أنهيت على عجالة قراءة خاطفة لكتاب قيم سيكون له ما بعده، لما يحتوي من الإفادة والمصارحة، وتطوير الوعي الوطني خدمة للإصلاح السياسي، وتنمية الذات، واستنهاض الهمم، وإعادة التفكير في جذور الولاء والانتماء، ليتجاوزا ثنائية المعارضة والموالاة.
“الكتاب الأول في نقد المصلحين” هو الباكورة الأولى لسلسلة إصدار الإصلاح السياسي في موريتانيا، للمؤلف والكاتب الأستاذ محمد الأمين الفاضل.
فحين يمهد الكاتب إصداره بعبارة : أيها المواطنون الصالحون: أنتم المشكلة، فنحن إذن أمام وخز كهربائي للوعي الجمعي، واختبار فردي لمفهوم المواطنة، وبشكل أدق يضع الكاتب هنا كل مواطن يطمح للإصلاح أمام مسؤولياته الوطنية التي تحتم عليه عدم الحياد في معركة الإصلاح المنشود.
كيف نطمح للإصلاح ونحن لسنا مصلحين؟
كيف نتوق للإصلاح وإرادتنا مجرد أحلام لا تصاحبها أفعال ولا تؤطرها استراتيجيات فعالة؟
كيف نتوقع إصلاحا ونحن كأفراد لم نفهم بعد أننا مطالبون بالإسهام الفردي والجماعي بكل ما يقتضيه إيماننا بهذا الوطن؟
يجب على كل مواطن إذن أن يأخذ عهدا على نفسه ببذل حياته إن تطلب الأمر من أجل انتصار موريتانيا في حربها ضد التخلف والفقر والفساد.
فمن يضمن تحقيق الإصلاح هو أنت كطالب، وكأستاذ، وكطبيب، وكمهندس، وكمواطن عادي، إخلاصك في عملك، وتميزك في عطائك هو الضامن لذلك، وما يعيق الإصلاح أيضا هو أنت،
أنت ولا أحد سواك.
فأي أمل في إصلاح التعليم ما دامت بعض نخبه تغادر الحجرات العمومية نحو الخصوصية،
وأي أمل في صحة شاملة ما دام بعض الأطباء يفضلون العمل في العيادات الخصوصية بدل المستشفيات العمومية،
والسياسي الذي يرفع بعض الشعارات التي تكذبها ممارسته هو أيضا معيق لهذا الإصلاح،
وهلم جرا، فكل مواطن، حسب موقعه إما أن يكون مساهما أو معيقا لعملية الإصلاح، شاء ذلك أم أبى.
والمفارقة الكبيرة التي أشار إليها الكاتب هي أن كل مواطن يرغب في الإصلاح، لكنها رغبة مع وقف التنفيذ، تنتظر صلاح جميع الشعب، ليكون هو آخر المساهمين في الإصلاح.
ونحن بهذا المنطق الغبي نفضل أن نظل مكتوفي الأيدي لسنوات أخرى، فثمة فرق كبير بين من يمتهن لعن الظلام وبين من يوقد شمعة ليضيء بها الطريق،
نعم ثمة فرق بين من يريد أن يلقي بكل اللعنات على الحكومة، وبين من يقدم البدائل ويتخذ المبادرات الإيجابية، بدل اليأس والإحباط أو انتهاج سياسة الصمت السلبي اتجاه القضايا الوطنية.
فالصمت يرقى لمرتبة جريمة في حق الوطن، خاصة حين يكون من طرف النخب التي ينبغي لها أن تتكلم، وتتحدث، وتوجه، وتؤطر، وتشارك، كي لا تترك المجال السياسي لدعاة الفتنة الجهوية والشرائحية الذين يقتاتون على قضايا ملغومة،
فصمت النخب هنا هو هروب وتهرب من المسؤوليات، وهذا الهروب جعل محدودي الفهم والوعي والعقل يتجاوزون كل الخطوط الحمراء في ممارستهم السياسية التي تفتقر للمعرفة والوعي والوطنية والمحاججة السليمة.
هذا الكاتب الذي ينزف قلمه فكرا وتسطر حروفه وعيا وطنيا منقطع النظير، يطل علينا بين دفتي هذا الكتاب، ليرسم لنا مساحة جديدة للإصلاح السياسي، قد لا تكون بالضرورة تلك التي تتسم بالجمود في المواقف والرؤى والمفاهيم،
بل من خلال مقاربة سياسية تقوم على “نثمن وننتقد”، ننتقد ونثمن”.
فبحسب الكاتب لم يعد الوقت مناسبا لأن يكون السياسي إما معارض بلا حدود أو موالٍ بلا حدود، ولم يعد مقبولا أن تكون المصالح الشخصية الضيقة هي الدافع والمحرك في الخيارات والتوجهات السياسية، فالمراجعات السياسية التي عاشها كاتبنا وهو الحامل في رصيده كتابة أزيد من 1500 مقال في غضون 15 عاما، مع تجارب سياسية ونضالية قادته من الاستقلالية إلى المعارضة ثم بعد الموالاة من خلال دعمه الشخصي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني..
فكل هذه التجارب كان لها الإسهام الكبير في بلورة تفكير سياسي جديد، يرى من خلاله الأستاذ محمد الأمين ولد الفاضل أن السياسي مهما بلغت معارضته لنظام الحكم عليه أن يكون مرنا وشجاعا في تثمين الإصلاحات، وفي نفس الوقت مهما بلغ السياسي من الولاء للنظام عليه أن يكون ناصحا وأمينا وشجاعا في نقده لما يرى من اختلالات في الأداء الحكومي، حينها ستكون هناك قواعد جديدة للإصلاح السياسي، أساسها المصلحة العليا للوطن والمواطنين.
خاتمة هذا الكتاب كان حديث الكاتب عن مبادرة سياسية غير تقليدية كان قد أطلقها إبان الحملة الانتخابية الماضية، بعضوية العديد من المهتمين بالشأن العام، وأنا فخورة بكوني من ذلك الجمع الكريم.
فمن خلال رسالة بعث بها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الشعب الموريتاني، تلك الرسالة التي تضمن الكثير من الالتزامات الهامة، من أبرزها تخصيص مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب.
ثم التعهد التاريخي بالضرب بيد من حديد على كافة أشكال ممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام
كما جاء تعهده قاطعا وصريحا بإصلاح الإدارة وعصرنتها واعتماد الكفاءة في الترقية والتعيين والشفافية في المسابقات.
فمن خلال هذه الرسالة، انبثقت فكرة المبادرة غير التقليدية، لاستقطاب الداعمين للرئيس، المتشبثين بتعهداته، من أجل مواصلة المسار ومواكبة السنوات الخمس القادمة، لتسويق الإنجازات بشكل احترافي، ورصد مواطن النقص والخلل من أجل التغلب عليها،
وتأسيسا على تلك الأهداف، تم إطلاق منتدى 24-29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.
ختاما ليبارك الله هذا الكتاب، وليبارك جهود الكاتب التي تنوعت وسائلها ومظاهر عطائها وكان لها الأثر البالغ في العمل والتفكير في مجاباة النضال والسياسة من منظور إصلاحي.