15 أكتوبر 2024 , 15:29

طه محمد يكتب: إسلاميون ملاحدة!

taha” قتل البوطي قطف لإحدى عمائم السوء المنقوعة في دماء الشهداء ودموع الأرامل.” هكذا احتفل المفكر الإسلامي محمد بن المختار الشنقيطي باغتيال عالم جليل جلس لدرس العلم، بعد صلاة العصر في بيت من بيوت الله.

الخلاف بين المفكر الإسلامي والعالم الفقيه خلاف سياسي حول الفتنة في بلاد الشام؛ يحرض عليها المفكر الإسلامي، ويثبط عنها العالم الفقيه…

لم يكتف المفكر الإسلامي بالاحتفال باغتيال أخيه في العقيدة، وخصمه في السياسة، وإنما أصدر فتوى تتجاوز عالم الشهادة إلى عالم الغيب أرسل بها العالم الفقيه إلى النار، بلغة ساخرة، فدون: “رثاء البوطي..

لتبك على الفضل بن مروان نفسه      فليس له باك من الناس يعرف

إلى النار فليذهب ومن كان مثله       على أي شيء فاتنا منه نأسف!”

ينقلب الفرح باغتيال العالم، والشهادة له بالنار، إلى دفاع مستميت عن المرتد، وشاتم النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يرى تثريبا على الأول، ويحض على الرفق بالثاني!!! يقول:”…أقترح على السلطة السياسية والقضائية في موريتانيا التعامل مع هذا الشاب المتطاول على مقام النبوة بمنطق السياسة الشرعية لا بمنطق الحدود، وأن تعامله معاملة المريض العليل  القلب، المحروم من محبة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، فتحجزه في السجن، أو في بيت أهله، وتزوده بكتب في السيرة النبوية العطرة، ثم توكل إلى عالم ثقة أمر الحوار معه وتعليمه قبسا من مشكاة النبوة كل يوم. فإن أراد الله به خيرا فسوف يرعوي ويتوب، وإلا فالله غني عنه ولا خير للمسلمين فيه.”

تتناقض هذه الأريحية، والتسامح منقطع النظير مع من طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعته بالعنصرية، والفرح باغتيال عالم جليل والشهادة له بالنار! لكن سر هذا التناقض ما يلبث ينجلي حين نعرف خلفية الشنقيطي وفكره، فهو إخواني متعصب والبوطي رحمه الله سني أشعري ظل على خلاف صريح مع الإخوان وشيخهم القرضاوي الذي أباح دم البوطي، حين حرض على قتل بشار ومعاونيه، وقد عد البوطي فيهم. أما سب النبي صلى الله عليه وسلم فينسجم تماما مع فكر الشنقيطي الذي يسب الصحابة (أنظر كتابه الخلافات السياسية بين الصحابة)، ولا يرى بأسا بسبهم حين قال، في إحدى تدويناته..”لو كان سب الصحابة كفرا لكفروا به…”.

تظهر اللغة التي استخدمها الشنقيطي في مقاله مدى تعاطفه مع ساب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد وصفه بصفة محببة “الشاب”، واستخدم، للتعبير عن جرمه، عبارة مخففة “المتطاول”، والتمس له الأعذار..”تعامله معاملة المريض العليل القلب”، ليصل إلى عدم مسؤوليته عن فعله، فهو “المحروم من محبة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم…” وهو نظير قول المشركين..” ولو شاء الله ما أشركنا…” فلو لم يكن الشاب عليل القلب، ولو لم يحرم محبة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، ما أقدم على التطاول على مقام النبوة… هو إذن، في عرف الشنقيطي ضحية تعالج بدل أن تعاقب… أما البوطي، العالم الجليل فهو مجرم يحتفل باغتياله، ويشهد له بالنار لأنه اختار الأحوط في الدين؛ اعتزال الفتنة، والتثبيط عنها!!!

يعلل الشنقيطي فتواه في المرتد والمتطاول على مقام النبوة بقوله..”وأسوأ رسالة يوجهها المسلمون اليوم إلى العالم، من منظور السياسة الشرعية، هي قتل المرتد، أو المتطاول على مقام النبوة،…” ذاك هو فكر الإخوان، الذي يتبناه الشنقيطي، فيروجه: تطويع شرائع الإسلام لتلائم أهواء ملاحدة اليهود والنصارى… فذبح المسلمين، رجالا ونساء، وتدمير بلدانهم باسم الثورة لا يشوه صورة الإسلام إن كان يخدم مصالح الغرب. والتحريض على القتل، والإشادة به، لا يشوه صورة الإسلام إلا إذا تعارض مع أهواء الغربيين ومصالحهم.. فقد قامت الدنيا على الخميني رحمه الله حين أباح دم المرتد سلمان رشدي الساخر من الإسلام عقيدة وشريعة، لكنه صفق للقرضاوي حين أهدر دماء ولاة أمور المسلمين الذين لا يرضى الغرب عنهم… هذا المنطق هو الذي يقود مفكري الإخوان، فينتقوا من الشريعة ما لا يرضى عنه الغرب فيشككوا فيه بإثارة شبهات تجوز على العامة.. تصدى لذلك الترابي بشكل فج، فرماه علماء الأمة عن قوس واحدة، ولم يجد من ينتصر له علنا سوى الشنقيطي الذي جاراه في إنكار حد الردة، وحد الرجم، فقال عن حد الردة..”ليس حد الردة سوى مصيبة من المصائب الفقهية في تاريخنا التي قاد إليها نبذ القرآن وراء الظهور،…”

تخفي الحمية للقرآن نبذا للسنة النبوية الشريفة، مصداقا لنبوءته صلى الله عليه وسلم..”…بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه حلالا أحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه.” بل يذهب الشنقيطي أبعد من ذلك فيعتبر السنة، وإجماع الأمة من بنيات الطريق! يقول:”…الخلاصة: لا إكراه على الدين ابتداء، ولا استمرارا، ولا انتهاء، ولا عقوبة دنيوية للردة في الإسلام، فتمسكوا بكتاب ربكم، ودعوا بنيات الطريق.” بنيات الطريق، في اجتهاد الشنقيطي، هي قوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه” (متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث… المبدل لدينه المفارق للجماعة.” (متفق عليه)، وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما ق\م عليه إذا عنده رجل موثوق، فقال ما هذا؟ قال كان يهوديا فأسلم ثم تهود، ثم قال لمعاذ اجلس. فقال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات، فأمر بقتله.” رواه البخاري 6923، ومسلم 1633، وغيرهما…

ليس الشنقيطي بدعا من “مفكري” الإخوان في جراءته على الدين ورفضه للمعلوم منه بالضرورة، وإنما هو حلقة في سلسلة طويلة من المشككين في الدين، الرامين إلى هدمه من الداخل بعد أن عجز أعداؤه عن النيل منه من خارجه فاستخدموهم حصان طروادة ينقضون أركان الدين باسم التجديد، والحداثة، وما بعد الحداثة… من هؤلاء من يقيم بين ظهرانينا ويبث سمومه في مجتمعنا في غفلة منا، بل يعتبره بعضنا شيخا، و”مفكرا إسلاميا”!

يقول صاحبهم، في إحدى تدويناته، التي أعادت مواقع الاخوان نشرها، لتعم البدعة والضلالة..”أرى أن الإسلام جعل العقل مفتاح الإيمان بالله تعالى،…” وبذلك أصبح الإسلام كله رأيا، لمن لم يعرف بسداد الرأي! والدليل على ذلك تهافت جملته، فالإيمان لا يكون إلا بالغيب، ولا حظ للعقل في الغيب لأن نشاط العقل المثمر محصور في عالم الشهادة، ومحاولاته التطفل على عالم الغيب هي التي أنتجت أباطيل الميتافيزيقا، وعلم اللاهوت. وقد نبه الغزالي إلى ذلك منذ مئات السنين، في كتابه تهافت الفلاسفة، وخفي على مفكرهم الإسلامي!

يشتهر مفكرهم هذا، المعتد برأيه، بالتناقض في تدويناته ومقالاته.. كتب، أثناء الحملة الإنتخابية مقالة بعنوان: فتاوى الضرار والصد عن سبيل الله شن فيها هجوما مقذعا على فقيه نسب إليه فتوى بحرمة ترشح المرأة للمواقع القيادية، ووصف الفتوى بأنها “تستهدف الدعاية الإنتخابية لبعض المرشحين…” ثم ختم مقالته بهذه الجملة..” كتبت هذا المقال بموجب التزامي بمناصرة ترشح المرأة في موريتانيا.” أليست هذه دعاية انتخابية نسوية فجه!

