هل للتغيير السياسي فرصة؟/الكاتب الصحفي: السلطان البان

بعد أربع سنوات من الضرمِ والسَغب والإخفاق عاشها الشعب الموريتاني وهو يرقُب التغيير والإصلاح المنشود الذي توعّد به رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني في خطابه الشهير، تعاقبت مختلف الوجوه السياسية المدوّرة على مناصب حكمه دون أن تَنبلجَ تلك الأماني، بل تحوّلت أحلام الشعب وأمانيه إلى نَكَدٍ وأسى. جاء الموسم الذي بدأ منه الرئيس الحالي حكمه، وانتعشت سوق الأحزاب السياسية الوطنية والمبادرات الفردية والأحلاف القبلية، وطفت على السطح مصطلحات التثمين والولاء والترشُّحات وغيرها من عناوين الموسم الرائجة في سوقه.
فمنذ أن بدأت الدورات الانتخابية البرلمانية والبلدية إلى يوم الله هذا، لم تشهد البلاد سلطة تشريعية أنجبت حكومة فاعلة وقوية تضع مصلحة الوطن وغاية البناء هدفًا تسعى وراء تحقيقه، لهذا غاب القانون وتعطّلت النّظم وعمّت العشوائية واندلعت الصراعات من أجل مغانم وحصص يتحيّنون الانقضاض عليها؛ ما جعلنا نتيقن بأن النظام السياسي الحالي يجب أن يتغيّر بأي حال من الأحوال لكونه لا يلبي تطلعات الشعب، ولم يفِ بالوعود التي قطعها على نفسه من رفاهية وخدمات عمومية أساسية للشعب.
الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تدهورت بوجود طبقة سياسية عاجزة ينخرها الفساد وتحركها المصالح، سواء كانت شخصية أو حزبية، ومقابل كل هذا، تسيطر حالة من الاغتراب السياسي ويُغذيها الإحباط الشعبي الذي تعانيه شرائح عريضة من المجتمع، وبات التشاؤم سيد الموقف، ومن هنا يئس الكثير من إصلاح النظام السياسي ومؤسساته، ولم يعد الناس يثقون بالانتخابات كآلية إصلاحية للنظام السياسي يحتكر السلطة والريع والمشاريع، في حين تعيش الأغلبية الشعبية على الكفاف.
يقول ابن خلدون عن دور الفساد في انهيار الدول: إن “انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم”، لقد كان ابن خلدون محقًّا في هذا الرأي الحصيف الذي يعطي صورة مُختصرة عن الواقع المؤسف الذي وصلت إليه دولتنا اليوم نتيجة تراكمات الفساد والرشوة والتنصل عن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي ضاعفت الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي!
لا يمكن حصر الفشل السياسي والإخفاقات خلال هذه المرحلة من عمر الدولة الموريتانية في جانب النّظام الحاكم وحده، إنما تتحمل الأحزاب السياسية والطبقة المثقفة أيضًا جزءًا من المسؤولية الوطنية، وقد دأبت الأحزاب السياسية الموريتانية على ممارسة (الدكتاتورية الحزبية) في نظامها الداخلي، وكذلك طريقة تعاطيها مع القضايا الوطنية، وتباينت مواقفها من مشكلات الشعب وأزماته.
حملت السنوات الأخيرة في طياتها ولادة وسائط الاتصال التي زادت من الوعي، ومكنت المواطن من متابعة ما يجري في كواليس صنع القرار ودوائر السلطة التنفيذية والتشريعية، وخلقت وعيًا شعبيًّا متناميًا يمهد للتغيير، بل وُلدت حركات سياسية شبابية مناضلة، ومهدت هذه المستجدات لتحالفات معارضة أقوى يمكن أن تكون ضوءًا في آخر النفق.
ومن الأمثلة على ذلك، ولادة تيارات سياسية جديدة، مثل: “أمل موريتانيا” و”ملتزمون بموريتانيا موحّدة”، فمثل هذه التحالفات السياسية القادمة من رحم الإقصاء والإبعاد السياسي إن تماسكت بقوة ووضعت خططًا وإستراتيجية مشتركة لخوض المعارك السياسية المرتقبة سيكون لها موضع قدم في القبة التشريعية وغيرها رغم قوة الحزب الحاكم وحجم نفوذه وانتفاخ خزينة أمواله، ولا يمكنها أن تحجب شمس التغيير وتكسر إرادة الشعب عند اختيار من يمثله، فالتكنولوجيا والوعي الشعبي عاملان حاسمان في مراقبة الانتخابات، وستكون مثل هذه التحالفات، إن نجحت في مسارها السياسي، بمنزلة الكابوس المزعج الذي يوقظ الحكومة من مضجعها بعد أن عجزت المدلهمات عن إيقاظها.
يمكن حصر مجموعة من الأخطاء القاتلة التي قام بها النّظام الحالي في عدة نقاط، منها: مُحاصصة المناصب الوزارية انطلاقًا من مبدأ الجهة والقومية وتقويض إرادة شعب في اختيار ممثليه من خلال فرض رموز الفساد السابقة في مناصب انتخابية بحجم رؤساء المجالس الجهوية الذين واصلوا الفساد دون استحياء أو خجل، ونهبوا ميزانية الولايات استكمالًا لماضيهم الضرير، وهذا ما أوصل البلاد إلى هذا الحال، كان على الحكومة حل المشكلات الجوهرية المتشعبة سواءً ما يتعلق منها بالحمل الإنساني الثقيل أو ما يتعلق بمسألة توزيع الثروة بعدالة، ومساواة وإصلاح مؤسسة القضاء، وتفعيل محكمة الحسابات، وفتح فرص التوظيف أمام الشباب الموريتاني، مع السماح للأفراد بحرية التعبير، خصوصًا فيما يتعلق بنقد السلطة ومعالجة القضايا المصيرية.

الكاتب الصحفي: السلطان البان

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …