أعلنت الحكومة مؤخرا أن مستوى المديونية الموريتانية وصل إلى 5 مليار دولار أمريكي، وأن موريتانيا كانت مطالبة خلال الفترة الأخيرة بتسديد 200 مليون دولار أمريكي، فيما تقدر ديون دولة الكويت المجمدة بأزيد من 900 مليون دولار .
أرقام عكست تفاقم أزمة الديون الخارجية التي تطالب بها انواكشوط ، ومستوى الفاتورة التي كان عليها أن تسددها، ما يؤكد أن موريتانيا من بلدان القارة الإفريقية التي سقطت في مستنفع الديون الخارجية.
وقد كان اهتمام الشارع الوطني بمسألة الديون، انعكاسا للواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلد.
فرغم ما تملكه موريتانيا من موارد اقتصادية متعددة وما حصلت عليه من هبات ومنح مالية إضافة إلى قلة عدد السكان ، فإن حجم المديونية يثير الكثير من التساؤلات بدرجة ما يثيره من القلق.
وزاد الطين بلة، حسب رأي المتابعين، أن الأموال المتأتية من هذه الديون التي أصبح المواطن الموريتاني رهينا لها ، لم يظهر أثرها في مشروعات تنموية مقنعة تؤدي إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص كثيرة للعمل في بلد أكثر من ثلثي سكانه من الفئات العمرية الشابة التي تبحث عن الشغل.
صحيفة المرابع أعدت تحقيقا استقصائيا حول المديونية الموريتانية، على ضوء المعطيات التي قدمتها وزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية .
ويأتي هذا الملف ضمن الملفات التي تنجزها صحيفة ” المرابع ” في كل عدد عن موضوع وطني هام.
200 مليون دولار
كشفت وزارة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية مؤخرا عن معطيات هامة تتعلق بالديون الخارجية الموريتانية ، في بيانها الثاني من نوعه خلال هذه السنة.
وقالت الوزارة في بيانها ، إن مجموعة العشرين ومن بينها بعض دائني موريتانيا ، اتخذت قرارا في شهر إبريل 2020 ولمدة ستة 6 أشهر بتجميد سداد خدمات الديون المستحقة لها وتم تجديد ذلك القرار مرتين.
و مكن القرار من التوقف عن تسديد ما يصل إلى 200 مليون دولار من الديون المستحقة على موريتانيا.
رقم خيالي
ووفقا لبيان الوزارة ، فإن مستوى المديونية الموريتانية يصل إلى 5 مليار دولار أمريكي. كما أكدت في بيانها الأول ” أن ديون موريتانيا أصبحت صعبة التحمل بفعل جائحة كوفيد19 وانعكاساتها الاقتصادية على الدول ذات الدخل المحدود، مطالبة بإلغاء الديون الخارجية بالكامل”.
واعتبرت الوزارة أن «القرارات الأخيرة لدول مجموعة العشرين تشكل خطوات في الاتجاه الصحيح، وتعتبر جديرة بالتثمين”.
تعامل مع الديون
وباشرت موريتانيا في أكتوبر 2020 ، صياغة استراتيجية من أجل تخفيض هام لمديونيتها الخارجية.
و أوضحت وزارة الاقتصاد ، أن «موريتانيا تسعى إلى القيام بإعادة هيكلة شاملة وطموحة لمديونيتها العمومية الخارجية».
وضمن هذه الإجراءات ، تعاقدت موريتانيا في شهر دجمبر 2020 مع مكتب خبرة دولي متخصص هو فرانكلين- فينكسين لمواكبتها في هذه العملية.
وأكدت الوزارة «أن المهمة الموكلة لمكتب فرانكلين- فنكزم الدولي للخبرة المالية، ستأخذ بعين الاعتبار مختلف مكونات المديونية الخارجية تجاه المؤسسات المالية الدولية وتجاه كافة دائنيها الثنائيين العموميين والخصوصيين”.
خيارات
وبينت وزارة الاقتصاد ، أنه نظرا ” لأن بلادنا تتوفر على كافة الشروط المطلوبة فإنها ستستخدم كافة الخيارات المتاحة لها للوصول إلى أهدافها في مجال المديونية: في مرحلة أولى الإطار المشترك الذي تم إنشاؤه من طرف مجموعة العشرين ونادي باريس وبعد ذلك مباحثات ثنائية عند الضرورة. وقد باشر التجمع في إعداد المرحلة الثانية من مهمته وهي صياغة أفضل استراتيجية حوار حول المديونية مع كل دائن على حدة”.
ديون جديدة
وبررت وزارة الاقتصاد الدين الجديد بالظرفية والمعطيات المعلقة بها، وجاء في البيان أن
” الظروف الناتجة عن جائحة كوفيد-19 أثرت بصفة بالغة على الاقتصاد الموريتاني وزادت من هشاشة الساكنة من حيث ظروفها الصحية ووسائل عيشها.
ومن أجل الحد من آثار تلك الجائحة وتأثيراتها السلبية، اتخذت السلطات الموريتانية حزمة إجراءات ذات طابع استعجالي للتكيف مع الظرفية، ومن أهم تلك الإجراءات :
ــ زيادة نفقات الصحة والمصالح العمومية المرتبطة بها.
ــ المصادقة على إجراءات لدعم الأسر والمقاولات الصغيرة ودعم الإنتاج الوطني من خلال تثمين قدرات القطاعات الإنتاجية…الخ.
وقالت الوزارة إن إجراءات من هذا القبيل تتطلب توفير موارد خارجية هامة لا يمكن توفيرها إلا من خلال وجود أرصدة جاهزة أو من خلال جدولة للديون.
وأضافت ” ضمن هذه الديناميكية ولتفادي تفاقم حجم وكلفة المديونية وكذلك من أجل تمويل الحاجات الطارئة المرتبطة بالجائحة، لجأت بلادنا إلى هبات وقروض ميسرة”.
خطر
في فبرارير2018 ، أكد ميتسوهيرو فوروساوا، نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، في تصريحات صحفية عقب زيارة قام بها لموريتانيا، أن «دين موريتانيا مرتفع إلى حد كبير نسبة إلى حجم اقتصادها”.
وأوضح أن «المؤشرات تؤكد بلوغ الدين العام الموريتاني لنسبة 73% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2017 (دون احتساب متأخرات الدين تجاه الكويت) مما يضع موريتانيا، حسب قوله، أمام خطر كبير يهدد بوصولها إلى مستوى المديونية الحرجة عند تطبيق المعايير الدولية لاستدامة الدين”
ارتفاع
وحسب بعض المتابعين فإن موريتانيا استدانت خلال سنة 2017 وحدها ،ما يقارب مليار دولار.
وحسب تقارير صحفية ، فقد انتقلت خدمة الدين الخارجي خلال السنوات العشر الأخيرة، من 60.6 مليون دولار في العام 2009 (4% من صادرات السلع والخدمات)، إلى 368.5 مليون دولار في العام 2019 (%16 من صادرات السلع والخدمات) وفقا للتقارير السنوية للبنك المركزي.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن خدمة الدين الخارجي شكلت 10% من الموازنة السنوية لعام 2013، و15% من ميزانية 2015، لتصل إلى 17.35% من ميزانية 2018، فيما مثلت أقساط الدين الخارجي المستحقة نسبة 24% من ميزانية 2019.
مساعٍ لشطب الديون
قادت موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة حملة تهدف إلى شطب ديون أفريقيا، وذلك للحد من التأثيرات الاقتصادية لفيروس كورونا.
وخلال ترؤسه لقمة دول الساحل المنعقدة في نواكشوط في 30 من شهر يونيو الماضي، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعا رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني إلى إلغاء ديون أفريقيا حتى تتمكن من مجابهة وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
إعفاء سابق
وكانت موريتانيا استفادت في عام 2007، من إعفاء للديون الخارجية (باستثناء ديون الكويت المجمدة والتي تقدر بـ 900 مليون دولار)، وذلك عقب المسار الانتقالي الذي أفضى لفوز أول رئيس مدني، منتخب بطريقة شفافة.