لقد كان الموريتانيون على هذه الأرض ومنذ الفتح الإسلامي شعبا موحدا وسيظلون كذلك مهما كانت المحاولات التي يقوم بها الكثيرون هذه الأيام، جاعلين من هذه الوحدة- التي يجب أن تظل مقدسة بالنسبة للجميع- بضاعة تباع هنا وهناك وللأعداء التقليديين للوطن خاصة منهم تلك القوى الأجنبية المعروفة بعدائها لشعبنا وقيمه الحضارية، ورغم ذلك، فإن وحدتنا ستبقى ما بقي ديننا الإسلامي الحنيف، الضامن لها، مهما حاول المتاجرون بها، فهوالصخرة التي ستتحطم عليها كل محاولات الأعداء أيا كانوا و أيا كانت الجهات التي تقف وراءهم.
أما أولئك الذين فضلوا استغلال التنوع القومي لشعبنا، وتحويله إلي أداة هدم، بدلا من إبرازه كعنصر قوة لنا، فإنهم يجهلون أو يتجاهلون عمق الإنسجام بين مكونات شعبنا عبر التاريخ، الشيء الذي جعله يواجه مجتمعا المستعمر، عندما بدأت محاولاته غزو بلادنا .
إن التحالفات السياسية التي كانت تقام قبل مجيء المستعمر بين مكونات شعبنا لم تأخذ في الإعتبار الانتماء القومي، فكثيرا ما نجد القبائل الزنجية تدخل في تحالفات مع القبائل العربية ضد قبائل عربية أخرى والعكس صحيح وتتجسد هذه التحالفات كذلك في إلغاء الدية ما بين هذه المجموعات القبلية.
أما المحاولات البغيضة التي تسعى إلي استغلال التفاوت الطبقي داخل المجموعة العربية التي خاضت في الماضي الكثير من الصراعات والحروب، بفعل غياب سلطة مركزية وسيادة قانون الغاب، فكانت القوة هي المعيار ونشأت تقسيمات وتسميات أفرزها هذا الواقع، مثل (عرب وزوايا وطلبه وآزناك وعبيد وأمعلمين وإكاون) وهي كلها تسميات لا دلالة لها بالنسبة للانتماء القومي.
فالانتماء إلى فئة داخل أي شعب، لا يمكن أن يشكل أساسا لجعل هذه الفئة تنتمي لمجموعة غير مجموعتها القومية، لأن التمايز بين الشعوب يتم على أساس حضاري وليس عرقي.
و ما عدا ذلك فهو تفكير مدان وله مخاطر جمة علي التعايش والسلم الاجتماعي ، لذا فهو خيار مرفوض.
وفي هذا الإطار فإنه على أولئك الذين يحاولون هذه الأيام استغلال هذا التفاوت الطبقي للنيل من وحدة المجموعة العربية، لكنهم لن يفلحوا بعون الله، لأن الانسجام الاجتماعي وحتى الأسري سيظل أقوى من كل المحاولات الدنيئة لأعداء وطننا من قوى أجنبية معروفة بحقدها على شعبنا ودينه الحنيف ؛
أما أولئك الذين مورست عليهم العبودية داخل القوميات الأخرى الزنجية، فإننا لم نسمع عنهم أي شيء يعكر الجو داخل هذه القوميات و لله الحمد.
وفي هذا الإطار فإن الحديث عن العبودية وآثارها وعن الفئات أو الطبقات المستغلة من طرف طبقات أخرى في المجتمع والتي قد يكون من بينهم مستعبدين سابقين أو أبناءهم، يجب أن يتم في إطار البحث عن تذويب الفوارق الاجتماعية سلميا من خلال إجراء إصلاحات كبرى توفر فرص الحياة الكريمة لهذه الفئات كغيرها من فئات الشعب الموريتاني على أن ينحصر دور المجتمع الدولي- المنادي دائما بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية- علي تمويل هذه المشاريع وقد يكون ذلك من خلال منتدى للاستثمارات تدعى إليه الهيئات الممولة العالمية والإقليمية.
فما دمنا نتحدث عن قضايا التحرر والديمقراطية، يجب علينا أن نفرق بين الوطنيين الأباة الذين يتبنون هذه القضايا العادلة والذين تجب مساندة مساعيهم لحل هذه القضايا التي يجب أن تجد حلها بعيدا عن التدخل الأجنبي وأولئك الذين يتاجرون بهذه القضايا لأغراضهم الخاصة.
وفي هذا الإطار لابد أن أنبه إلى أن مؤسسي “حركة الحر” في نهاية السبعينات، هم أناس وطنيون أرادوا المساهمة في تذويب الفوارق الاجتماعية السائدة في المجتمع آنذاك والتي ما تزال قائمة ونعيشها يوميا.. وهنا لا نخص فئة دون غيرها من الفئات الأخرى.
وهذا هو ما جعل القوى القومية التحررية تقف مع حركة “الحر” منذ أول مواجهة لها مع نظام هيدالة 1980، الشيء الذي أسس لتفاهم كان له أثره الايجابي في نشر وعي وطني داخل المجموعة العربية بكل مكوناتها، هدفه هو: نشر قيم العدل والمساواة، مما ساهم في إزالة الكثير من المفاهيم الخاطئة. (وما حصل في اتحاد العمال الموريتانيين لسنة 1981 والتحالف الشعبي التقدمي بعد ذلك إلا أمثلة بارزة) على أن هذا الشعب لن يعطي أي اعتبار لأي خطاب أو شعارات، هدفها المس من وحدته أو انسجامه أو الإضرار بكيانه الاجتماعي، علما بأن جر البلاد نحو المجهول لن يحمد أي كان عقباه ومن هنا يجيء دور المثقفين والمفكرين ورجالات العلم ولا أقول السياسيين لأن الكثير منهم للأسف الشديد لا يقول الحقيقة محاباة للآخرين.
إذا أقول على هؤلاء أن ينوروا الناس إلى نهج الطريق المستقيم الذي أساسه حب الانتماء إلى الوطن وقيام كل واحد منا أيا كان موقعه بالدور الذي تمليه روح المواطنة وذلك بالنصح السديد ، طريق العدل و الإنصاف و المحبة و الاستقامة و أن يتجلى ذلك في الممارسات اليومية حتى يشعر الجميع أنه لا مجال للغبن وبالتالي يتم عزل أصحاب الخطابات المتطرفة والضارة خاصة لهذه الفئات التي عانت الغبن لأنهم يحرفون الأمور لكون هدفهم الحقيقي ليس هو حل هذه المشاكل لأن بقاءها يمثل مصدر تجارتهم ولن تفوتني هنا الإشارة إلى أن معالجة هذه القضايا العادلة لا يمكن أن يتم إلا في إطار دولة القانون التي يجب أن تحمي الضعيف وترضخ القوي وتضرب بيد من حديد هؤلاء الذين أصبحوا يطلون علينا يوميا بأطروحات بلغت حدا من التطرف لم يعد بإمكان المواطنين تحمله،
فلا الدين الإسلامي الحنيف ولا الوحدة الوطنية ولا العلماء الأجلاء ولا مشاعر المواطنين ، لا شيء من هذا الآن يعد مقدسا بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين أصبحت وسائل إعلامنا “الحرة” توفر لهم المنابر لطرح آرائهم الرذيلة والدعاية لها وهذا شيء يجب أن يكون مرفوضا من طرف الجميع وتجب معاقبة أصحابه سواء كانوا أشخاصا أو كانوا هيئات بتحريك الدعوة العامة ضدهم بشكل فوري.