20 أبريل 2024 , 8:47

من هم “أهل الحمد” الذين تنتمي إليهم القاضية باريت مرشحة ترامب للمحكمة العليا؟

أثار طرح اسم القاضية المحافظة، إيمي كوني باريت، لتشغل مقعداً في المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، زوبعة في وسائل الإعلام الأمريكية.

فبعد شغور أحد مقاعد المحكمة الثمانية بوفاة القاضية، روث بادر غينسبرغ، الأسبوع الماضي، سارع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى ترشيح باريت (48 عاماً) للكرسي الذي يشغله القضاة مدى الحياة.

يُنظر إلى غينسبرغ كأيقونة نسوية وليبرالية، لذلك جاء اختيار ترامب لقاضية من خلفية محافظة، ليثير تخوّف التيارات الليبرالية على مكتسباتها في المحكمة العليا، خصوصاً تلك المتعلّقة بقوانين الإجهاض وزواج المثليين.

وتشكّل مواقف المرشحين الجمهوري والديمقراطي من قضايا مثل الإجهاض، محوراً أساسياً في حسم اتجاهات التصويت في الانتخابات الرئاسية المرتقبة الشهر القادم.

وكما بات معروفاً، يحظى ترامب بدعم جماعات مسيحية محافظة في أوساط الإنجيليين المتجددين، المهتمين بفرض أجندتهم في القضاء، ولا سيما فيما يخص الإجهاض وزواج المثليين.

ويشير مراقبون لأداء ترامب، إلى أنّ إدارته اتخذت عدّة قرارات إرضاءً لأجندة هؤلاء، ومن بينها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

وباختياره قاضية محافظة للجلوس في مقعد غينسبرغ، يغازل الرئيس الأمريكي طموحات الناخبين الراغبين بتعديل القوانين المرتبطة بتحديد النسل والزواج والعائلة.

لكنّ إيمي كوني باريت كاثوليكية وليست إنجيلية، فما مدى ارتباطها بمعتقدات دينية متطرفة؟ ولماذا تثير قاضية كاثوليكية كلّ هذا الجدل، في حين أنّ مرشّح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، المناوئ لترامب، كاثوليكيّ أيضاً، ولم يرفع في حملته شعارات محافظة؟

“عقيدة صارخة”

تشير صحف أمريكية إلى أنّ الجدل ليس حول ديانة باريت، بل حول انتمائها لجماعة أو أخويّة علمانية، تعرف باسم “أهل الحمد”، وتضمّ نحو 1700 شخص في عضويتها، من مختلف المذاهب المسيحية، لكنّ غالبيتهم من الكاثوليك.

وفي وقت لم تنفِ باريت انتماءها للجماعة أو تؤكده، رجّحت تقارير إعلامية أنّها جزء منها، لانتماء أبويها الديمقراطيين إليها، ولكونها شغلت منصباً في مجلس أمناء مدرسة “الثالوث” التابعة لـ”أهل الحمد”، في مدينة ساوث بند، شمال ولاية انديانا.

وهذه ليست المرة الأولى التي تثير علاقة القاضية بتلك الجماعة تساؤلات، فحين رشحها ترامب لمحكمة استئناف الدائرة السابعة ومقرها شيكاغو عام 2017، وخلال جلسات الاستماع للمرشحين، وجّهت لها أسئلة حول إمكانية تأثير معتقداتها الدينية على قراراتها وأحكامها.

وفي ذلك الحين، وجّهت لها عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية، ديان فاينستاين، انتقاداً لاذعاً، قائلة: “تحيا العقيدة فيكِ بشكل صارخ، وهذا أمر مقلق”. يومها انتُقدت فاينستاين على تصريح اعتبر تمييزياً، ويطلق حكماً على القاضية باريت بسبب معتقداتها الدينية، متجاهلاً كفاءتها.

واليوم، مع عودة اسمها بقوّة إلى الضوء، تجدّد السؤال عن قدرتها على الفصل بين قناعاتها الشخصية، وبين أحكامها القضائية. والسبب بحسب منتقديها ليس كاثوليكيتها، بل علاقتها غير الواضحة بجماعة “أهل الحمد” التي تثير الشكوك في صفوف الكاثوليك أنفسهم.

تيار مواهبيّ “غامض”

النقاش حول قدرة الكاثوليك على الفصل بين معتقداتهم ومهامهم العامة، ليس جديداً في الولايات المتحدة، فعند فوز جون كينيدي بالانتخابات عام 1961، طرح سؤال عن مدى تأثير علاقته بالفاتيكان على قراراته، وينطبق الأمر ذاته اليوم على بايدن.

أمّا في حالة باريت، فالأمر أبعد من الحساسيات الدينية المعتادة إن جاز التعبير، خصوصاً مع الغموض الذي يلفّ جماعة “أهل الحمد”، بعد شهادات أعضاء سابقين فيها، تحدّثوا عن ممارسات قمعية، وعن تدخل قادة المجموعة بشكل تفصيلي في قرارات وخيارات أفرادها الشخصية.

وبحسب “خدمة الأخبار الدينية” الأمريكية، تعدّ “أهل الحمد” واحدة من الجماعات المنتمية لتيار ديني مواهبيّ وسط الكاثوليك في الولايات المتحدة، متأثّر بالتقاليد الانجيلية الخمسينية.

ويقصد بمواهبيّ معتقد يؤمن أتباعه بحلول الروح القدس عليهم، وقدرتهم على التنبؤ واجتراح المعجزات والتحدّث بلغات قديمة لا يعرفونها.

وذلك هو التيار نفسه الذي ينتمي له عدد من القساوسة الانجيليين المتجددين الذين يدعمون ترامب.

صدر الصورة،CHIP SOMO

“حكاية الأًمَة”

هذا التيار غير شائع في أوساط الكاثوليك، ويثير انتقادات عدّة وسط بعض اللاهوتيين والمفسرين، وقد نشأ في أواخر الستينيات، كردّة فعل من المحافظين على الثقافة المضادة التي تجلّت بسلوك حياة الهيبّيز في الولايات المتحدة.

ويرجّح أن الكاتبة الكندية، مارغرت أتوود، قد استوحت من تلك الطوائف الكاثوليكية المستجدّة روايتها الشهيرة “حكاية الأًمَة” (1985)، وقد أشارت إلى ذلك في حوار أجرته معها “نيويورك تايمز” عام 1986. يومها عندما قالت أتوود: “هناك طائفة كاثوليكية كاريزماتية، تسمّي النساء بالإماء”.

حوّلت الرواية قبل سنوات إلى مسلسل نال شعبية كبيرة على منصّة “هولو” للبثّ، ويتخيّل عالماً ديستوبياً يتسبّب فيه التلوّث بالعقم. وفي مجتمع قمعي مغلق، يُفرض على النساء المخصبات العمل كجاريات لدى عائلات القادة، بهدف الحفاظ على تكاثر الجنس البشري.

“الرجل رأس المرأة”

وبحسب ما يعرف عن جماعة “أهل الحمد”، فإنّ نظامها القيادي محصور بأيدي الرجال فقط.

ويستند الأفراد في أبسط خيارات حياتهم، من الزواج إلى شراء شقة أو سيارة، إلى رأي قائد أو مرشد روحي.

وترجع النساء إلى قائدات، كنّ حتى العام 2017 يسمّين بالإماء، ثمّ غيّرت الجماعة اسمهنّ بعد انتشار المسلسل المشار اليه، وسمّتهن بـ”النساء القائدات”.

تعرف المجموعة بعائلاتها الكبيرة، فالقاضية باريت أمّ لثمانية أبناء، اثنان منهم بالتبنّي.

كما تعقد اجتماعات أسبوعية يسود فيها الفصل الجندري، فيما يطبّق أفراد المجموعة فكرة أنّ “الرجل هو رأس المرأة ورأس العائلة”، استناداً إلى ما ورد في إحدى رسائل القديس بولس.

وهكذا تركز المنظمة على الأسرة والأدوار التقليدية للجنسين وحياة الصلاة والتقوى والخدمة.

ويقول المنفصلون عن المجموعة إنّ النساء يشغلن مرتبة دنيا في ثقافة “أهل الحمد”، والقادة الروحيين يتحكمون بحيوات الأفراد بشكل استبدادي، فمن يخرج عن الجماعة ينفى بالكامل من المجتمع.

وبحسب أعضاء سابقين، فإنّ تدخل القادة يصل حدّ محاسبة النساء اللواتي يطرحن أسئلة أو يرفضن طاعة أزواجهنّ، في جلسات جماعية.

في المقابل، ينفي الناطقون باسم المجموعة الممارسات المتطرّفة المنسوبة إليهم، قائلين إنّ تجارب بعض الأفراد السابقين لا تعبّر عن الحقيقة بدقّة.

وفي أحاديث صحافية متفرقة، يقولون إنّ الهدف من الجماعة هو دعم أفرادها روحياً واجتماعياً ومادياً. فحتى الأشخاص غير المتزوجين، يعيشون في بيوت مشتركة، ريثما يتزوجون. كما يطلب من كلّ عائلة تقديم 5 بالمئة من دخلها كتبرّع للمجموعة.

مدارس نخبة

في مدينة ساوث بند، حيث تقيم القاضية باريت مع عائلتها، تحظى جماعة “أهل الحمد” بنفوذ واسع، رغم السرية المحيطة بأنشطتها. وقد اتسع تأثيرها بفضل مدارس “الثالوث” الخاصة التي تخرّج نخبة من الطلاب على صعيد البلاد.

أشارت صحف أمريكية إلى أنّ منهج المدارس يقوم على تربية الطلاب على التزام العذرية قبل الزواج، وعلى التريّث في تحديد ميولهم الجنسية، وعلى أنّ الزواج مؤسسة تربط بين رجل وامرأة.

المدينة ذاتها حضن لجامعة نوتردام حيث درست باريت الحقوق، وعملت كأستاذة محاضرة لسنوات طويلة. وبحسب مؤرخي التيارات المواهبية الكاثوليكية منذ الستينيات، فإنّ الجامعة المذكورة كانت معقلاً لها.

لكنّ النقطة الأبرز التي تستوقف منتقدي باريت، تتجلّى في نظام الانضواء تحت لواء جماعة “أهل الحمد”، إذ يتطلّب الأمر إعداداً دينياً يمتدّ لست سنوات، يخلص بعدها العضو إلى إعلان “عهد” أو “نذر”، يتعهّد الالتزام به مدى الحياة.

ومع افتقاد علاقة باريت وعائلتها بالجماعة إلى الشفافية، ومع الغموض المحيط بأهداف “أهل الحمد” وممارساتها، يخشى كثيرون أن يكون لعقيدة باريت المتشددّة كما يبدو، انعكاس سلبيّ على نزاهتها كقاضية.

شاهد أيضاً

توزيع جوائز الأسبوع الرابع والأخير من مسابقة “ثقافتكم”التي تنظمها الوكالة الموريتانية للأنباء

وزعت الوكالة الموريتانية للأنباء، زوال اليوم الأحد بمقرها في نواكشوط، جوائز الأسبوع الرابع والأخير من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *