فقدت الأمة الإسلامية والأسرة الصوفية، وفقد العلماء والعقلاء اليوم بفقدان الدكتور محمد المختار ولد اباه قامة علمية وأخلاقية قل أن يتكرر مثلها في التاريخ ولكن البقاء لله وحده، والموت سنة الحياة، والحقيقة أن من ترك أثرا مثل تركه الدكتور محمد المختار ومكانة مثل التي تركها في قلوب محبيه ومعارفه لم يمت، وإنما انتقل من دار الفناء الموعود إلى دار البقاء والخلود، وسيبقى اسمه منقوشا في سجل الخالدين.
كان (باب) رحمه الله نموذجا للعالم المتواضع الذي تعلم ليفيد ويستفيد لا ليباهي بعلمه ويتخذه مطية للتكبر على غيره، بل هو ممن عمل بعلمه في خدمة وطنه الذي أحبه وآمن به وضحى في سبيله بنفسه ونفيسه، ولم تكن مؤلفاته الكثيرة في مختلف الفنون الإسلامية، وترجمته البديعة لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية إلا حسنة من حسناته، ونموذجا من إخلاصه في خدمة الإسلام والمسلمين والسعي لجلب كل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
لن أتحدث في هذه السطور عن العلاقات الكبيرة التي ربطت الدكتور محمد المختار ولد اباه بوالدنا الزعيم أحمدو ولد حرمة ولد ببانا فقد كفاني هو نفسه الحديث عن ذلك في “رحلته مع الحياة”، ولكني سأكتفي بالشهادة له بما أعرف فيه من محبة أهل بيتنا عموما وتقديرهم ونصحهم وتوجيههم لما يصلح دنياهم وأخراهم.
ولا يمكنني أن أنسى -والرجال مواقف- ما لقيته منه شخصيا من دعم ومؤازرة ومساندة ونصح وإرشاد وسعي في مصلحتي ودفاع عني في حضوري وغيبتي، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأسأله وهو أكرم الأكرمين أن يجزل له الاجر والثواب والعطاء.
وفي الحقيقة لا اعرف ما أكتب ولا أدري ما أقول، فالرزء أعظم من أن تصفه عبارتي، والمصيبة أكبر من أن تبلغ التعبير عنها إشارتي.
كان محمد ولد اباه (باب) رحمه الله أمة وكان نموذجا للعالم الرباني والصوفي المخبت والمثقف الواعي والسياسي المحنك، والدبلوماسي المجرب، والأكاديمي المتميز، والأستاذ المقتدر، وكثير من الصفات لا يبلغ الوصف ولن يبلغ معشار العشر منها. فهو كما قال الشاعر:
وكان سمحا كريما جامعا مثلا
شيخا عزيزا سخيا بالذي كسبه
تعود الصدق بذلا والوفا شرفا
وحيثما حل حل الخير إذ جذبه