
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد فضاءات افتراضية للترفيه أو تبادل الآراء، بل أصبحت اليوم منصات مؤثرة تنافس القنوات الرسمية والإعلامية التقليدية في سرعة الوصول إلى الجمهور وقدرتها على تشكيل الرأي العام.
فمن خلال “السوشيال ميديا” يُبنى الوعي ويُهدم، وتُنشر الحقائق كما تُروّج الأكاذيب، ويُصنع الأمل كما تُزرع الفتنة. إنها سلاح ذو حدين، ومجال لا يمكن تجاهل أثره المتزايد في حياة الأفراد والمجتمعات.
من هذا المنطلق، بات من الملحّ أن تفكر الدولة الموريتانية في مأسسة استخدام وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال وضع إطار قانوني ومؤسسي متكامل يضمن حرية التعبير المسؤولة، ويحمي في الوقت ذاته المقومات الوطنية وحقوق الأفراد المادية والمعنوية.
فالحرية المطلقة دون ضوابط قد تتحول إلى فوضى، والفوضى في الفضاء الرقمي لا تقل خطورة عن أي تهديد أمني أو اقتصادي.
إن تنظيم هذا المجال لا يعني التضييق على الحريات، بل هو حماية للحرية من الانفلات. لذلك، من الضروري أن تُمنح تراخيص للنشر والبث الإلكتروني للمؤسسات والأفراد الراغبين في ممارسة النشاط الإعلامي عبر هذه الوسائط، وفق معايير مهنية وأخلاقية واضحة تضمن احترام القانون والمصلحة العامة، وتشجع المحتوى الجاد والمسؤول.
كما يجب أن تتضمن القوانين المرتقبة عقوبات واضحة ورادعة لكل من يستغل هذه الوسائط في التشهير أو نشر الكراهية أو الإساءة لرموز الدولة والمجتمع، من بينها حظر النشر المؤقت أو الدائم عبر المنصات الاجتماعية في حالات المخالفات الجسيمة. فالتربية على الحرية المسؤولة لا تكتمل إلا بوجود نظام يحاسب من يتجاوز حدودها.
إن ترك هذا القطاع الحيوي دون تنظيم سيفتح الباب أمام مخاطر جسيمة، قد تمس الأمن المجتمعي، وتضر بسمعة البلاد ومؤسساتها، وتؤثر سلباً على تماسك النسيج الوطني. وقد أثبتت التجارب في دول عدة أن تجاهل ضبط الفضاء الرقمي يجعل الدولة والشعب معاً يدفعان أثماناً باهظة لاحقاً.
لقد حان الوقت لأن تتعامل موريتانيا مع “السوشيال ميديا” بمنطق الدولة الحديثة، لا بمنطق التجاهل أو رد الفعل. فمأسسة هذا المجال ليست قيداً على أحد، بل هي ضمانة للجميع، من أجل بيئة رقمية أكثر وعياً ومسؤولية، تحفظ كرامة المواطن، وتصون هيبة الدولة، وتخدم التنمية الوطنية في أفق التحول الرقمي الشامل.
نداء ختامي
إننا نهيب بالسلطات التشريعية والتنفيذية في بلادنا أن تُدرج هذا الملف ضمن أولويات الإصلاح الإعلامي والرقمي، عبر إعداد قانون عصري ينظم النشر والبث عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ويرسي أسس العدالة والشفافية والمساءلة في هذا الفضاء المفتوح.
فالتنظيم الواعي لا ينتقص من الحرية، بل يرتقي بها إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي تليق بموريتانيا المستقبل.
التوفيق سيدي بكاري
المرابع ميديا – al-maraabimedias موقع "المرابع ميديا" التابع لوكالة المرابع ميديا للإعلام والإتصال