منذ اندلاع الحرب في سوريا والبعض يتجنب الحديث عن حقيقة ما يجري في الميدان، مكتفيا حينا بوصف الأحداث الجارية هناك بـ”الثورة” وأحيانا أخرى بالحرب بالوكالة لصالح دول ومحاور إقليمية في المنطقة.
لا أحد من معسكر داعمي إذكاء هذه الحرب،كاشف أتباعه من “الثوار الإسلاميين وأصدقائهم” بلعبة الإستنزاف و التصفية التي تم تصميمها للقضاء عليهم قضاء مبرما تحت شعارات لطالما تبين أنها سلاح ذو حدين وخطر يعكس أزمة فكرية وسياسية، بل وخيانة، فشل الإسلاميون بكل تياراتهم حتى الآن في امتلاك الشجاعة للإعتراف بها والعمل على تصويبها لنزع فتيل هذه الحرب المستعرة في غير مكانها وتوقيتها على الإطلاق.
وعندما كان البعض يبتكر المسميات تلو المسميات لفصائل الجيش الحر وداعش ولواحقهما.. كنا نحذر ونقول إن الشعارات التي يجري رفعها في هذه “اللعبة القذرة”، ليست سوى صناديق بريد لتوصيل رسائل خاطئة، فلا القتل على الهوية معبرعن صحوة دينية، ولا المعارك الدائرة في الأراضي السورية، جهاد في مقابل التخاذل المعلن عن دعم المقاومة الفلسطينية والتولي عن تحرير “الأقصى” من براثن مغتصبيه اليهود؟!
قس على ذلك هذا الإصرار غير المفهوم لبعض الأنظمة الخليجية في مضاعفة اتساع الحريق من الداخل، بين أبناء الأمة من جهة، وبين الإسلاميين بعضهم البعض!
وهنا نسأل أي الفريقين الآن هو الممثل الشرعي للإسلام؟!
وما هو حكم الجبهة الإسلامية المدعومة سعوديا إذا كان مجاهدو داعش المرتبطة بتنظيم القاعدة في نظر خصومها في الجبهة والجيش الحر، خوارج؟
من الواضح أن الحرب التي اندلعت على إثر ما يسمى ” الربيع العربي” وفُصلت لتخلط الأوراق بين مشروعية التغيير والحرية والعيش الكريم، وبين اختطاف آمال وأحلام الشعوب في هذه الفوضى العارمة،من طرف قوى لطالما بدت لنا جناحي نقيض، ولكنها بفعل القواسم المشتركة ظلت تشكل الظهير الخفي للمخطط المرسوم و الأساس الفعلي لأدواته الدعائية والعسكرية..
أقول من الوضح أن الذين وقعوا عن وعي أو غير وعي تحت نشوة هذه الشعارات الدينية، وهذه الحرب المقدسة في نظر منظريهم وداعميهم طبعا، لم ينتبهوا إلى تناقضات ظاهرة قد تفسر المغزى من التناحر المستمر بين تلك الفصائل الإسلامية، والذي لم يكن اشتداده في الأيام الأخيرة إلا مؤشرا على مراحل المخطط في مدياته المختلفة.
فإذا كان الهدف الأول هو استهداف محور المقاومة عموما، وتحديدا تدمير القدرة العلمية والصناعية والقوة العسكرية السورية في المنطقة لضمان أمن الكيان الصهيوني الزائل، فإن استخدام البعد الطائفي والمذهبي إنما يأتي في صلب هذه الحرب التي يراد منها جعل المستنقع المفترض في النهاية، المكان الأنسب لتصفية بؤر الإرهاب القاعدي وترويض لواحقه المرتبطة بالإخوان المسلمين والوهابي السعودي، ليصبح البديل القابل للتعاطي مع الغرب الإستعماري هو هذا “الإسلام المعتدل” كما يسميه، و الذي يعتقد أنه قد يمنحه فرصة السلام المزعوم بين العرب و ” اسرائل” هذا الكيان الغاصب المفروض على الأمة.
*كاتب صحفي