ما خلا أي عصر من عصور التاريخ إلا وبه معركة حامية الوطيس بين القديم والحديث وبين الأسود والأبيض وبين موالي لنظام ومعارض له فكريا أو سياسيا. كما أنه لم يخل أي عصر إلا وبه مرشدون, وموجهون ركبوا في الغالب الوطنية مطيه والوسطية وسيلة والدين نهجا ومنهجا. وصحيح أن الإنسان لا يحس بذاته ألا إذا عرف أصله وجذوره, لكن في المقالب لا تبنى الدول على التفرقة والتهميش, والظلم والقبن والتباين أمام القانون.
ويغيب أحيانا عن البعض أن الشعوب بنت الدول والإمبراطوريات قديما, وتوسعت على حساب غيرها حبا في أوطانها ودفاعا عنها. ولم تكن قوانين هذه الدول ودساتيرها إلا حصنا جامعا منيعا لشعوبها يحفظ لكل ذي حق حقه, تزامنا ومعاصرة للظروف التي مرت بها. ومما هو معروف عند الموريتانيين وغيرهم أن الأمم تتجاوز التاريخ لتأخذ منه العبر والمواعظ والدروس التي تسمح ببناء حاضر سليم ومستقبل زاهر لا غبن فيه ولا مغبون, ولا ظالم ولا مظلوم. ومن الركائز الأساسية التي يقوم عليها كل ذلك, الاحترام المتبادل بين الجميع, وعدم التجريح والتطاول على الغير, واحترام الرأي والرأي الأخر ومعالجة المشاكل والتصدي للظواهر بحكمة وعقلانية مع طرحها على المحك, والبحث عن مكمن الخلل فيها, والطرق السليمة لحلها.دينيا ودنيويا
وقد لا يعاب علي الفرد أو الجماعة الطموح إلى الأفضل, وحب الاستفادة من خيرات البلد, بل حق شرعي يخوله لها القانون, حين يكون مساهمة في تقدم الأمة وازدهارها, لا تفرقتها وتدهورها, أي بكل بساطة أن لا يكون مخالفا للقانون.
ومما يجب لفت الانتباه إلى أهميته, أن القانون لا يحمي الدولة وأقويائها فقط بل يحمي الفرد والجماعة كذلك أو يجب أن يكون وإلا فليس قانونا. و أنه يفرض على الجميع الانسجام والمطالبة بحقوقه في ظل صيانة حقوق الآخرين.
وحفاظا على تماسك الشعب الموريتاني وفي ظرف كهذا تتلاطم فيه أمواج الطبقية, اقترح القيام بورشات وندوات, وأيام تفكيرية حول المجتمع الموريتاني والتسيير المحكم لبلاده, بمساهمة الجميع من مفكرين وساسة, ومثقفون وشيوخ قبائل وآدوابة, وحقوقيين وممثلي المجتمع المدني, للخروج بتوصيات ومعاهدات تكون بمثابة وثيقة شرف تضع الوطن والمساواة على أرضه فوق كل الاعتبارات, وفيها يذوب الحرطاني, والبيظاني, والكوري, والمعلم وايكيو, وما على شاكلتهم من تسميات سموا بها أنفسهم أو أطلقها بعضهم على بعضهم. وما المرء إلا حيث يجعل نفسه = وإني لها فوق السماكين جاعل.
*أستاذ بجامعة نواكشوط