أوباما يتحدث عن رحلاته في الشباب وعلاقته بأبيه واتصاله بعائلته في كينيا
2 مايو, 2019
الثقافة والفنون
على هامش القمة العالمية للمجلس الدولي للسياحة والسفر التي أقيمت في أشبيلية بإسبانيا، أجرت إحدى الصحف حوارا مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتحدث عن أسفاره وعلاقته بابيه واتصاله بعائلته في كينيا ثم رحلاته بعد الرئاسة
ما هي أكثر الرحلات رسوخا في ذاكرتك، ولماذا؟
أعتقد أن الرحلات التي اصطحبت فيها ابنتيَّ هي الأكثر رسوخا في ذاكرتي. لا شك أن زيارة مكان جديد والتعرف على ثقافة مختلفة وأفكار جديدة من الأمور التي قد تبهرك وتنمي عقلك، لكن السفر مع أطفالك، عندما ترى نظرات حب الاستكشاف في أعينهم، أروع من أي شيء آخر.
ولهذا أرى أن الرحلات الأقرب إلى قلبي كانت مع ابنتيّ، وكان بعضها أكثر تميزا، مثل رحلتنا إلى الكرملين، عندما كنت رئيسا وكانت ساشا حينها في السابعة من عمرها، وكانت ترتدي معطفا طويلا، جعلها تبدو كالجواسيس. ومن روسيا سافرنا إلى إيطاليا، حيث كنت أحضر قمة العشرين، وزارا روما والفاتيكان والتقيا البابا. وبعدها سافرنا إلى غانا.
ولن أنسى أبدا متعة مشاهدة الفتاتين تقومان برحلة حول العالم وهما في السابعة والعاشرة من عمرهما للمرة الأولى في حياتهما. لكن متعة السفر مع ابنتيّ الآن تضاعفت بعد أن بلغت الكبرى عشرين عاما وغادرت المنزل، فقد أغريهما برحلة ممتعة لقضاء وقت أطول معنا، لأنهما لا تقدران على تحمل تكلفتها.
لكن تجربة السفر في مرحلة الشباب كانت مميزة أيضا، فإن والدي كما يعلم البعض ينحدر من كينيا، لكنني لم أعرفه معرفة وثيقة، إذ لم ألتقيه إلا مرة واحدة، فقد نشأت في الولايات المتحدة. وعندما زرت كينيا للمرة الأولى كنت في منتصف العشرينيات من عمري، وحينها كنت قد تخرجت في الجامعة وعملت وكان والدي قد وافته المنية.
وقد دفعتني الرغبة في التعرف على والدي وموطنه إلى زيارة كينيا لمدة شهر، لكنني مررت أولا بأوروبا. وانطبعت هذه الرحلة في ذاكرتي لأنها كانت بمثابة رحلة لاستكشاف الذات. إذ سافرت بمفردي واستأجرت غرفة، وكنت أشتري رغيفا من الخبز وبعض الجبن يوميا وأحيانا بعض النبيذ.
وأتذكر أنني عندما استقليت الحافلة الليلية من مدريد إلى برشلونة، صادقت مسافرا كان يجلس إلى جواري لا يتحدث الإنجليزية، لكننا استطعنا أن نتواصل معا إلى حد ما، رغم أن لغتي الإسبانية كانت ضعيفة. وقاسمته بعض الخبز وهو قاسمني بعض النبيذ. ووصلنا إلى برشلونة عند بزوغ الفجر. هذا النوع من الرحلات هو جزء منك في مرحلة الشباب وأنت تحاول وضع أهدافك في الحياة.
وفي كينيا قمت برحلات في الأدغال، والتقيت بأفراد عائلتي للمرة الأولى وهذا أمر مميز أيضا.
في ظل هذا التدفق الهائل للمعلومات والأخبار التي نطالعها على مدار الساعة، هل لديك نصائح حول كيفية التمييز بين الغث والسمين من المعلومات؟
إن التغييرات المتلاحقة التي تحدث الآن في غضون عقد واحد، كانت في العصور السابقة تستغرق أعمار أجيال متعاقبة. فقد ساهم عصر المعلومات والعولمة والتطورات التكنولوجية في ربط العالم ببعضه بطرق جديدة لم يعرفها جيلي في مرحلة الصبا.
فقد أصبح بإمكاني الآن مثلا السفر من واشنطن إلى إسبانيا في بضع ساعات، وبمجرد وصولي أتاح لي هذا الجهاز الصغير (الهاتف المحمول) التواصل مع جميع الناس والاستفسار عن أي شيء في أي مكان في العالم. لقد انفتحت أمامنا أفاق جديدة، لكنها في الوقت نفسه خلقت تحديات غير مسبوقة.
