24 أبريل 2024 , 6:09

على هامش حفل إفطار جهة انواكشوط “قراءة فيسبوكية في الحدث”

 قبل عشرين سنة كان المدعو لحفل جماهيري كالغريب المنعزل يُقلّب النظر في الحشود لتستقر عينه على شخص يعرفه أو تربطه به صلة لتركن إليه نفسه ويخفف عليه ذلك غربة “الجمع الكبير ” ويختزل معه طول الحدث وتشعبه ..
وكان أقصى مايمكن أن يظفر به الشخص من معارف وعلاقات قديمة بضعة أشخاص حسب ضخامة الحشد ونوعيته ومشتركاته ( المهنية والاجتماعية والسياسية …)
اليوم الأمر أغرب مماتخيل ! فأنت حين تدخل أي حشد أيا كان تجد نفسك في محيطك الأسري المقرب ،فكل الحضور هم جمهورك المباشر في وسائط التواصل الاجتماعي !!
كل مافي الأمر هو أنك تنتقل من وضعية pause إلى وضعية play!
وبدلا من الصور والهيئات الصنمية التي تتعامل معها في عالمك الافتراضي إذا بك أمام صور ثلاثية الأبعاد أكثر حيوية وحركية وبسحنة ( تماثلية) analogique أبعد بكثير من الصورة “الافتراضية” الرقمية numérique من تصنيف HD فائق الدقة والجودة والوضوح !!
كنت في جلستي على مائدة الإفطار ( الشهي بالمناسبة) أُقلب النظر في جيراني من أصدقاء الصفحة وهم يُجدفون بملاعقهم وسكاكينهم في مائدة جهة انواكشوط المنظمة على شرف الصحافة والمدونين بمناسبة العيد الدولي للصحافة ، وكنت أعرفهم الواحد تلو الآخر ، وربما عرفوني هم بدورهم !
كنا في نظراتنا المتبادلة نرسل رسائل ومونولوغات كثيرة ، لكن بلغة البصر المجردة ، تماما كما كنا نعامل بعضنا في الفيس !
على مائدة الإفطار تابعت أربعة أصناف من الأصدقاء !
الصنف الأول هم المشاهير الذين لاحاجز بينك معهم يُحيونك قبل أن تحييهم إدراكا منهم أن الجميع يعرفهم ومع هؤلاء لاتجد غضاضة في ابروتوكول التعارف معهم، فأنتم مجرد أصدقاء تحولتم من قاعة صغيرة الى ساحة عمومية ..
الصنف الثاني هم الأصدقاء المشتركون ، وهولاء دهاة في معرفتك ومن تكون ، لكن لايتجاوز الأمر عندهم عناقا بصريا جافا وتوجيه البوصلة الى جانب آخر من المائدة الرمضانية المُترعة..
الصنف الثالث هم الأشباح أو الاسماء المستعارة ، فهؤلاء يذكرونك بالجان بحيث يرونك هم وقبيلهم من حيث لاتراهم ، ويقلبون نظرهم فيك ويسيحون في تفاصيلك ويجولون وأنت في عراك السكين والملعقة ولسان حالك يقول ليتني تُركت آكل وأقضُم بيدي المعطلة ظلما وعدوانا تحت سلطان لبروتوكول والحداثة !
هذا الصنف كماهو قادر على أن يفزعك في الافتراضي وأن يمثل لك دور جبهة من الرعب غير محددة المعالم ، قادر كذلك على أن يناديك باسمك من أقرب مكان من المائدة دون أن تعرف من يكون المنادي !
وقد حصل لي ذلك في مائدة الإفطار ، وفيما أنا أستحضر ماعندي من المعوذات إذا بيد ناعمة تحط على كتفي ، وكان صاحبها نكرة مطلقة بالنسبة لي فأوجست منه خيفة لولا أن بادرني بتعريف نفسه وأنه صديق ” مقرب” ومتابع وفي ُُ، لكنه اعتاد التدثر بالظلمة ولعبِ دور القرين الجني في الفيسبوك!!
الصنف الرابع هم أصحاب طلبات الصداقة العالقون ، وهذا الصنف ، والله أعلم ،خُيل الي أني صادفت بعضهم على حواف بعض موائد الإفطار وليس لي من دليل مادي على ذلك سوى التشابه الخفيف بين الشخوص المعلقة عندي وبعض من ملامحهم المميزة ، إضافة الى نظرات رُكنية حانقة وسريعة أرصدها من حين لآخر وتشوشها عليّ جلَبةُ الأصدقاء المشتركين وصخبهم وهُم حافّين بالمائدة الفاصلة بيني مع مائدتهم !!
…لنقلها بصراحة ، نحن اليوم أصبحنا أكثر من أي وقت مضى أسرة كونية واحدة !!!

من صفحة الصحفي أحمدو اندهر رئيس تحرير بقناة الموريتانية

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …