خواطر يعقوبية (2) بقلم : الغالية بنت سعدن ولد جدان

قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوت إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) صدق الله العظيم

و صلى الله و سلم أزكى السلام على طه النبي المبعوث رحمة للعالمين و على آله الطيبين المطهرين ، و صحابته الأخيار و من سار على دربهم و اهتدى بهديهم إلى يوم الدين .

في ليلة 6 من ربيع النبوي الجاري شهر مولد رسول الرحمة المهداة و النور لكل العالمين الذي أشرقت به على البشرية بشائر مولده صلى الله عليه وسلم ، و في الهزيع الأخير من هذه الليلة المباركة و بينما العباد و النساك في تبتلهم منيبين إلى ربهم ، في هذا الوقت الذي ينزل فيه ربنا عز في علاه إلى السماء الدنيا كما ورد في الحديث القدسي سائلا عباده هل من سائل فأجيب سئله في هذه الساعات المجاب فيها الدعاء ، فاضت روح والدتي الذهبي بنت باب ولد الحمد إلى بارئها ، بقلب مكلوم و دعنا الوالدة و الصديقة و الأخت و الحبيبة التي انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها في خشوع و هدوء و إيمان ، فوجدت نفسي انكب على جثمانها الطاهر أقبله و أشم رائحة أمي التي كانت أماني و الحصن الدافئ الذي طالما احتضنني في جميع أحوالي و أوقاتي في صحتي و مرضي في سعادتي و في صفوي و كدري ، إنها أمي الذهبي .

يا رب فزعت إليك ربي مفزعا ، فإليك ربي أملي و رجائي و توسلت إليك بطه الذي نال المقام الأسمى أن تلطف بها و بنا .

ليلة رحيلها وجدت نفسي مكتوية بحرقة لوعة الفراق ، تتقاذفني الذكريات معها ، تتقاذفني المشاعر و أنا أقف عاجزة أمام قدرة الله و قضائه ، أبي أخي و أخواتي و أحبابنا الذين كانوا معنا طيلة مرضها و الآخرين الذين التحقوا بمنزلنا بمجرد علمهم بالنبأ المحزن الذهبي في ذمة الله .

وجدنا أنفسنا كما قال الشاعر :

 ماذا تقول لأفراخ بـذي مَرَخٍ …زغبِ الحواصِل لا ماء ولا شجرُ

إن لوعتي بفراقك يا أمي لا يمكن وصفها ، و لا لأحد أن يشعر بمداها ، مهما حاولت أن أصف مشاعر الحزن و الأسى التي أحس بها .

إن فضائلك و مكارمك أمي ماثلة أمام ناظري ، حبك للفقراء و إحسانك عليهم ، أخلاقك الكريمة ، مجالسك كانت غنيمة و نيتك السليمة و إيمانك راسخ مثال يحتذى ، و مفارقتك أليمة ، الكرم و حسن الشيم و حفظ الذمم و العطف على الأيتام و الأرامل .

كنت يا أمي من أصحاب الأرواح الطاهرة و النفوس الزكية و القلوب النقية ، وجمال الروح العبقة بأريج الإيمان و حب رسول الله صلى عليه وسلم و آله و أزواجه أمهات المؤمنين و عترته الطاهرة .

إلهي إن والدتي في ذمتك و عهدتك و أمانك فأمنها اللهم و نور قبرها و اجعل روضتها روضة من رياض الجنة ، اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، الحنان المنان بديع السماوات و الأرض يا ذا الجلال و الإكرام ، يا حي يا قيوم .

يقولون كم تجري مدامع عينه لها الدهر      دمع و الحق يتحدر

و ليس الذي يجري من العين ماؤها        و لكنها نفس تذوب و تقطر

إنا لله و إنا اليه راجعون ، و لاحول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم  ، و لله ما أعطى و له ما أخذ .