غريب جدا أمر الموريتانيين مع الزيارات الداخلية للرؤساء منذ عقود طويلة فكلما أعلن عن زيارة متوقعة لصاحب الفخامة لإحدى مدن الوطن أذن في الساسة وكبار الشخصيات والوجهاء والأعيان وحتي عامة القوم أن حيا علي حج بقاع الزيارة تأدية لواحد من أهم أركان السياسة الموريتانية بكل مناسكه.
قبل تأكيد موعد الزيارة وإطارها الزمني والجغرافي تعلن حالة التأهب القصوى لرحلة الحج تلك حتى بالنسبة لغير أبناء المدينة كل يسابق الوقت لحجز موقع استراتجي بين صفوف كبارا لمستقبلين الذين سيحظون بمصافحة الرئيس ومن ثم مكان ولو مؤقت في قلوب السكان لكسب ثقل شعبي يمنحه وزنا سياسيا معتبرا .
في عهد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع كان المواطن البسيط والوجيه التقليدي يستبشر خيرا بمثل هذه الزيارات علي الأقل لحصوله علي مبالغ نقدية توزع عادة قبل موعد الزيارة كتحفيز معنوي ومادي ينسيه ولو لأيام الزيارة مشاغله ويمنه شحنات معنوية علي الاستقبال بحماس زائد.
اليوم تغير كل شيء ولم يعد المواطن يجني الكثير من تلك الزيارات اللهم التعب والوعود بتحويل مدينته أو قريته إلي جنات عدن دانية القطوف فلا هو استفاد ماديا كما كان في عهود سابقة ولا هو أيضا منح الفرصة للتحدث عن مشاكله ومشاغله ففيالق المستقبلين من ساسة واطر وشخصيات نافذة تزاحمه بقوة في طرح انشغالاته نيابة عنه دون تفويض منه، وترسم صورة وردية عن واقعه لحظات الاستقبالات و في الاجتماعات الخاصة التي من المفترض ان يكون هو بنفسه من يحضرها.
وحتى سكان العاصمة لا يسلمون من لعنة الزيارة علي غرار السكان المحليين في المدن المزارة فالمصالح الإدارية تدخل في راحة مفتوحة الي حين عودة الرئيس والنشاطات الحكومية تكاد تتوقف تماما كما المساطر البرامجية في القنوات الاعلامية الحكومية لمنح كل مساحات بثها لتفاصيل الزيارة …العاصمة اذن تبدو وكانها خاوية علي عروشها. تنساب حركة المرور.. يخف الضغط.. يخلد الساسة المعارضون للراحة واسترجاع الانفاس تاهبا للحوار المتوقع مع الحكومة.. اما عمال اسنيم المضربون فستكون هذه العطلة طويلة في انتظار رد من السلطات بشان حوار معها حول عريضتها المطلبية.
هي إذن الزيارات منذ عهد الرئيس ولد الطايع لم تتغير في شكلها العام اومضامينها …بصخبها المعهود و طقوسها المتوارثة.. ترهق كاهل المواطن الذي يعيش منذ اسابيع وربما شهور احيانا تحت رحمة التحضيرات واكرام الوفود من جيبه دون استفادة ولو بسيطة.. فالي متي ستظل الزيارات الي الداخل عبئا علي المواطن البسيط وفرصة لكبار الشخصيات النافذة والساسة لتلميع صورتهم في وجه الرئيس علي حساب المواطن؟ والي متي ستظل المشاريع التنموية التي تدشن علي عامش الزيارة ذات نفع عاجل علي المواطنين المحليي؟
المرابع ميديا
المرابع ميديا – al-maraabimedias موقع "المرابع ميديا" التابع لوكالة المرابع ميديا للإعلام والإتصال
