بوكو حرام هى جماعة إسلامية نيجيرية مسلحة، وتعنى بلغة الهاوسا “تحريم التعليم الغربى”. وبوكو هو نمط من التعليم الغربى والمناهج الدراسية الجديدة التى أرادت السلطات الحكومية إدخالها إلى ولايات الشمال ذات الأغلبية المسلمة كبديل عن التعليم الدينى المتوارث. كانت بداية بوكو حرام في 2004 على يد محمد يوسف، وهو شاب نيجيرى ترك التعليم فى سن مبكرة، وحصل على قدر من التعليم الدينى غير النظامى. وقد تشكلت جماعة بوكو حرام فى الأصل من مجموعة من الطلاب، ألذين تخلوا عن الدراسة، وأقامت الجماعة قاعدة لها فى قرية “كاناما” بولاية “يوبه” شمال شرقى نيجيريا على الحدود مع النيجر. حيث ينسب إليها سلسلة من التفجيرات والهجمات التى شهدتها المناطق الشمالية الشرقية من نيجيريا. الجماعة ترفض بشدة التعليم الغربى والثقافة الغربية، وتدعو إلى تغيير نظام التعليم فى نيجيريا، أنها لاتؤمن الا بالتعليم الذي يشبه نظام “الملالي” والحلقات الدينية. ولا تختلط بوكو حرام كثيرا بالمجتمعات الموجودة فيها، وتفضل الانعزالية بصفة عامة. وبشكل عام، فإن “فكر” جماعة بوكو حرام هو فكر تكفيري. ويؤدي أتباع بوكو حرام الصلاة في مساجد منفصلة في مدن من بينها (مايدوجوري وكانو وسوكوتو ) ويطلقون اللحى ويضعون على رؤوسهم أغطية حمراء أو سوداء. يلعب البعد العرقى دورا كبيرا فى تنامى حجم تنظيم بوكو حرام، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين، هما الهاوسا فى شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة الإيبو، وغالبيتهم من ألمسيحيين، وكثيرا ما تحدث اشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين.
يوجود في نيجريا أكثر من 350 عرقا وأكثر من 250 لغة وما يزيد عن 150 ديانة ويشكل المسلمون حاليا يشكلون أكثر من 60% من عدد السكان البالغ أكثر من 130 مليون نسمة، وهم يمثلون الأغلبية المطلقة في 19 ولاية في الشمال النيجيري من أصل 36 ولاية تتألف منها الاتحادية النيجيرية، ويمثل إقليم الشمال أكبر كثافة مسلمة حيث يشكل المسلمون فيها 95%.. وبصدور القانون الفدرالي عام 1999 والذي يجيز للولايات النيجيرية إصدار قوانينها الخاصة، بدأت بعض الولايات الشمالية المسلمة تسير نحو أسلمة القوانين. وكانت ولاية زمفرة أول ولاية تعلن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مرافقها، وذلك أواخر يناير 2000.
ترتكزايدلوجيتهم حول عدد من “الجهادية، ووتميز بالصلابة والخشونة، أبرزها تأسيس دولة إسلامية فى نيجيريا بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية فى جميع الولايات النيجيرية، وليس تطبيق الشريعة فى الـولايات الاثنتى عشرة الشمالية، وكذلك عدم جواز العمل فى الأجهزة الأمنية والحكومية فى الدولة. وقد صنفت الولايات المتحدة جماعتي “بوكو حرام” و”أنصار المسلمين” المنشقة عنها كمنظمتين إرهابيتين. وأمر البيت الأبيض بوقف التعاملات المالية مع المجموعتين وتجميد أصولهما المصرفية في الولايات المتحدة.
الصراع في نيجيريا قديم ومستمر ففي ستينيات القرن المنصرم حدثت حرب أهلية عرفت بـ “حرب بيافرا” كانت عبارة عن نزاع مسلح استمر من 16يوليو 1967 حتي 13يناير 1970 في محاولة من ولايات الجنوب الشرقي النيجري للاستقلال عن الدولة الاتحادية في نيجريا وإعلان جمهورية بيافرا، وراح ضحيته أكثر من مليون شخص، حتى استطاعت الحكومة المركزية من القضاء عليه.
أعلن الجيش النيجيري عن مقتل المسؤول الثاني في جماعة، بوكو حرام، في اب 2013 خلال مواجهات مسلحة شمال شرقي البلاد وقتل “مومودو باما “المعروف بأبي سعد، على ايدي قوات الجيش، وهو يعتبر الرجل الثاني بعد أبو بكر شيكاو، زعيم ألتنظيم.
واعترض الرئيس أوباسانجو على تطبيق الشريعة وحذر مرارا أنها أمر مخالف للدستور، وقال إن الرجم وقطع اليد يخالفان دستور نيجيريا، ولا يمكن التعامل به. وأوضح أن الدستور يتضمن المسائل المدنية التي تنص عليها الشريعة الإسلامية مثل الزواج والإرث، لذا دعا إلى تطبيق القانون المدني ورفض الشريعة.
وتهدد بوكو حرام الدولة ألنايجرية، والمصالح الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة التى تعتمد على نيجيريا بتوفير 8% من استهلاكها من النفط فى الوقت الذى تشهد فيه مناطق كثيرة فى نيجيريا وخصوصاً الشمال نموا واضحا للأتجاهات المعادية للسياسة الأمريكية الداعمة لنظام الرئيس النيجيرى جوناثان جود لك.
إن ظهور القاعدة خلال السنوات الاخيرة في منطقة غرب افريقيا وشمال افريقيا، المغرب العربي الإسلامي، اثارت مخاوف الدول الغربية وخاصة فرنسا بسبب ماتمثله غرب أفريقيا وافريقيا من أهمية في مصالحها الاقتصادية والسياسية. هذه الأهمية دفعت بحكومة باريس بالتدخل المباشر تحت مظلة الناتو للأطاحة بحكومة القذافي 2011، والتدخل العسكري المباشر في مالي البلد المجاور الى نايجيريا، الذي يعتبر معقل جماعة بوكو حرام، خاصة القسم الشمالي والشمال الشرقي، محاولة منها لفرض سيطرتها على عشرات المدن النايجرية ذات الأغلبية المسلمة.
إن مبايعة بوكو حرام الى تنظيم القاعدة المركزي في 2009، عمل على رسم خارطة جديدة لتواجد القاعدة. يجدر الأشارة إن مبايعة هذه التنظيمات وغيرها للقاعدة، لايعني سيطرة التنظيم ألمركزي على هذه الفروع تنظيميا، والاحداث برهنت خروج فروع القاعدة عن التنظيم المركزي، بالاحرى التنظيم تحول إلى شبكة للقاعدة. إن خارطة دول شمال افريقيا، المعروفة بتربتها القاعدية، أبرزها الجزائر ، جماعة ابو مصعب الجزائري وفي موريتانيا تنظيم الحركة من أجل ألوحدة والجهاد بزعامة الموريتاني أحمد ود خيرو، ورغم الأنشقاقات واختلاف التسميات، لكنها تقاتل تحت مظلة القاعدة ووتتضمن في داخلها جنسيات من مختلف شمل المغرب العربي وغرب افريقيا، مالي ونايجريا وكذلك تنظيم أنصار ألدين بزعامة اياد غالي في دولة مالي ـ باماكو. إن تشديد الرقابة في المغرب العربي الأسلامي، دفع ذات التنظيمات بالتمدد الى مالي ونايجيريا، لتكون ملاذ وارض جهاد في نفس الوقت. التقارير الأستخبارية كشفت عن استخدام القاعدة في بلاد المغرب خاصة جماعة” دروكال” فقد اعلن من المغرب الاسلامي فتح معسكرات تدريب واعداد المقاتلين في مالي، وشاركت كتائب ايضا في الحرب الدائرة في سوريا.
إن الترابط الجدودي الموجود مابين دول المغرب الأسلامي مع غرب إفريقيا بدون وجود موانع طبيعي مثل البحار والمحيطات سهل الكثير من القيادات في المغرب السلامي بالتسرب الى نايجيريا عبر النيجر والى مالي عبر الحدود الجزائرية وذات الشيء ينطبق على موريتانب مع دولة مالي. لتكون غرب افريقيا خاصة نايجيريا ومالي اكثر من حديقة جهادية خلفية، تستقطب القيادات القاعدية خاصة المنشقة عن المغرب الأسلامي.
أن عملية اختطاف 7 فرنسيين في الكاميرون ونقلهم إلى نيجيريا هي عملية من سلسلة عمليات عنف شهدتها منطقة غرب أفريقيا مؤخرا في فبراير 2013، ما أعاد الاهتمام برصد الحركات “الجهادية” التي اتخذت من هذه المنطقة قاعدة لها. هنا يجدر الأشارة إلى إن عصابات بدأت تتخذ من بوكو حرام وتنظيمات اخرى واجهة للقيام بأعما خطف رهائن والمساومة عليهم. ومجموعة الموقعون بالدم”، يقودها الجزائري مختار بلمختار، وهي مجموعة جهادية أسست نهاية عام 2012، اشتهرت في يناير 2013 بالعملية التي نفذوها في عين أميناس في الجزائر واختطفوا خلالها 37 رهينة. وهي العملية التي قتل فيها عدد من الغربيين والآسيويين وجزائري. القاعدة والتنظيمات “ألجهادية تستغل التضاريس والجغرافية والحدود. ولم تكن مشاركة غربيين في هجوم” تيقنتورين” الذي استهدف مصنع الغاز في الجزائر، في منتصف شهر يناير 2013، مفاجئا، وكانت أجهزة المخابرات الغربية على علم بوجودهم في التنظيمات “الجهادية ” شمال مالي. مايحصل في افريقيا، يبرهن نظرية تمدد القاعدة عبر الحدود مثلما حاصل بين افغانستان والباكستان وسوريا والعراق واليمن والصومال وغيرها من السوح القاعدية، وليعلن إشارة إنذار في القارة الافريقية.وهذا يعني بان غرب افريقيا سوف تشهد إستقطاب إلى تنظيمات ومقاتلين جدد.
إن ظهور مثل هكذا تنظيمات جهادية، يعقد بل يشتت اي جهد دولي لمواجهة الأرهاب والتنظيمات الجهادية، هذا التمدد بالتأكيد سيخفف الضغط والمراقبة على التنظيمات الاخرى خاصة في المغرب العربي الأسلامي.
برغم إن نايجيريا تعتبر من أغنى الدول الافرقية بسبب ما تمتلكه من إحتياط النفط ويمثل جزء من واردات النفط الى فرنسا والغرب، فأن البلد يعاني من الفقر ومن التصحر ومن البطالة والامية، ليمثل نسبة المتعلمين في نيجيريا دون 10%. لذا إستغلت بوكو حرام عدة عوامل في شمال وشرق نايجيريا ذات الاغلبية الأسلامية، لكسب مزيدا من المقاتلين. فأستطاعت جماعة بوكو حرام ايضا استغلال التسييس والفساد داخل الحكومة النايجيريا وخاصة الامن والجيش، لتستطيع اقتحام السجون وقتل المئات. أستثمرت بوكو حرام ايضا عامل العرق والدين، لتصعيد عملياتها “الجهادية” في المدن ذات الأغلبية المسيجية، وشهدت المناطق الشمالية العديد من المجازر بحق المدنيين على أيدي بوكو حرام ، رغم محاولات الجيش في إبادة الجماعة واستخدام القوة. فقد أعلن الجيش النيجيري في 27 نوفمبر 2013 مقتل 40 مسلحًا يشتبه بانتمائهم لجماعة بوكو حرام المتشددة في غارات على معسكراتهم بقرية “بيتا بمنطقة جامبوا جوانزو بولاية بورنو شمال شرق نيجيريا قرب الحدود مع الكاميرون. لقد ظهرت بوكو حرام حالها حال بقية التنظيمات القاعدية، بسبب فراغ السلطة والفساد السياسي. يذكر أن الرئيس النيجيرى جودلاك جوناثان قد أعلن أكثر من مرة حالة الطوارئ فى شمال شرق البلاد في ولايات يوبي وبورنو وادماوا وأمر الجيش بالنزول إلى تلك الولايات لمطاردة أعضاء من جماعة بوكو حرام.
جاسم محمد
*باحث في مكافحة الإرهاب والاستخبار*