إلى جانب تناقضه، يشتهر مفكرهم هذا بانبهاره بالفكر الغربي مع سوء فهمه. يظهر ذلك جليا في مقالته: “الدين والفن: معراج الروح إلى المطلق والمتسامي”، فهي استنساخ لهيغل، لغة وفكرا.

فقد جمع الفيلسوف الألماني بين الدين والفن في كتابه:”محاضرات في فلسفة التاريخ”، وليس جسم المقالة سوى استعادة لفلسفة التاريخ عند هيغل بإسقاطها على الدين الإسلامي، وفي ذلك يكمن سوء الفهم المفضي إلى تشويه فكر هيغل، والتجديف في الإسلام.. فحين يقول هيغل، برواية المفكر الإخواني..”الدين هبة من خالق الجمال وواهب الوجود، والفن هو رؤية المطلق وهو يتلألأ من خلال وسط حسي”، فإن هذه الجملة تتعارض تماما مع التصور الإسلامي. فمفهوم الخلق عند هيغل لا يطابق مفهومه عند المسلمين. واهب الوجود عند هيغل لا يخلق من عدم، كما يتصور المسلمون، وإنما غاية فعله بث قوانين الحركة في المادة التي لم يخلقها. وانتهت علاقته بالوجود بعد بث قوانين الحركة في المادة، فلا يستطيع التدخل بعد ذلك، إذ هو واحد لا يصدر عنه إلا فعل واحد… و”رؤية المطلق من خلال وسط حسي” تعارض التصور الإسلامي للذات الإلهية التي لا تتجلى في المحسوسات، وبهذا القول كفروا الحلوليين.

والطريف أن “المفكر الإسلامي” لاينفك يدعوهم إلى إعادة قراءة النص القرآني في ضوء التاريخانية، ويستشهد بالنص الهيغلي بعيدا عن “روح التاريخانية المطلق”! ويشن هجوما لاذعا على الفقهاء ويستشهد بنص لسيد قطب رحمه الله..”الدين والفن صنوان في أعماق النفس وقرارة الحس، وإدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثسر الديني،…” وهذا افتراء على الواقع؛ فالفنانون هم أبعد فئات المجتمع من التدين إذ ينشغلون باللهو والمتعة المحرمة التي هي عماد فنهم، ومن هدى الله قلبه منهم انسلخ مما كان فيه. فالقول إن إدراك الجمال في الشعر، والقصة، والرواية، والرسم، والنحت، والغناء، والرقص، والموسيقى، والمسرح…”دليل استعداد لتلقي التأثير الديني” كذب محض. فغالبية أهل الفن اليوم ممن لا خلاق لهم، وإلى الزندقة أقرب. يستمر “المفكر الإسلامي” في مقارنته الهيغلية، بتصرف، بين الدين والفن ليصل إلى أن الفن يشهد اللدين! “…فيكون الفن بذلك شاهدا للدين… وصنوا له في إيقاظ النفس البشرية…”

يكمن الإشكال في ان أغرارا يتسكعون على الشبكة يقرؤون مثل هذا الكلام من “شيخ، مفكر إسلامي” فيهون الدين في نفوسهم ما دام صنو الغناء والرقص، محتاجا إلى شهادتهما! ويختم “المفكر الإسلامي” خاطرته بدعاية لنفسه كاذبة..” أكتبت [كذا!] هذه الخاطرة بمناسبة مرور عشر سنوات على أول مقال نشرته عن الفن في الإسلام حيث انتشر انتشارا واسعا وتلقاه المسلمون في أنحاء العالم بالقبول مع اختلاف مذاهبهم الفقهية.” يستحي البخاري أن يكتب مثل هذا الكلام عن صحيحه، ولو قرأه مالك لأمر بمحوه…

لا يتحدث علماء الأمة الأجلاء عن مؤلفاتهم، وإن فعلوا كان ذلك بتواضع جم…”أما المفكر الإسلامي” فيحتفل بمرور عشرية مقالته عن الفن الإسلامي بكتابة خاطرة يجعل الدين فيها صنوا للفن اعتمادا على فلسفة هيغل المتعالية على قوانين التاريخانية التي يخضع لها صاحبهم النص القرآني!