إذ فتح التطور التكنولوجي والعولمة وهذا الكم الهائل من المعلومات الباب لظهور مشكلات وأضرار جديدة أصبح معها الناس يشعرون بالقلق والتهديد والارتياب من العالم من حولهم.
فعلى الصعيد الاقتصادي، ستلاحظ في الاقتصادات المتقدمة، وأيضا البلدان متوسطة الدخل، أن الكثيرين الذين كانوا بالأمس ميسورين ولديهم وظائف ثابتة ويحصلون على معاشات وإعانات، أصبحوا الآن يكدحون ليلا ونهارا ليتمكنوا من تلبية احتياجاتهم الأساسية وحتى لا يضطرون للاستدانة.
وكان لبعض التغيرات أسباب تتعلق بالهوية والانتماء الثقافي، كما هو الحال في التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو في تحول المشهد السياسي في الولايات المتحدة، أو الصعود السريع للتيارات الشعبوية في أوروبا، وكل هذا لم يكن تداعيات للتغيرات الاقتصادية فحسب، بل أيضا رد فعل لغضب شعبي دفع المواطنين للشعور بأن مكانتهم تضاءلت. فباتوا يرغبون في وضع قوانين حقيقية أو مجازية تمكنهم من الحفاظ على ما يظنون أنهم يتمتعون به.
مصدر الصورة Handout/Getty Images Image caption الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا يرافق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في زيارة لمتحف رينا صوفيا
وطفت على السطح في الآونة الأخيرة نزعات التعصب والحميّة وكراهية الأجانب والعداء للمهاجرين، وكلها مؤشرات خطيرة. لا أنكر أنني لدي بعض التحيزات، لأنني أؤمن، بحكم تنشئتي وهويتي، بأهمية التآلف والتعايش المشترك بين الناس وأعارض غرس بذور الفرقة والشقاق.
وأرى أيضا أننا إذا أصررنا على وضع قيود مشددة وصارمة على الحدود بين البلدان، في وقت لا تعرف فيه المعلومات والتكنولوجيا حدودا، لن تبوء محاولاتنا بالفشل فحسب، بل سنشهد أيضا المزيد من الصراعات والصدامات بين الناس. وهذه الموجة من التعصب القومي والعداء للمهاجرين لا تقتصر على بلد واحد، بل غدت ظاهرة عالمية.
ولعل السفر يساعد في تذكيرنا بأهمية الثراء الثقافي على ظهر هذا الكوكب والاختلافات التي تميز كل شعب عن الآخر، كما ينبهنا إلى أوجه التشابه بيننا وبين الشعوب الأخرى. وقد تساعدنا مراقبة سلوكيات غيرنا على فهم ذواتنا، فقد تلاحظ أن الأم التي تلهو مع طفلها في إحدى قرى كينيا لا تختلف عن الأمهات مع أطفالهن في فيرجينيا أو في هاواي.
لكن بخلاف انعدام الاستقرار السياسي الذي نشهده الآن، أخشى أيضا من اختلال التوازن البيئي. إذ لم يعد الآن التغير المناخي بمنأى عنا، فقد رأينا تداعياته بالفعل، وباتت بسببه بعض أروع المناطق على ظهر الكوكب، التي نتطلع لزيارتها والاستمتاع بها مع أبنائنا وأحفادنا، مهددة بالغرق. وإذا لم نغير نهجنا في التعامل مع القضايا البيئية، قد تغير أنماط الطقس المتطرفة ملامح بعض المناطق ويصبح العيش فيها مستحيلا.
وهذه هي نقطة الالتقاء بين القضيتين اللتين ذكرتهما للتو، فإن التغير المناخي سيؤثر على أنماط الهجرة واللجوء وموجات الجفاف والمجاعات، وكل هذا سيزيد معدلات نزوح الأسر التي تفر من الموت. ولن تتمكن من منع هذه الأسر من دخول بلادك بجدار، أو ربما تمنعها لفترة قصيرة.
ولهذا لابد أن نقلق من التغير المناخي، حتى لو كنا نعيش في بلد غني بمأمن من تداعياته، فهناك مئات الملايين أو المليارات من البشر سينهارون تحت وطأته. وهذا من شأنه أن يحدث تحولات جذرية في الاقتصاد العالمي.
ربما لا يزال بإمكاننا أن نغير هذا الوضع، لكن المشكلة أن الأنظمة السياسية الحالية غير مؤهلة للتعامل مع هذه القضايا بالسرعة المطلوبة.
مصدر الصورة Marcelo del Pozo/Getty Images Image caption حضر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما القمة الدولية التي ينظمها المجلس الدولي للسياحة والسفر في إشبيلية بإسبانيا
من أين نبدأ الإصلاح، إذا كان من المستحيل الآن الوقوف في وجه العولمة؟ وما هي التحديات التي ستواجهنا مستقبلا؟
إن الأمل الآن معلق على الجيل القادم، فهذا الجيل أكثر حنكة ودراية بالحياة، وأكثر إلماما بالثقافات الأخرى وتقبلا وتقديرا لها مقارنة بالجيل الذي يسبقه.
وقد لاحظت أن ابنتيّ ماليا وساشا لا تخشيان الاختلافات ولا التغيير ولا تهابان الأمور غير المألوفة وغير المعتادة، بحكم استكشافهما للعالم عبر الهاتف المحمول. وهذا هو العالم الذي نشأتا فيه.
ولهذا، فإن السياسات الرجعية التي تقوم على بناء الجدران، لن تروق للشباب على الأقل في الولايات المتحدة وربما في غيرها، على حد علمي. فهؤلاء الشباب يرفضون هذا النوع من السياسات جملة وتفصيلا.
وترتبط الأفكار والميول التقدمية الداعمة للانفتاح على الثقافات الأخرى واحتواء الأعراق وذوي الميول الجنسية المختلفة، ارتباطا وثيقا في الولايات المتحدة بالسن. وبينما ساعد الجيل الذي أنتمي إليه في ترسيخ الإيمان بالحقوق المدنية وحقوق المرأة وغيرها من القيم المماثلة في الولايات المتحدة ، فإن جيل الشباب القادم أكثر تمسكا بهذه القيم. لأنه تربى عليها ويعتقد أنها الأمر الواقع.
غير أن المشكلة الآن تكمن في أن الجيل الأكبر سنا لا يريد التنازل عن السلطة للأجيال الشابة، وهذه المؤسسات القديمة غير مهيأة لمواكبة تطلعات الشباب للتعامل مع قضايا مثل تغير المناخ وتقبل الآخر رغم اختلاف لونه أو انتماءاته الدينية. فضلا عن أن كبار السن أكثر إقبالا على التصويت في الانتخابات من الشباب، وربما يكمن الحل في تشجيع الشباب على الانخراط في السياسة والمشاركة في بناء مؤسسات على أسس جديدة تلبي احتياجاتهم وتستجيب لمخاوفهم.
وثمة أمر أخير يقلقني، وهو أن التعامل الإعلامي مع القضايا الراهنة يعرقل محاولات إقامة أنظمة ديمقراطية ناجحة.
وعندما كنت شابا، لم يكن لدينا سوى ثلاث قنوات تليفزيونية، تردد نفس الآراء والأخبار. وكانت الصحف الرسمية الكبرى تلتزم بمعايير صحفية وتحريرية محددة. ومهما اختلفت اتجاهاتك السياسية، سواء كنت محافظا أو ليبراليا، ستحصل على نفس الحقائق والمعلومات. ولهذا كان الناس يختلفون على طريقة معالجة القضايا والسياسات، لكن أحدا لم يجادل في صحة المعلومات والأخبار.
أما الآن، أصبح الإعلام منقسما، ويوفر الإنترنت المعلومات التي تغذي الانحيازات المسبقة، فإذا تحدثت إلى شخص يتابع قناة “فوكس” الإخبارية أو يقرأ جريدة “نيويورك تايمز” ستجد أن رؤيته للعالم مختلفة تماما عن رؤيتك، وهذا يعيق محاولات التوافق على نقاط مشتركة لحل المشكلات الكبرى.
وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تحصل منها إلا على المعلومات التي تتفق مع قناعاتك، دورا كبيرا في تأييد تحيزاتك المسبقة وتضييق رؤيتك للعالم، وقد يترتب على ذلك عواقب وخيمة. إذ استُخدم موقع “فيسبوك” في ميانمار على سبيل المثال، كوسيلة لتنظيم التطهير العرقي ضد الروهينغا، لأنه ساهم في تذكية جذوة الكراهية ضد فئة بعينها، ولم يستمع رواد الموقع في ميانمار إلى صوت عاقل يقول لهم إن هؤلاء الناس لا يمثلون أي تهديد لكم.
أعتقد أنه لا يتعين علينا في المرحلة المقبلة أن نشجع الصفوة من الأثرياء فقط على السفر والانفتاح على العالم، بل يتعين علينا أن نتيح أيضا الفرص لعامة الناس للتعرف على ثقافات مختلفة والإنصات إلى أشخاص لا يتفقون معهم في جميع الآراء ولا يتبنون نفس وجهات النظر السياسية.
B B C