تُمثل الانتخابات العمود الفقري للديمقراطية، ولكي تكون الانتخابات ذات مصداقية، لا بدَّ أن نشهد معايير عالية قبل الإدلاء بالأصوات وفي أثنائه وبعده. ولا بد أن يكون ميدان المنافسة مفتوحًا أمام جميع القوى المنافسة، ويجب على رئيس الجمهورية التزام المبادئ الأساسية للديمقراطية والشفافية، وعدم استغلال سلطته لصالح حزب سياسي، ويجب عليه احترام حقوق مواطنين يتبعون أحزابًا سياسية مختلفة، وعدم التمييز بينهم لأسباب سياسية.
كما يجب على الرئيس أن يلتزم القوانين واللوائح المتعلقة بتمويل الأحزاب السياسية، وعدم تقديم أي مساعدة أو موارد لحزب معين يؤدي إلى تشويه المنافسة السياسية الحرة والنزيهة.
ووفقًا لهذه المسطرة القانونية والتنظيمية الفاصلة بين السلطة التنفيذية والعمل السياسي، نجد أن السلطة في موريتانيا قامت بمجموعة من التجاوزات خلال عملية معالجة ملفات الترشح المثيرة للجدل.
التجاوز الأول: استقبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في القصر الرئاسي أعضاء المكتب التنفيذي للحزب الحاكم دون الأحزاب الأخرى. وتعد هذه الخطوة انتهاكًا واضحًا لمبادئ الديمقراطية والحيادية التي يجب أن يلتزمها رئيس الدولة في المقام الأول، فالرئيس هو شخصية رئيسة في النظام السياسي، عليه أن يكون حياديًّا وغير منحاز، ومصدر إجماع وتوافق لا طرفًا.
استقبال الرئيس لحزب سياسي بصورة رسمية هو انتهاك للمساواة بين الأحزاب السياسية، وانحياز سلطوي لصالح حزب دون آخر.
التجاوز الثاني:
التجاوز الثاني: كيفية اختيار الأسماء التي ستمثل المواطن في المشهد البلدي والجهوي والبرلماني المقبل. اعتمدت السلطة على الجهاتية والامتداد الحلفي المرتبط بالزعامات القبلية، وقد كان من واجبها أن تسمح لمبدأ التنافس الشريف أمام جميع الأطياف السياسية ليقع الاختيار على الأفضل والأكفأ، وهذا ما تنص عليه قواعد الديمقراطية، بدلًا من انتهاج المسار التقليدي الذي ينتهج الزعامات والبعد القبلي والتكاثر المنوي رفقة المال والنفوذ، وهذا سيعيدنا إلى المربع الأول: رؤساء بلدية ضرائر، مجالس جهوية عاجزة عن تنفيذ برامج ومشاريع تنموية، مجلس النواب نصفه نائم، لا علم له بوقائع جلسات النقاش… وهكذا دواليك.
التجاوز الثالث: استقبال الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية في الجهاز التنفيذي للحكومة لمجموعة من المغاضبين، هو أمر يثير القلق والاستياء بين المواطنين والمتابعين الدوليين، ويعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع الأفراد.
خصوصًا إذا كان من أجل مساومتهم وتقديم وعود بتعويضهم، الدولة ليست مجبرة على ترشيح أي كان، وليست ملزمة بتقديم وعود ترضي مواطنًا على حساب آخر في حال رأت عدم أهليته في الترشح، الأمانة العامة جهة سيادية، فلماذا يسمح لها أن تلعب دور السكرتيريا؟ أسلوب السمسرة السياسية وإرضاء المغاضبين، يقلل من سيادة الدولة، ويُعد إقحامًا لمؤسسات سيادية لتلعب دور الوسيط في صراعات بينية، يجب على الحكومة الموريتانية أن تكون حريصة على التزام المعايير الديمقراطية وتعزيزها في البلاد، والتزام المساواة والعدالة، وعدم التمييز في التعامل مع الأفراد، وضمان حق الجميع.