يكتب صاحبهم مقالة أخرى، بعنوان مستفز، كعادته:”الفتوى بجواز ضرب الزوجة: انتهاك لحقوق الإنسان ولجوهر الدين.” تبدأ الفتنة عن الدين من العنوان. فالمتسكعون على الشبكة من الأغرار قرؤوا الآية الكريمة..”… واهجروهن في المضاجع”. ثم يقرؤون هذا العنوان لشيخ، مفكر إسلامي! يقول المفكر الإسلامي..”سمعت فتوى لأحد كبار فقهاء موريتانيا… أجاز فيها للزوج أن يضرب زوجته وهو ما لا يمكن لأحد أن يستسيغه في القرن 21 وخاصة بعد أشهر قليلة من إقدام أب على ذبح أبنائه الثلاثة.” لا معنى لهذه الجملة الطنانة سوى التشكيك في النصوص المحكمة. فحجة المفكر في منع ضرب الزوجة هو انه لا يمكن لأحد ان يستسيغه في القرن21، وبذلك يجعل أحكام الله تبعا لأهواء عباده؛ ما استساغوه منها أنفذوه، وما عارض ذائقتهم عطلوه! والله تعالى يحذر نبيه..” ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك.” أما المقاربة بين ضرب الزوج، وذبح الأبناء فهو خداع للقارئ، إذ لا مناسبة بين الفعلين.

يستمر “المفكر الإسلامي” في رص جمل بلا معنى، فيقول..”… وإرساء مبدأ المساواة بين الرجل وبين المرأة في أصل الخلق،…” ما معنى هذا الكلم! ثم يضيف..”… وفي المساواة أمام خطاب التكليف الشرعي،…” وهذا هراء، فقد أوجب الخطاب الشرعي على الرجال ما لم يوجب على النساء (الجهاد)، ورخص للنساء ما لم يرخص للرجال، بسبب الاختلاف في أصل الخلق، ترك الصلاة مطلقا في حالة الحيض… ما يلجئ “المفكر الإسلامي” إلى هذا التهافت هو التشبث بمبدأ المساواة النظرية بين الرجل والمرأة عند ملاحدة الغرب.

وحب الاقتداء بالغرب، مع جهله به، هو ما يجعله يقول..”إن الفتوى بجواز ضرب الزوجة في القرن 21 حيث تسود قيم المجتمع الصناعي الذي تقوم العلاقات فيه على أساس عمودي…” ينسى المفكر الإسلامي أن العنف أكثر انتشارا في المجتمع الصناعي، خاصة ضد النساء. فالأمريكيات هن أكثر نساء العالم تعرضا للعنف، لأن العلاقات في المجتمع الصناعي الأمريكي “تقوم على أساس عمودي.” فلا يتورع رجال المجتمع الأمريكي الصناعي حيث “…لم يعد للقيم المرتبطة بالعضلات أي معنى…” عن استخدام عمود العلاقات الاجتماعية لضرب النساء في القرن21!

تخرصات امثال هؤلاء من “المفكرين الإخوانيين” هي التي تشجع المتسكعين على الشبكة على الاستهزاء بالدين، كما يستهزئون بصنوه الفن الذي يشهد له، ويسبون النبي صلى الله عليه وسلم ممارسة لحرية الردة، وشرعية الكفر في عرف مفكري الإخوان… بل إن الشنقيطي يمهد للفتوى بجواز إقامة الملحدين في الحرم النبوي الشريف، أن يقود العمل الإسلامي ملحد!!!

يقول الشنقيطي، في نص مليء بالإيحاءات..”…أذكر اتصالا من شباب في المدينة المنورة…فتواعدت معهم المسجد النبوي الشريف، ولما أدينا الصلاة معا، ذهبنا إلى مقهى وبدأنا الحديث. فكانت المفاجأة أن صارحني بعض أولئك الشباب- الذين صلوا معي للتو بالمسجد النبوي- بأنهم ملحدون قد فقدوا الثقة في دينهم،…” يتحاشى الشنقيطي أن يطلق على رفاقه في المقهى الصفة الشرعية التي تلائم وضعهم: المنافقون لوضوح حكمهم في الشريعة، فيسميهم ملحدين لينطبق عليهم حكمه في المرتد الذي يعامل معاملة حسنة، ويقر على ردته.

Weekevall2005@yahoo.fr

شاهد أيضاً

المفتش ممو الخراش ..يكتب : وأصبح التعريب خدعة!

خلال العقود الماضية ظل المعرَّبون من مهندسين وأساتذة وفنيين على الهامش، بسبب تغول اللوبي الافرنكفوني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *