للاحتفاظ ب ” أم العيال” وللالتفاف على شرط ” لا سابقة ولا لاحقة ” ..
” السرية ” .. الزواج المخفي في المجتمع الموريتاني
المرابع أعدت تحقيقا متكاملا حول نمط من الحياة الزوجية مسكوت عنه
في المجتمع الموريتاني
تنتشر ظاهرة ما يسمى ” السرية ” أو الزواج الغير معلن بشكل لافت في المجتمع الموريتاني.
ويدل مصطلح ” السرية”، على نمط من الزواج يتفق الطرفان مسبقا على عدم إعلانه وتشهيره وعلى خلوه من الترتيبات المعهودة في الزواج.
الطفرة التي شهدها هذا النمط من الزواج في المجتمع الموريتاني في العقود الأخيرة ، يرى المتابعون الاجتماعيون أنه غير مسبوقة وأنها وليد جملة من العوامل والتحولات الاجتماعية.
ف” السرية” تتيح للرجل ” التعدد” الزوجي المباح شرعا والممنوع عرفا، كما تمكن ” الأب” من الاحتفاظ ب” أم العيال” التي أصبح ارتباطه بها أزليا نظرا لوجود الأطفال، أو بسبب عوامل أخرى مادية أو اجتماعية..
فجملة “لا سابقة ولا لاحقة ” التي يتم تضمينها في صيغة عقد الزواج ، تجعل الرجل يبحث عن ” ضالته ” سرا خوفا من تفكك الأسرة، خاصة الرجال ميسوري الحال.
كما أن النساء المترملات أو المطلقات من من ودعن سن الإنجاب يجدن في ” السرية” ، خاصة مع الشباب، مبتغاهن من عفة ومعية زوج وعائد مادي..
صحيفة المرابع أعدت في هذا العدد تحقيقا متكاملا حول نمط من الحياة الزوجية أصبح سائدا في المجتمع الموريتاني هو “السرية”.
ويأتي هذا الملف ضمن الملفات التي تنجزها صحيفة ” المرابع ” في كل عدد عن موضوع وطني هام.
“السرية”
السرية أو الزواج السري نمط من الزواج يتم عادة وفق ضوابط معتبرة ونظرا لأنه بعيد عن الإشهار والإعلان ، فإنه يبقى طي الكتمان وعلى مستوى الزوجين وذي الزوجة الأقربين.
يختار له الزوج من يثق في كتمانه كما تختار الزوجة أهل ثقتها لحضوره وشهوده.
عدم الإعلان جعل هذا النمط من ” الزواج ” لا يتطلب تكاليف مادية ولا إنفاق في المناسبة كما يحط عن المرأة مسألة التعامل من الأصهار والتي تعبر مكلفة في المجتمع الموريتاني.
“أم العيال”
يلجأ الرجال خاصة ميسوري الحال إلى ” السرية” بسبب استحالة التعدد بسبب الشروط التي تضعها المرأة عند الزواج .
ونظرا لأن الرجل واقع بين أمرين، إما طلاق الزوجة واستبدالها مع ما يترتب عليه من ضياع الأبناء أو الزواج عليها سرا أو البحث عن ” شريكة ” تقبل بشروطه هو وتتنازل هي عن الشروط المعهودة لدى النساء.
غالبا يفضل كثيرون الحل الأخير ويحتفظون ب”أم العيال”، حفاظاً على مصلحة الأبناء أو نتيجة لعوامل اجتماعية أو اقتصادية.
تحتفظ أم العيال بمكانتها كأم للأطفال وربة للبيت وكونها الزوجة الوحيدة المعترف بها في الوسط العائلي والاجتماعي .
كما يجعل الطرفين يتحللان من مسؤولية البيت المفتوح وما يترتب عليه من التزامات.
لا سابقة ولا لاحقة
يلجأ العديد من الرجال إلى الزواج السري فهو من جهة يتيح للرجل التعدد ومن جهة أخرى يحافظ على السيدة التي قد تكون أصبح الارتباط بها أزليا نظرا لوجود الأطفال أو عوامل مادية أخرى.
صيغة العقد التي مازالت منتشرة وهي التي تتضمن “لا سابقة ولا لاحقة وإلا فأمرها بيدها أو بيد وليها ” أي لا زوجة سابقة في ذمة العريس ولا يسمح له بالزواج من أخرى وإلا أصبحت العروس حرة إن شاءت الطلاق عملا بما يعرف محليا ب” أخذت شرطها” أو إن شاءت بقيت مع زواجها.
كما أن أغلب الموريتانيات يرفضن الضرة يجعل الرجال خاصة الأغنياء يفضلن الزواج السري .
وأحيانا تتغاضى الزوجة عن زواج الرجل رغم ارتيابها في تصرفاته أو حتى علمها بزواجه نظرا لما يوفره لها من ظروف مادية.
اختلاف
يختلف الوضع من الزوجة الجديدة إلى القديمة، فبالنسبة للأولى فهي على دراية بأن ” العريس” رب أسرة وأن زواجه تحت طي الكتمان ولا يترتب عليه بيت مفتوح ولا صلات ب ” الأصهار”.
أما بالنسبة للزوجة القديمة فهي تتعرض ” لخيانة ” من طرف شريك حياتها، وعادة ما تكون لها ردة فعل قوية تنتهي بالطلاق فور حصولها على المعلومات أو على الأقل العودة إلى الحياة الزوجية بثمن باهظ على الزوج بموجبه يقدم تعويضا ماديا كبيرا حسب وضعه المادي، فضلا عن المزيد من مراقبته وتقييد حريته.
أوساط
ينتشر هذا النمط غالبا في فئات وأوساط معينة.
فبالنسبة للنساء عادة ما يمارسه السيدات اللواتي أو شارفن أو أنهين سن الإنجاب رغم أنه أصبح شائعا لدى البعض ممن لم يبلغن سن اليأس.
فهناك الفتيات اليافعات اللواتي يقمن بالزواج السري لأسباب متعددة.
من أهمها الفقر والتأخر في الزواج وارتفاع نسب الطلاق،
فالمطلقة التي هجرها زوجها السابق وتخلى عن إعالة أبناءه منها تجد فيه حلاً ولو من تحت الطاولة لبعض مشاكل التربية الكثيرة .
كما أن الفتاة التي فاتها قطار الزواج تُقبل عليه مضطرة بسبب العنوسة.
كما تنتشر ” السرية ” في الأرياف وأحياء مدنها الفقيرة لاسيما في أوساط الميسورين الذين يرتبطون بفتيات فقيرات متخلفات علميا وحضريا.
الآثار السيئة المترتبة على الزواج السري
كثيرا ما يترتب على الزواج السري بعض المشاكل خاصة عند الإنجاب أو وفاة أحد الطرفين بصورة مفاجئة.
و تكون المشاكل أكثر بالنسبة للمرأة التي قد تروح ضحية عدم توثيق عقود الزواج لدى الحالة المدنية مما يجعل الطفل محروما من أوراقه الثبوتية، كما تطرح مشكلة الميراث وإلحاق النسب أحد المشاكل الكبرى في هذا النوع من الزواج.
كما يشترط كثير منهم على الزوجة السرية عدم الإنجاب.
كما أن هذا النوع من الزواج لا يحقق مقاصده الاجتماعية والإنسانية من تحقيق الآلفة بين الزوجين.
ومع أن هيئات المجتمع المدني تنحاز عادة إلى المرأة ولا تبخل في مؤازرتها، إلا أن تلك المؤازرة لا تعوض الأضرار المعنوية الكبيرة التي تلحق بها.
مميزات
ومن أهم مميزات الزواج السري التفاوت في العمر غالبا ، فقد تكون “الزوجة” مسنة تتزوج من شاب صغير لأجل الإحصان والعفة والمعية ، كما قد تكون الزوجة في مقتبل العمر والزوج يكبرها كثيرا.
هذا النمط من الزواج تتشابه بدايته مع نهايته.
نظرا لأن عقد ” الزواج” يتم ببساطة وفي تكتم ، فإن الطلاق يتم بكلمة بسيطة يترتب عليها فراق نهائي.
المنع
تعارض كثير من هيئات المجتمع المدني الموريتاني زواج السر، باعتباره ناقصاً ولا يضمن الحقوق الكاملة والمكانة المعنوية المطلوبة للمرأة.
مسكوت عنه
وصادق البرلمان الموريتاني عام 2001 على مدونة الأحوال الشخصية، التي تضمنت حقوقاً واشتراطات للمرأة. وفي حين لم تلزم الرجل بدفع المؤخر، إلا أنها اعتبرت حضور الولي وتوثيق الزواج شرطين لصحته. وهذا ما لا يتحقق في زواج السر، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة، القادرة على فسخ هذا النوع من الزواج، تعتبره من ضمن المجالات المسكوت عنها، ما لم يتقدم طرف بشكوى ضد آخر.