25 أبريل 2024 , 2:01

مشروع للأجيال : محمد عبد الله ولد لحبيب،كاتب صحفي

قبيل تقديم الوزير الأول محمد ولد بلال برنامج حكومته أمام البرلمان، كنت أحاور على الهاتف أحد المهتمين ببرنامج الحكومة على الهاتف. سألني الرجل الطيب ما هي ملاحظتك على المخطط الموريتاني؟
قلت له: هل يسمح وقت؟ قال بأدب تفضل، وكدت أسمعه وهو يهمس للهاتف: ليتك لا تطيل. بادرته بالسؤال: هل تعرف من أول من فكر في حفر قناة السويس؟ أجابني بشيء من الاستغراب؛ لا. استدعى هارون الرشيد وزيره يحيى بن خالد البرمكي، وكان ذا رأي ونصح، فقال “لقد هممت أن أصل بحر الروم ببحر القلزم[التسمية القديمة للبحر الأحمر]” (وهو ما يعني حفر قناة السويس). فقال يحيى: “إذن يتخطف الناس من الحرم، ويدخلون [يقصد الأعداء] الحجاز”. فانثنى الرشيد عن القرار.
رقد مشروع قناة السويس إلى أن غزا نابليون مصر بعد حوالي ألف سنة. استيقظ المشروع، ورأى النور بعد عقود، واستغرق العمل فيه عشر سنوات، وقضى نحو 120 ألف عامل، من بين مليون عامل كانوا يحفرون المشروع. ماتوا رحمهم الله وبقيت قناة السويس واحدا من أهم الممرات المائية العالمية المصنوعة بيد البشر.
واصلت الحديث؛ أعتقد أن إحدى مشاكل التنمية الرئيسة في بلادنا أن من يفكرون فيها لا ينظرون أبعد من أنوفهم. يتوارثون تعبيد أجزاء من طريق الأمل، وتوزيع بعض القطع الأرضية، وإنشاء بناية لهذه المؤسسة، أو تلك. فيما يحتاج العبور بالدول مشاريع يعمل فيها الخيال قبل أن تعمل الآلات الحاسبة. قبل أن ينظر إلى الخطوات السابقة. الدرس الأول في تعليم السياقة؛ لا تنظر أمام السيارة، انظر إلى الأعلى.
عند مجيء الوزير عبد السلام ولد محمد صالح من مهاجره التقى بأحد ألمع رجال الأعمال، وكانت خلاصة النصيحة التي أتحفه بها، إن موريتانيا لن تكون شيئا اقتصاديا ما دامت الطاقة فيها بهذا الغلاء. يبدو أن الوزير ولد محمد صالح كان على مستوى الثقة التي منحه إياها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وسيعبر مشروع الطاقة، الذي خطى الخطوة الأولى في مسيرته بتوقيع مذكرة التفاهم، بالاقتصاد الموريتاني إلى عدوة جديدة لم يطأها من قبل.
إلقاء نظرة على الرقم المالي الضخم لهذا الاستثمار الذي يعادل ميزانية بلادنا الحالية لمدة تقترب من 30 عاما يكفي ليجعل منه مشروعا غير تقليدي. إن رئيسا يجيز مشروعا استثماريا ضخما بمستوى الطموح هذا سيتكامل بعد أن يخرج من الرئاسة لهو رجل دولة ينظر أبعد مما على كرسيه. إنه ينظر إلى أشياء ستخلد للأجيال اللاحقة، وتنقل البلد من موقع اقتصادي، ومنزلة اقتصادية عالمية إلى أخرى.
ميزة أخرى لهذا المشروع تجعله فريدا من نوعه؛ فهو، إن تمت كل مراحله، ستتم بتمويل خارجي كامل ما يعني أن التحويلات المالية التي ستبدأ التدفق من مرحلة الدراسات، ستضخ أموالا طائلة في أوردة الاقتصاد الوطني، ولن تستنزف مخزون العملات الصعبة من السوق المحلي شأن المشاريع المصحوبة بالدعاية السمجة اقتصاديا “ممول على نفقة ميزانية الدولة”. من أول أيامه سيكون هذا المشروع مدرا للعملة الصعبة على السوق الوطنية، ناهيك عن فوائده الاقتصادية الأخرى.
مثل هذه المشاريع تعبر بالاقتصاد مراحل لأنها تساهم في التشغيل، والعمران، وتتعدد أوجه النفع بها، وتعيد في طريقها رسم سياسات واستراتيجيات، وتنشأ في أكنافها المعاهد ومراكز الدراسات، وتنهض علوم، وتتسع أرزاق.  يبقى أن تعبأ لها الدبلوماسية النشطة، وأن تحول بالعمل الإعلامي الناضج إلى قضية رأي عام يصعب التراجع عنها، أو الإفساد في طريقها.
قد يخلد القائد في ذهن التاريخ بمشروع واحد ضخم إذا أفرغ فيه جهدا ووقتا، وأولاه الرعاية اللازمة، وأعتقد أن مشروع الطاقة يمكن أن يخلد ذكرى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في صفحات التاريخ الوطني.
قال صديقي الذي كان يستمع بشيء من الاستهزاء إلى قصة السويس: وهل تريد أن نبني موريتانيا بتاريخ الخلفاء؟ قلت نعم. تاريخ بناة الدول متشابه إلى درجة يكاد يجعل لهم نفس الذهنية. كما تتشابه عقول التجار في كل العصور.

محمد عبد الله ولد لحبيب،كاتب صحفي

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …