20 أبريل 2024 , 10:54

يمنع الملكة من دخوله ويبدأ جلساته بالصلاة ونوابه لا يتصافحون.. تقاليد غريبة في البرلمان البريطاني

 

يُعرَف عن البرلمان البريطاني أنه من أقدم البرلمانات في العالم وأكثرها تطورا وحيوية، غير أنه لا يزال يحتفظ بتقاليد تليدة تبدو للوهلة الأولى غريبة، بل عديمة الجدوى أحيانا، لكنه أبقى عليها حفظا للذاكرة التاريخية للبلد الذي مرّ بصراعات دموية في طريق تشكل نظامه الحالي.

وتعود بدايات البرلمان البريطاني إلى ما قبل القرن الـ13، حين كان الملك يعقد مجلسا للأعيان وممثلي المناطق والمستشارين من النبلاء ورجال الدين، سُمي بـ”المجلس الكبير”، غير أن التسمية الرسمية بالبرلمان كانت عام 1236.

لعب البرلمان دورا أساسيا في جميع مراحل الحياة السياسية في بريطانيا، ابتداء من كونه مجلسا استشاريا للملك، ثم الانفصال عنه في مجلس مستقل، ثم بالثورة على الملكية والتخلي عنها، ثم العودة إليها وما تخلل ذلك من صراعات وحروب قلّصت من صلاحيات الملك في حقب زمنية متوالية، وانتهت بنظام جديد سمي الملكية الدستورية، يسود فيها الملك ولا يحكم.

كان ممثلو الشعب والنبلاء والملك يجلسون سويا في قاعة واحدة في ما يسمى مجلس العموم، لكن بعد عام 1341 انفصل ممثلو الشعب عن النبلاء الذين أصبح لهم مجلس آخر في البرلمان يسمى مجلس اللوردات، وهو الغرفة الثانية في البرلمان.

وفي هذا التقرير نعرض لتقاليد وعادات لا تزال حاضرة في أروقة قصر “وستمنستر” (مبنى البرلمان)، وتعكس جزءا من الإرث السياسي لإمبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس.

رهينة في القصر

عند افتتاح الدورة البرلمانية، تلقي الملكة خطاب العرش وتحدد فيه ملامح خطة الحكومة للسنة القادمة، وبينما تلقي الملكة خطابها يُحتجز أحد نواب مجلس العموم رهينة في قصر باكنغهام الملكي، وقد جاءت هذه العادة من الزمن الذي كانت فيه العلاقة سيئة بين الملكية والبرلمانيين، وفقد فيه الطرفان الثقة ببعضهما، فلجأ البلاط الملكي إلى احتجاز نائب للمساومة في حال تعرّض الملك أو الملكة للتهديد خلال فترة وجودهما في وستمنستر.

ورغم اعتداد البريطانيين بالعائلة الملكية وتوقيرهم لها، فإنه لا يسمح للملكة أن تطأ بقدمها أرض مجلس العموم، ويقفل الباب في وجه ممثلها كل عام للإشارة إلى استقلال المجلس وممثلي الشعب، وتلقي الملكة كلمتها بدلا من ذلك في مجلس اللوردات ممثل النخبة والنبلاء.

ويعود ذلك إلى الصراع التاريخي بين البرلمان والتاج البريطاني، عندما جاء الملك تشارلز الأول إلى البرلمان لإلقاء القبض على 5 نواب عام 1642، غير أنه منع واضطر رئيس المجلس إلى إخفاء النواب المطلوبين.

صولجان وطاولة عتيدة

يحتفظ مجلس العموم البريطاني بصولجان رمزا للسلطة الملكية، وتقضي التقاليد البرلمانية ألا يناقش في المجلس أو اجتماعاته ولا يمرر أي قانون جديد دون وجوده.

ويبلغ طول الصولجان، المصنوع من الفضة المطلية بالذهب، 5 أقدام، ويعود تاريخه إلى الملك تشارلز الثاني في القرن الـ17.

ويحمل الصولجان إلى قاعة المجلس قبل انعقادها في مقدمة موكب رئيس المجلس، ويوضع على طاولة المجلس حال انعقاد الاجتماعات، بينما يغيّب تحت الطاولة عند مناقشة الأمور المالية، دلالة على اختصاص البرلمان وحده بهذا الشأن دون السلطة الملكية.

ويتعهد الصولجان موظف مختص يجلبه كل يوم إلى القاعة ويرفعه بانتهاء مداولاتها في نهاية اليوم، ويغيب الصولجان عن الحضور إذا قدمت الملكة شخصيا إلى مبنى البرلمان.

وعلى ذات الطاولة، يوضع صندوقان كبيران يطلق عليهما صندوقا البرقيات التي استعملها أعضاء البرلمان قديما لحمل الوثائق المهمة والبرقيات إلى القاعة، ويضمان الآن وثائق برلمانية تاريخية ومخطوطات دينية. وحين المناقشة توضع الوثائق المهمة على الطاولة، وقيل إن التعبير الإنجليزي “وضع على طاولة النقاش” انبثق من هذه الطاولة البرلمانية العتيدة، للتعبير عن البدء في مناقشة قضية ما.

بطاقة صلاة

يبلغ عدد مقاعد مجلس العموم 427 مقعدا، بينما عدد النواب 650، وفي اليوم الذي تمتلئ فيه قاعة البرلمان لمناقشة مواضيع مهمة مثل الميزانية وغيرها، فإن عددا من النواب يضطرون للوقوف، وفي مثل هذه الحالات يلجأ بعض النواب لطريقة يتمكن بها من حجز مقعد، فبعد أن يأتي النائب في الصباح الباكر يحصل على “بطاقة صلاة” ويضعها في المكان الذي يريد الجلوس فيه لاحقا، لكنه سيكون مضطرا لحضور الصلاة فعليا، ليس ذلك وحسب، وإنما عليه مواجهة الحائط المخصص طوال وقت الصلاة.

وتبدأ جلسات البرلمان عادة بالصلاة، على الرغم من أن النواب غير ملزمين بها، ويمضي المصلون منهم نحو 3 دقائق في الصلاة، يدعون فيها -بحسب الصيغة المذكورة في موقع البرلمان- ملك الملوك ورب الأرباب أن يوفق الملكة وحكومتها وجميع أعضاء البرلمان ومن هم في مواقع المسؤولية، وأن لا يقودوا الأمة إلى الخطأ.

خطان أحمران

وفي تلك المقاعد، تتواجه مقاعد الحكومة ومقاعد المعارضة، ويفصل بينهما خطان أحمران على الأرض، تساوي المسافة بينهما طول ذراعين ممدودين بسيفين، وكان النواب فيما مضى يتقلدون سيوفهم عند حضور مجالس البرلمان، فرسم خطان على مسافة تحول بين الطرفين إذا نشب شجار بينهما.

ولا تزال في غرفة الملابس أماكن مخصصة لتعليق السيوف، أبقى عليها البريطانيون للذكرى. كما أن النواب لا يتصافحون باليد، وإنما يظهرون أيديهم مفتوحة للإشارة إلى أنها لا تحمل خنجرا أو سيفا.

شريط أخضر

وإذا كانت الظروف التاريخية قد أجبرت أعداء الأمس على التقارب والجلوس في مكان واحد، فإن هذا ما حدث بين غرفتي مجلس البرلمان: اللوردات الذي يعين من النبلاء والأساقفة والنخب السياسية والعلمية، والعموم المنتخب من الشعب، وقد جمعهما وستمنستر رغم ما بين المجلسين من حروب وثارات.

إلا أن هذا التقارب محكوم باتفاقية وبروتوكولات بين الطرفين، تبرز اهتمام البريطانيين بالتفاصيل الدقيقة. فإذا أراد أي مجلس منهما أن يشير في مناقشاته الداخلية إلى الطرف الآخر، فإنه لا يذكر اسم المجلس وإنما يصفه بـ”المكان الآخر”.

وعندما يقرّ مشروع قانون في مجلس العموم، فإنه يرسل إلى مجلس اللوردات قبل الموافقة الملكية عليه، وتربط مشاريع القوانين تلك بشريط أخضر، وهو لون مقاعد النواب المنتخبين في مجلس العموم للدلالة على أن تلك القوانين مرسلة من المجلس ذي السلطة الأعلى من مجلس اللوردات.

سحب رئيس البرلمان إلى كرسيه

عند انتخاب النواب لرئيس المجلس، فإن العرف البرلماني يقتضي أن يسحب الرئيس من بين الحاضرين ويقاد إلى كرسي الرئاسة، إشارة إلى رغبته عن المنصب. وقد كان منصب رئيس مجلس البرلمان من أخطر المناصب في بريطانيا حتى القرن الـ14، وكانت وظيفته إبلاغ الملك بما يحدث في دهاليز وستمنستر، مما قد يكلفه حياته ثمنا لذلك، وقد قطعت رؤوس ما لا يقل عن 7 من رؤساء البرلمان قبل عام 1535، لذا كان بعض المرشحين يمتنع عن المنصب خوفا من عواقبه الوخيمة.

ومع اشتداد الأحداث في بريطانيا، تطور دور هذا المنصب حتى أُقِرت استقلاليته عن الأحزاب السياسية في القرنين الـ18 والـ19. ويجب على رئيس المجلس عند انتخابه أن يتوقف عن تمثيل الحزب الذي ينتمي إليه في البرلمان، ولا يحق له المشاركة في التصويت أو الإدلاء برأيه أو الاشتراك في المناقشات إلا لأغراض تنظيمية.

ويعدّ منصب رئيس مجلس العموم أو المتحدث باسمه -كما هي التسمية الرسمية له- أعلى سلطة في المجلس، والمسؤول عن كل ما يحدث تحت قبته، وتناط به مهام تسيير أعمال المجلس وضمان احترام الأحزاب للقوانين والأعراف البرلمانية السائدة وعدم خرقها بأي شكل من الأشكال.

وقد سار التقليد البرلماني في بريطانيا على إعادة انتخاب الرئيس لدورة ثانية بمجرد رغبته في ذلك، بالرغم من أحقية المجلس نظريا في رفض إعادة الترشيح، وهو ما لم يحدث أبدا في تاريخ البرلمان البريطاني.

شاهد أيضاً

توزيع جوائز الأسبوع الرابع والأخير من مسابقة “ثقافتكم”التي تنظمها الوكالة الموريتانية للأنباء

وزعت الوكالة الموريتانية للأنباء، زوال اليوم الأحد بمقرها في نواكشوط، جوائز الأسبوع الرابع والأخير من …