15 أكتوبر 2024 , 15:51

سليمان ولد ديدي يكتب: محنة العمال المفصولين.. مشروع أزمة تضع البلد على مفترق طرق

photoيشكل قرار تسريح شركتي “النحاس والذهب” الأجنبيتين العاملتين في موريتانيا لمئات العمال

الموريتانيين في وقت متزامن إهانة للدولة الموريتانية أولا – وإن كانت متواطئة رسميا معهما-، قبل أن تكون بداية لمأساة ستعيشها مئات الأسر التي وجدت معيلها فجأة عاطلا وبلا حقوق. وبمبررات لم تقنع الرأي العام فضلا عن المعنيين، وخاصة أن هذا القرار تزامن مع اخبار سربتها بعض وسائل الإعلام الأجنبية تفيد بأن فرعا من فروع شركة “كينروس” في إحدى الدول الإفريقية قرر تسريح بعض العمال هناك، وهو ما ردت عليه حكومتهم بالتهديد بإغلاق المنجم إن هي نفذت قرارها، مما دفع بهم لتحويلهم إلى موريتانيا، ليحلوا محل العمال الوطنيين الذين قررت فصلهم.

هذه المعلومات وغيرها مما ارتبط بفصل هؤلاء، لم يكلف الإعلام –المستقل- في موريتانيا نفسه متابعتها والبحث في تفاصيلها ومدى صحتها.، لا بل تجاهل أغلبه محنة المفصولين لعدة أيام حتى تعالت أصوات بعض الناشطين -الغير مصنفين- على شبكات التواصل الاجتماعي، لتكون بداية لشجب ذلك القرار من طرف الأحزاب السياسية.

لكن ما لا يدركه النظام الموريتاني بعد مرور ثلاثة أسابيع على فصل هؤلاء أن غالبيتهم من الشباب الذين لم يصدقوا قبل ثلاث سنوات أنهم حصلوا على فرص عمل في بعض المؤسسات القوية العاملة في ميدان التعدين في بلدهم وبرواتب مجزية..، وبجرة قلم أصبحوا في عداد البطالة ليحل محلهم أجانب، ولينضموا بذلك إلى عشرات الآلاف من الخرجين الذين ألقت بهم سفينة البطالة وراء حواسيب يسّطرون من خلالها معاناتهم لينشروها، تلك المعاناة التي دفعت البعض منهم إلى تجاوز الكثير مما كان محرما بالأمس الخوض فيه.، وقادرون على المقاومة المشروعة بكل أصنافها حتى يستعيدوا حقوقهم.

هؤلاء الشباب عندما تستمع لأحدهم تجد في كلامه ما يبرر أفعاله وما يخطط له وما هو مستعد للموت في سبيله.

على السلطات أن تدرك بأن شباب اليوم أقوى من شباب الستينيات والسبعينيات الذين أرغموا الدولة أنذاك على اتخاذ قرارات كان من الصعب عليها التفكير فيها أحرى أن تتخذ قرارا بشأنها، تلك القرارات التي كان في مقدمتها إشراك الكفاءات الوطنية الشابة في الحكومة وتأميم أهم الشركات في البلد أنذك.

شباب اليوم ليسوا كشباب “الأحكام العسكرية” التي تشهدها البلاد منذ ثلاثة عقود ونصف الذين همشتهم وكممت أفواههم واستأصلت أظافرهم ومارست عليهم مختلف الضغوطات بما فيها العائلية.، ومن الأرجح أن تكون قضية العمال المفصولين هذه، هي الفرصة التي كانوا ينتظرون لينقلبوا على العسكر كما انقلب هو عليهم نهاية سبعينيات القرن الماضي.

إن على السلطات أن تقرأ الواقع قراءة سليمة، إن هي حقا تخاف على مستقبل البلاد وصادقة مع نفسها فيما يخص الشباب والتسيير الشفاف للثروة الوطنية، قبل أن يستفحل المرض الذي لم تعد تطيقه، فلا يمكن لوطن أن ينهض بسواعد عجزة وفكر جهلة، فالشباب هو طاقة الأوطان التي لا تستغني عنها، وما دامت فعاليتها معطلة فلا يمكن لها أن تنهض.

إن مأساة عمال “كينروس”و”أم أس أم” ليست أقل أهمية من مأساة “الحمالة” التي شهدناها العام الماضي،وليست إرادتهم أضعف ، وإنما هو الحرص على أن لا تخرج الأوضاع عن السيطرة. فيا حكام البلاد انتبهوا وقفوا إلى جانب أبنائكم بدل الوقوف في وجوههم مساندة لقوة دولية، فمصلحتكم في أن تسمحوا لأبنائكم أن يعيشوا كرماء في وطنهم بدل أن ترميهم الحاجة في جلباب أنتم له كارهون.

إن قرارا بسيطا من رئيس الجمهورية بإعادة هؤلاء إلى عملهم.، ومراجعة الاتفاقيات مع كل الشركات العاملة في الثروة الوطنية.،وخاصة المعدنية منها، وإعادة النظر فيها بما يسمح للمواطنين العمل فيها قبل الأجانب، سيسهل للدولة في الوقت القريب تأميم معظم هذه الشركات. وسيجد الشاب الموريتاني ما ينشغل به، غير عد الساعات والأيام والأشهر وراء حاسوب عاجز عن شراء خبز يسد به رمقه. ويساعد في الاستقرار السياسي الذي لا يمكن العمل في غيابه.

فلقد سبقكم لها المختار ولم يندم..

 *رئيس تحرير صحيفة الحقائق

شاهد أيضاً

المفتش ممو الخراش ..يكتب : وأصبح التعريب خدعة!

خلال العقود الماضية ظل المعرَّبون من مهندسين وأساتذة وفنيين على الهامش، بسبب تغول اللوبي الافرنكفوني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *