انتهجت موريتانيا منذ مطلع التسعينات نهج اقتصاد السوق وهو نهج يقتضي ان تتخلي الدولة عن استراد وتوزيع المواد الغذائية لصالح التجار وأن تترك الأسعار للسوق أي للعرض والطلب مع احتفاظ الدولة بدور محوري في العملية وهو ضمان استمرار تزويد السوق بالمواد اللازمة ومنع عمليات المضاربة والاحتكار بما يضمن الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب وبالتالي استقرار الأسعار
ولكن للأسف الشديد في موريتانيا ” غضت الدولة الطرف” و ” تجاهلت ” وحتى ” شجعت في مرحلة من المراحل “سيطرة مجموعة من التجار المستوردين، من أجل ضمان استمرار تزويد الأسواق بالمواد الضرورية مهما كان الثمن المعروض.
وبلغ هذا الأمر أوجه حين انحرفت الآلية المخصصة لضبط السوق وزيادة المعروض من المواد الأساسية لتثبيت الأسعار ” التي هي سونمكس ” عن مسارها وأصبحت تشتري من كبار التجار المضاربين. وهو ما أدي الي افلاسها.
وقد تسببت السياسات الرسمية التي تشجع ” التجار” علي حساب ” المستهلك ” في زيادة أسعار المواد المحلية أيضا و من أبرز هذه السياسات ” سياسة دعم الأرز المحلي “ المدعوم من جيوب المواطنين و الذي أصبح يوجد في السوق اغلي من الأرز المستورد الجيد بسبب المضاربات و فوضي السوق، وبدل أن تقوم الحكومة بدورها في توجيه الدعم للتحكم في الأسعار قامت تحت يافطة ” حماية ودعم المنتج المحلي ” بزيادة التعرفة الجمركية علي الأرز المستورد حتي أعلي قيمة 20% ليجد المستهلك نفسه في مواجهة اغلي أسعار ارز “محلي و مستورد ” في المنطقة .
ما سبق يعني ان الدولة تخلت عن إحدى وظائفها الأساسية في العملية ” تنظيم السوق وكسر الاحتكار ” على حساب القدرة الشرائية للمواطن – للأسف الشديد – تحت يافطات مختلفة ” كاستمرار تزويد السوق المواد الضرورية ” و “دعم القطاع الخاص “… الخ.
وبالتالي من الطبيعي أن تشهد البلاد ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد المستوردة والمحلية على حد سواء وأن تستنتج دراسة البنك الدولي 2014 أن أكثر من نصف سعر القمح والأرز المستورد في نواكشوط هو هوامش ربحية للتجار، وان يصل البنك في تشخيصه 2018 أن ارتفاع أسعار الناتج عن الاحتكار والمضاربة هو أحد الأسباب الرئيسية للفقر في موريتانيا وأن نري منظمة التجارة العالمية 2018 تحذر من أن مضاربة مجموعة قليلة من التجار المحتكرين في موريتانيا قد تؤدي الي تقويض الامن الغذائي في البلد.
سياسات حكومية في صالح ” التاجر” و ليس ” المستهلك ” ؟
لقد شكل تجار المواد الغذائية النواة التي تأسس عليها القطاع الخاص الوطني في شكله الحالي وتم تقديم الكثير من التسهيلات والدعم لهم حتى يكونوا قادرين علي استلام المؤسسات التي تخلت عنها الدولة في اطار الخصخصة والتي كانت شرطا وضعته المنظمات الدولية مقابل الحصول علي مساعداتها.
و قد اعتمدت الدولة علي هؤلاء التجار في تموين الأسواق و وجهتهم و سهلت لهم الاستثمار في قطاعات مختلفة و اعتمدت عليهم في تنفيذ الصفقات الحكومية و منحتهم رخص بنوك من اجل ان يوفرو لأنفسهم التمويل اللازم لهذه المهام و ليس لتقديم خدمات مصرفية مهنية حقيقية و تمويل الاقتصاد (و هو الخطا الاستراتيجي الذي ادي إلي اختلال بنية الاقتصاد الوطني ).
وزادت علي ذلك ان اعتمدت عليهم سياسيا و اجتماعيا و انتخابيا . بالتالي أصبح المصرفي مالك البنك هو في نفس الوقت التاجر المستورد للمواد الغذائية وهو أيضا المقاول المنافس على الصفقات العمومية وهو الفاعل في القطاع الزراعي وهو أيضا المُصدّر للسمك و هو السياسي و الوجيه و الزعيم القبلي و الاجتماعي .
و الخلاصة في النهاية ما تحدث عنه البنك الدولي في تشخيصه عام 2020 ان تكون هناك ثلة قليلة حوالي 9 مجموعات ذات طبيعة عائلية تسيطر علي القطاعات الاقتصادية الرئيسية و تستخدم البنوك . و بالتالي أصبح أي فاعل جديد “صغير او متوسط أو حتي مستثمر اجنبي ” يحتاج ” للولوج للسوق ” لا يستطيع لأن سوق مغلق من طرف فاعلين اقوياء ، و يحتاج للتمويل فلا يجده ” نتيجة لاحتكار البنوك من طرف نفس المجموعة ” !! و سيصطدم بنفوذ نفس المجموعة ” داخل المؤسسات العمومية ” نتيجة دعمهم السياسي للحكومة .
نحو إيجاد حل ؟؟