صبٌوالله.. قطب التمنية المَهمُول والإنسان المُغَيب عن الحضارة/ بقلم: الحسين محمد جنجين
28 يوليو, 2014
آراء وتحاليل
تقع أطلال قرية صبوالله الكبيرة على بعد ثلاث ثلاثين كلم من مدينة بوكي وواحد وعشرون كلم من مقاطعة بابابي، وهذه الأخيرة هي التي تتبع لها المقاطعة إداريا في حين تتبع محليا لبلدية هاير أمبار بولاية لبراكنة.
يذكر أن الأصل في تسمتها يعود إلى وجود مجرى مائي متدفق من تحت واحة كبيرة للنخيل وموقع الحراثة بالقرية في صورة وردية جميلة تعكس مناظر الطبيعة الخلابة والجمال الساحق بالمنطقة ككل، فَسَماها السكان الأصليون “صبٌوالله” وهي نفس التسمية التي يُطلقها عليها بعض السكان الزنوج من البولار الذين تعايشوا مع سكان المنطقة حيث أطلقوا عليها بلغتهم Sabou Allah ، وهي بمعني “هبة من الله” في إشارة إلى ذلك المجرى المائي المتدفق.
فكانت تلك الأرض بالفعل منحة من الله عز وجل لمستضعفين من عباده اختاروا بتعايشهم السلمي وانسجامهم الاجتماعي أن يعانقوا جمال الطبيعة وسحرها، ليس هذا فحسب ما تزخر به تلك القرية من مُقدرات وخيرات، بل بالإضافة إلى وجود واحة النخيل الكبرى الوحيدة من نوعها بولاية لبراكنة التي تشهد سنويا مَوْسِماً للكيطنة، يتوافد عليه الزائرون من كل صوب وحدب.. حتى رجال السلطة والأمن مُرحبٌ بهم هناك في موسم الخريف والكيطنة؛ وبعيدا عن أجواء المدينة وصخبها، يكون هناك أيضا فضاء رحب للزائرين من الأماكن الأخرى الراغبين في الاستمتاع بتلك المناظر الطبيعية الجميلة وفي شرب اللبن والاستجمام. هذا وقد حظيت القرية في سابق عهدها بزيارات شخصية لثلاثة من رؤساء موريتانيا السابقين وبعض الوزراء، حتى في السنوات الأخيرة وكذا السنة الجارية.
في مجال التنمية الزراعية والروعوية تحظى القرية بوجود أراضي خصبة للزراعة وهي الجزء المُسمى بــ: “شمامه” و ” لكراع ” حيث يمارس السكان نشاط الزراعة بمختلف أنواعها ويحصدون منها الثِمار الكثيرة إضافة إلى مشروع لزراعة الخضروات، وكذا المشروع الأخير لزراعة الأرز حديث النشأة. كل ذلك جعل من سكان قرية صبٌوالله يتعلقون أكثر بمجالهم الحضري بالرغم من غياب الدعم الحكومي وعدم الاستفادة من المشاريع التنموية، ليجعلوا منه قطباً تنمويا رائداً في مجاله الجغرافي الكبير بولاية لبراكنة.
هو بالفعل قطبٌ تنموي مَهمُول تجاهلته السياسات الحكومية والأنظمة السياسية المتعاقبة على البلد التي طالما تباهت بالحديث عن دعم المشاريع التنموية في المدن الداخلية والأوساط الريفية والقروية في أكثر من مناسبة، لكن الأمر لا يعدو كونه جعجعة بدون طحين على رأي المثل الشعبي القائل: “العيطة اكبيرة والمِيتْ فار”. وبالرغم أيضا من قِدم تلك القرية فإنها لا تكاد تُعطي صورة لبنية تحتية حقيقية، إذ يوجد بها مركز صحي يتيم وقديم خالٍ من أي تجهيزات طبية تذكر وكذا الطاقم الطبي باستثناء ممرضة واحدة فضلت الاستئناس بطبيعة تلك الأرض، وقابلة أنفقت كامل عمرها متطوعة لا تتقاضى من الأجر سوى تعويضات زهيدة لا تُسمن ولا تغني من جوع…
وفي الجانب التربوي توجد مدرسة تربوية وحيدة هي الأخرى لا تتجاوز حجراتها أصابع اليد بالرغم من الكثافة السكانية بالقرية، وعن الماء والكهرباء حدث ولا حرج، إذ يشكوا المواطنون من التعطل الدائم لخزان البئر الارتوازي بالقرية وعدم تغطيته لحاجة السكان والماشية من الماء الشروب، مما يجعلهم يلجؤون إلى مياه الآبار التقليدية وكذا المياه السطحية الناتجة عن التساقطات المطرية. هذا مع عدم توفر الكهرباء بالرغم من وجود شريط طولي للأعمدة الكهربائية الممتد على حافة طريق بوكي كيهيدي بالقرب من موقع القرية وبلدية هاير أمبار التي تتبع لها القرية.
وأما بالنسبة للإنسان الذي هو أكرم خلق الله فيبقى في تلك القرية هو المُغَيب عن الحضارة وركبها بفعل سياسة التجهيل المُمَنهج وغياب التغطية الصحية وكذا الرعاية الاجتماعية التي يرى فيها المواطن البسيط أدنى حق من حقوقه الأساسية المكفولة له بموجب المادة العاشرة من الدستور الموريتاني، فلا وكالة للتضامن زارت المكان ولا مشاريع حكومية صغيرة ولا كبيرة أطلت عليه. وبالرغم من ذلك كله يبقى هذا الإنسان هو المفعول به دائماً والمُستغل في المواسيم الانتخابية وغيرها، وخاصة من طرف الحزب الحاكم.
إذن مع ذلك كله تبقى قرية صبُوالله صامدة في وجه عاديات الزمن بحضورها التنموي في منطقتها ومجالها الحضري، وذلك بفضل الإرادة الحديدية لساكنتها والطموح الثاقب لأبنائها من أجل تجاوز كل التحديات والصعاب حتى تتبوأ لنفسها المكانة المرموقة بالرغم من تجاهل السياسات الحكومية لها وتغافل الأنظمة السياسية عنها.!! لك الله يا صبوالله، مدينة الشموخ ومرتع الأبرار…
*باحث في مجال القانون والعلوم الإدارية
hossaine_81yahoo.fr