Zwei Fotos im Frame
Foto 1 Foto 2

التراد بن سيدي يكتب : هل من سبيل للخروج من مأزق الفساد؟!

لقد ساد الفساد في بلدنا وسيطر وترسخ ونشأت لدينا أجيال فاسدة تربت على يد أجيال سبقتها في الفساد وسلمت الأخيرة الراية لجيل يمكن نعته بأنه بلغ منتهى  الفساد؛ لقد تجذر الفساد في الجيل الحالي بشكل غير مسبوق، و قد عم واستقر واستولى على عقول وإحاسيس ومشاعر أكثرية القوة النشطة في  الأعمال المهنية والتجارية و في الإدارة وجميع قطاعات النشاط ، فصار الفساد لهم دينا مقدسا متبعا لايمكن التخلي عنه  وصار خلقا وجبلة للكثيرين من مواطني  هذه البلاد، يعرفون و يميزون به في الخارج كما عرفوا وتميزوا بصنوفه في الداخل ؛  لانعلم ولا نعمل ولا نتصرف بعمل قويم خالي من الفساد وحيله وحبائله ؛ لقد تملكنا وسيطر علينا سلوك فساد معطل، مدمر، مثبط، يضعنا في وضع لا سبيل للخروج منه إلا بمعجزة وأين يمكن الحصول على المعجزات؟!
إن السلطة الوطنية العليا هي المثال والقدوة للناس يتبعونها ويقلدونها ( وقديما قيل الرعية على دين ملكها)ففي السلطة يكون الرئيس والوزراء ويتبعهم في التسلسل الأمناء العامون والمدراء والولاة والحكام ؛
فإذا كان سلوك القادة اثبت أنه يسلك طريقا ومسطرة ثابتة لا تتغير  ،فكل واحد منهم ترقى للوظيفة بنى في وقت قياسي قصير دارا أو دورا وجمع في نفس الفترة ثروة كبيرة أو متوسطة وثبت أن كل هذه الأموال التي تنبت كالفطر وتظهر من لا شيء  لدى الموظفين بعد قليل من ترقيتهم الشيء الذي  لايخفى على أحد مهما كانت غباوته او غفلته أن هذا المال يأتي من الاختلاس الصريح او التحايل الماكر  بجميع صنوفه وأشكاله مع اختلاف وتنوع في الأساليب والصيغ من شخص لآخر، إذا كان الأمر كذلك فإن مسؤولينا من الوزراء والامناء العامون والمدراء والولات والحكام ليسو إلا عصابات باطشة كل همها التلاعب بمقدرات شعب فقير ضعيف لا ذنب له إلا أنه ضحية لهم في أسوء مرحلة من تاريخه
لقد تفنن البعض في اساليب الجمع واساليب النهب والسلب لما طالته أيديهم وما أمكنهم الاحتيال عليه وتجاوزوا وزاراتهم إلى المؤسسات المستقلة التي تتبع الوزارات  فأخذو منها وتدخلوا في أمورها واشتركوا مع الإدارة المباشرة لها  دون وجه حق وقد تسبب بعضهم بإفلاس هذه المؤسسات وفشلها !
إن جميع من ترقى في الوظائف لايمكنهم تبرير مابنوا وماجمعوا .
واغرب ما يواجه الباحث عند النظر  لهذه الموضوعات  هو اشتراك  الأكثرية في اساليب الفساد فهذه السلوكيات الشائنة ليست خاصة بتوجهات سياسية إنها للجميع – بكل اسف-  بغض النظر عن اتصافهم  بالوطنية وثقافتهم  وتوجهاتهم السياسية تقدمية وتحررية وقومية ‘
لقد كانت في السبعينات من القرن الماضي القوة السياسية التي سادت في الشارع الوطني تدعوا وتطمح للحرية والنهوض وتتبنى المساواة والعدالة وقضايا الشعب الذي على رأس أولوياته العدالة في توزيع الثروة والمساواة في الفرص وأشياء أخرى جميلة كثيرة ومتشعبة، هذه الحركات والقوة التقدمية والقومية شهدت ردة كبرى عندما  انخرطت مذ بداية الثمانينات في تيار المجتمع المتجه نحو الفساد ؛ وصار أشخاص  هذه التيارات في نظام ولد هيدالة ومعاوية  وما بعدهما أكثر لصوصية وانتهازية وانخراطا في تيار الفساد الغالب والطاغي!
ومثلما هو الحال لدى  المنتمين للاتجاهات السياسية فإن  الموظفين من أصغرهم إلى الوزير يبحثون جميعهم عن فرصة تسنح لهم ومتحفزون لسرقة المال العام والاستفادة غير النزيهة مما أمكنهم ؛
فإذا كان للوزير فرصة كبيرة ليست لأحد سواه  فأن الأمناء العامون يجمعون  بكلتا يديهم وبسرعة من يخاف الموت قبل إكمال المهمة والدخول في نادي الاغنياء ! وإن المديرين لايقلون نهما وسرعة جمع ونهب حسب مستواهم والإمكانيات التي في متناولهم ؛ وإن صحاب المؤسسات الكبيرة تجاوزوا في جمعهم وسلبهم ونهبهم الكثير من الوزاراء المعروفون بالضراوة!
ولأن عقلية الفساد ضاربة بأطنابها في عمق المجتمع ‘فإن الموظفين الصغار والمتوسطين لايقفون خارج مجال النهب إلا بسبب عدم وجود الفرص فعند أول فرصة تتاح لهم تراهم بالغي النهم والشراسة ؛ فالمعلمون  ضئيلوا  الدخول تراهم يستولون بسرعة وببساطة على مخصصات التغذية المدرسية  ! وترى الإدرات الثانوية والجهوية للتعليم الأساسي يتحايلون على المبالغ البسيطة المخصصة للتسيير والقرطاسية ، لانهم لايجدون غير ذلك ،وهكذا فصغار الموظفين والسائقين ،كلهم يبحثون  عن فرصة لا أحد يجتنب شيئا ولا أحد يؤمن بصدق ونزاهة وأمانة !
هذا السلوك الذي نراه في الوظيفة والإدارة يوجد في المجتمع كله، فهؤلاء التجار الذين تنحدر غالبيتهم من الطبقات التقليدية ذات الثقافة الدينية الغالبة فتراهم لايهابون شيئا يمكن به جمع المال فهم الذين ملؤوا الأسوق بأوساخ المصنوعات التي كانوا هم السبب في تزويرها والحد من جودتها عند توريدها من الصين والهند وتركيا وغيرهم ، لقد تسبب تجارونا بتغيير جودة المواد التي يستوردونها طبقا لطلباتهم ‘فقلت الجودة في كل البضائع من آلات وملبوسات وأغذية وهم الذين تسببوا في ملئ السوق بالأدوية المزورة وتراهم لايفوتون صلاة جماعة واحدة ويعتمرون كل سنة وأكثريتهم لديهم إقامات في السعودية ‘وهم مع كل مظاهرهم الدينية يبيعون المواد المزورة والمواد منتهية الصلاحية والأدوية المزورة ‘ولايطرف لهم جفن ولايجف لهم ريق ولايتمعر لهم وجه وهم يواصلون العبث بصحة إخوتهم ومالهم وراحتهم؛ وتراهم يدافعون عن تخريبهم وعبثهم برشاوي يقدمونها لمن يستطيعون  اعتراض بضائعهم الفاسدة وسمومهم المغلفة وهم مسلمون يتمتعون بارباح ومزايا بضائعهم المغشوشة !!!
إن حالنا يوضح أننا مجتمع استولى عليه الفساد بحيث لم يبقى له منفذ ومخرج يشكل طريق السلامة من الفساد فلسنا نطمع أو نطمح في ان ينهي الفساد المفسدون ولسنا نرى ممن مارس العمل في الإدارة وممن ادعى الطموح لممارسة السياسة إلا من لا نرضى عن سلوكه وما يتضح من أموره ؛ فإذا كان رئيس البلد يرى الفساد عدوا ومحاربته واجبة فكيف يمكنه التعامل مع جيوش الفاسدين الذين يملكون القدرة المالية وتعاطف الشعب الذي جعل الفساد له دينا وخلقا وجبلة ؟!
فكيف يبدؤ الرئيس عملا يبحث فيه أولا عمن لايزال يرى الصدق والأمانة مقومان للإنسان السوي القادر على نبذ الغش والسرقة والغلول  والكذب والتزوير ‘هذا الإنسان هو الذي باستطاعته حمل الامانة التي يكون من حملها السمو النفسي والخلقي والترقي نحو قيم الصبر والعفاف و النبل ومكارم الأخلاق فكيف يكون ذلك ؟! لعل وعسى فلا يقنط من روح ربه إلا الضالون!!!
التراد بن سيدي