مثلما سيستغل البعض هذه الجريمة النكراء للمزايدة واتهام الآخر بحجج تذهب إلى اعتبار التساهل معها دليلا على الموافقة الضمنية لارتكاب المزيد.. فإن البعض الآخر أيضا لن يتوانى في ركوب موجة العاطفة الدينية لتمرير خطابه السياسي القائم على الإلغاء وتحطيم القواسم المشتركة بين مكونات المجتمع بأسلوب يحاكي ردات الفعل، أكثر منه دراسة للواقع لفهم الظواهر الإجتماعية التي أصبحت بمثابة “السلطة الموازية” في المجتمع ..هذه السلطة التي أضحى تاثيرها قويا على الأفراد في عصر اليوم.
جريمة الإساءة، جريمة مدانة ومرفوضة جملة وتفصيلا، ويجدر بنا كنخبة ومجتمع أن ننتبه إلى هذه الجريمة من ناحيتين..
أولا، الناحية الشرعية والتي سيتكفل بها القضاء، أو هو تكفل بها كسلطة مختصة بالنظر في حيثيات ما جرى، وإصدار الحكم المناسب في حق المتهم بهذا الفعل الشنيع.
ثانيا، يجب أن تكون هذه الجريمة مناسبة لإعادة النظر في الظواهر الإجتماعية الشاذة لدراستها وفهم أسبابها وامتلاك الجرأة للإعتذار عن “الإرث الإنساني” الذي ساهم في مراحل مضت من تشكل مجتمعنا في بروز واقع طبقي ظالم، استغل فيه الدين للأسف وحمته قوة السلاح، و يذهب البعض اليوم إلى القول بأنه أضحى واجهة لكل انواع التطرف والمتاجرة السياسية والإرتماء في أحضان الأجنبي.
ما أقصده بكل بساطة هو كيف نفصل بين عاطفتنا الدينية في رغبتنا في إنزال اقسى العقوبات على أي مسيء، لأن ذلك مسؤولية القضاء، وبين ضرورة أن نستوعب المتغيرات الجارية، لنعرف هل مجتمعنا مهيأ لإحداث مراجعة فكرية لتجاوز الإرث السلبي الذي شهده خلال فترات سابقة أم لا؟!
ولكي لا نقع في لبس حول هذه القضية، نؤكد أن الدين غير مسؤول أبدا عن ممارسات أو سلوك البشر، بقدرما هو موجه لهم و”رسالة سماوية” نؤمن بها ونعمل بها على إطلاقيتها .. وهي رحمة للعالمين.
نحن فقط نتفق أونختلف في الرأي والإجتهادات الفكرية لأنها مجال للصواب والخطأ، وهنا بودي لو عرجت قليلا لتوضيح جملة من الأخطاء التي كثيرا ما يقع فيها البعض في نظرته للدين.. حيث يذهب البعض إلى تقديس الأفراد بدل تقديس الدين أو تكفير المسلم لأبسط خلاف في الفكر، وينجر عن هذا الخلط مواقف سلبية لا مجال لحصرها في نظرة البعض لما يسميه “دين هذه الفئة” أو تلك الجماعة! مع ان الدين – دين الإسلام- وهي مواقف ناجمة عن سوء فهم من الطرفين للدين نفسه، أو في حالات أخرى يكون ذلك نتيجة طبيعية لاستغلال الدين في قضايا دنيوية بأسلوب يسيء إلى الدين والمجتمع في آن واحد.
وإذ أنبه إلى خطورة هذا الخلط المقصود لدى البعض، بين الدين وبين بعض التصرفات الشاذة.. والتي قد تكون- حسب رأيي- مقدمة لمآرب أخرى.. يجري لاحقا الكشف عنها، عندما تكون الفوضى قد عمت ، لتترأى لنا حينذاك العناوين الحقيقية لأصحابها وأهدافهم من الطرفين.. أعني أولئك الذين يفتعلون هذه الأزمات، ومن ثم يتحينون الفرصة المواتية لركوب موجة العصيان على الدولة ورموزها، وعلى المجتمع وقيمه وناظم وحدته الوطنية.. والذين باتوا اليوم جاهزين لذلك إذا لم نتدارك الوضع ونفوت عليهم فرصة الإنفجار من الداخل.
س.ابنيجاره