
في قلب الصحراء الكبرى حيث تتعانق رمال التاريخ مع نسائم المحيط تنهض موريتانيا هذا الوطن العربي الأصيل بنبض جديد يسير بخطى واثقة نحو الحداثة دون أن ينفصل عن جذوره الضاربة في عمق التاريخ والهوية…..
كانت زيارتي الثالثة لهذا البلد الشقيق مختلفة مفعمة بروح الأمل ومزينة بتباشير نهضة ثقافية جديدة يقودها رجال وطنيون بوعي وإخلاص
شهدت خلال ساعتين من الحضور المكثف مؤتمرا صحفيا أقامه وزير الثقافة والفنون والعلاقات مع البرلمان السيد الحسين ولد مدو لإطلاق النسخة الأولى من معرض الكتاب الدولي بموريتانيا تحت رعاية رئيس الجمهورية السيد/ محمد ولد الشيخ الغزواني فكان اللقاء أكثر من مجرد فعالية إعلامية كان لحظة فارقة في مسيرة وطن قرر أن يفتح نوافذه للعالم ويحتفي بثقافته وفكره وانتمائه العربي
اتسمت الجلسة بقدر عال من الصدق الإعلامي وبحضور لافت من النخبة الصحفية التي طرحت أسئلتها بشغف ووعي يعكسان إدراكا عميقا لأهمية الحدث ووجدت في ردود الوزير ما يدعو للفخر إذ اتسمت بالشفافية وروح الدعابة دون أن تغيب عنها الجدية والرصانة رأينا في حديثه تجسيدا لما عليه موريتانيا اليوم دولة تعبر إلى المستقبل بخطى ثابتة دون أن تفقد دفء الذاكرة ولا روح الأصالة
لقد أدركت وأنا أتنقل بين الكلمات والمعاني التي شكلت هذا المؤتمر أن موريتانيا بتاريخها الزاخر من المدن العتيقة من شنقيط إلى ولاته ومن تيشيت إلى وادان كانت دوما منارة للعلم والعلماء ومنبعا للغة العربية والشعر حيث يعيش الشعب الموريتاني بثقافته الغنية وإرثه العريق كأحد أبرز حماة اللسان العربي وروح العروبة الأصيلة
لكن الجديد اليوم أن هذا البلد الذي طالما كان رمزا للتراث قرر أن يكون أيضا رمزا للتقدم فالتغيرات في البنية التحتية ومظاهر العمران التي تنتشر في أرجائه والمبادرات الثقافية الكبرى التي تُطلق تحت إشراف القيادة الرشيدة تؤكد جميعها أن هناك رؤية واضحة للمستقبل يقودها رئيس دولة يؤمن بأن الثقافة رافعة للتنمية وأن الحداثة لا تُبنى على أنقاض الماضي بل على أكتافه
إن معرض الكتاب الدولي بموريتانيا ليس مجرد فعالية ثقافية بل هو إعلان واضح عن انطلاقة جديدة وموقع متقدم تحجزه موريتانيا لنفسها في المشهد العربي والدولي بوصفها بلد الكلمة والحكمة والتاريخ والمستقبل
من هنا فإن الوزير الحسين ولد مدو لا يمثل فقط وزارة بل صوتا وطنيا يعبر عن حالة نهضة شاملة وعن وعي رسمي بدور الثقافة في تعزيز الانتماء وفتح الآفاق وهو بهذه الروح المتقدة التي لمسناها في كلماته لا يقدم موريتانيا للعالم فقط بل يقدمها لأمتها العربية كمصدر فخر وكنز معرفي لا يُقدر بثمن
وفي الختام تبقى موريتانيا كما كانت دائما أرض الذهب والمعرفة وملتقى الصحراء والبحر وشاهدة على أن العرب ما زالوا قادرين على النهوض حين تكون الإرادة صادقة والرؤية واضحة والقيادة حكيمة
فلنرفع القبعات احتراما لهذه الأرض وأهلها ولننصت جيدا لخطواتها القادمة فهي تسير بثقة نحو المجد.