتيجيين” القادمين من وراء المحيط.

*أسامة رمضاني وزير تونسي سابق ومحلل سياسي حالي

شاهد أيضاً

ذكرى زيارة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه لطنجة سنة 1947 .. درس في الكفاح الوطني من أجل الوحدة والاستقلال

تحل اليوم الثلاثاء 9 أبريل الذكرى 77 للزيارة التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس، طيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *