يرى معظم العلماء أن البشر يمكنهم تحمل الجوع والعطش لبضعة أيام فقط.
وفي عام 1944، حرم عالمان أنفسهما من الماء، أحدهما لثلاثة أيام والآخر لأربعة، لكنهما تناولا أطعمة جافة فقط. وفي اليوم الأخير، وجد الاثنان صعوبة في البلع، وأصبحت وجوههما شاحبة وهزيلة، لكنهما أوقفا التجربة قبل أن تتردى حالتهما الصحية.
وتتفاوت القدرة على تحمل العطش من شخص لآخر، فثمة أدلة تشير إلى أن الجسم البشري يتأقلم مع الكميات التي يستهلكها الشخص من المياه.
ففي عام 1979، بقي أندرياس ميهافيتش، عامل بناء نمساوي كان يبلغ من العمر 18 عاما، لمدة 18 يوما من دون ماء، بعد أن حبسه ضباط شرطة في زنزانة ونسي أمره. وسُجل رقم قياسي باسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ربما من المستبعد التعرض لهذا النوع من الجفاف الشديد، لكن تقريرا للأمم المتحدة أشار إلى أن أربعة مليارات شخص حول العالم يعانون من ندرة المياه لمدة شهر على الأقل في السنة.
وقد يصبح الحصول على إمدادات المياه النظيفة أكثر صعوبة في الكثير من البلدان حول العالم بسبب تغير المناخ. وتشير بعض التقديرات إلى أن ثلثي سكان العالم سيعانون من ندرة المياه بحلول 2025.
وتمثل المياه ما يترواح بين نحو 60 و70 في المئة من جسم الإنسان، وقد تزيد هذه النسبة أو تنقص بحسب السن.
ويفقد الجسم الماء عبر التبول والتعرق والتغوط والتنفس، ويتعين علينا أن نعوض هذه المياه التي نفقدها باستمرار بالشرب أو بالأكل – ثلث المياه التي نستهلكها تقريبا تأتي من الطعام – حتى لا نصاب بالجفاف.
تبدأ المرحلة الأولى من الجفاف، بالعطش، الذي نشعر به عندما نفقد اثنين في المئة من وزن الجسم.
ويقول ديليب لوبو، أستاذ جراحة المعدة والأمعاء: “عندما نشعر بالعطش، يتشبث الجسم بجميع المياه المتبقية.
فترسل الكلى كميات أقل من المياه إلى المثانة، ومن ثم يصير لون البول داكنا.
وعندما يقل العرق ترتفع درجة حرارة الجسم. ويصبح الدم أكثر كثافة ولزوجة. وللحفاظ على مستويات الأكسجين في الدم، يتسارع نبض القلب”.
وتتفاوت وتيرة ظهور أعراض الجفاف من شخص لآخر، بحسب الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الجسم. لكن إذا مارست تمرينات شاقة في درجة حرارة نحو 50 درجة مئوية مع عدم وجود ماء، قد يصبح الجفاف قاتلا.
ويقول لوبو: “هناك حد أقصى للحرارة التي يتحملها البشر، إذا تجاوزته قد تعاني من الإجهاد الحراري وربما الوفاة.
وترتفع معدلات الوفيات في الأيام شديدة البرودة، لكنها ترتفع ارتفاعا حادا في الأيام شديدة الحرارة”.
وعندما نمارس التمرينات في بيئة حارة، قد يفقد الجسم ما يتراوح بين 1.5 لتر و3 لترات من المياه في الساعة بسبب العرق، وقد نفقد من 200 إلى 1,500 ملليلتر من المياه أيضا عبر الزفير، بحسب نسبة الرطوبة في الجو.
وقد يترك ذلك أثرا بالغا على الجسم. وقد يصيبنا الجفاف المعتدل بالتعب والإجهاد، وتتراجع قدرتنا على الأداء البدني. وإذا فقدنا المزيد من المياه، تقل قدرتنا على تبريد الجسم بالتعرق، ومن ثم ترتفع درجة حرارة الجسم ارتفاعا ملحوظا.
فإذا أخرج الجسم كميات تفوق ما يستهلكه من المياه، يصبح الدم أكثر كثافة وتركيزا، ومن ثم سيجد الجهاز القلبي الوعائي صعوبة في الحفاظ على ضغط الدم في المعدل المناسب.
وتعوض الكلى نقص المياه في أجسامنا من خلال الحفاظ عليه بتقليل كمية البول، ويتدفق الماء من خلايانا إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى انكماش حجم الخلايا. وعندما نفقد أربعة في المئة من وزن الجسم في صورة ماء، نصاب بهبوط الضغط والإغماء.
وفي المرحلة الثالثة من الجفاف، إذا فقدنا سبعة في المئة من وزن الجسم، قد تتضرر أعضاء الجسم. ويقول لوبو: “يجد الجسم مشقة في الحفاظ على ضغط الدم. ولكي تبقى على قيد الحياة، يتدفق الدم ببطء إلى أعضاء الجسم الأقل أهمية، مثل الكلى والأمعاء، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار بها. فإذا توقفت الكلى عن ترشيح الدم، ستتراكم النفايات الخلوية، وفي هذه الحالة، أنت تموت من أجل شربة ماء بالمعنى الحرفي”.
لكن بعض الناس أكثر قدرة على تحمل الجفاف الشديد، بل ويمكنهم أيضا الحفاظ على مستوى أدائهم رغم العطش. ففي ماراثون عام 1984، فقد العداء ألبرتو سالازار، كميات كبيرة من المياه عن طريق العرق قدرت بنحو 3.6 لتر في الساعة في قيظ الصيف في لوس أنغليس، وفقد ثمانية في المئة من وزن جسمه. لكنه عوض هذه الكميات من المياه سريعا بعد انتهاء الماراثون وتابع حالته فريق طبي.