العمل الصحفي الجاد ضرب من التصوف الحارق، والصحفي المحترف صوفيٌ مدنفٌ بالفطرة. لذلك لا أقرأ العبارة التالية لأبي حيان التوحيدي التي يصف فيها جماعة من الصوفية إلا خيل لي أنه يصفنا معاشر الصحافيين:
أنتم برد الآفاق، وجوالة الأرض، ولقّاطة الكلام، ويتساقط إليكم من الأقطار ما يتعذر على عظماء الملوك وكبراء الناس”.
هذا التجوال في الأرض والتنقيب عن أخبار الأمم والشهادةُ على حركات العمران لا يمر في عالمنا دون ضريبة فادحة في معظم الأحيان. لكن الصحافيين الحاملين للهم لا يبالون بتلك الضريبة، بل يدفعونها بسخاء من جسومهم وحريتهم.
إسحاق بن المختار واحد من ألئك النفر.
لم يستطع ابن المختار – بحسه الصحفي- تركَ القصة الإنسانية المجلجلة والجرح النازف في بلاد الشام يتشكلان بعيدا عن ناظريْه.فدخل سوريا ذات مساء وعدسته بين يديه وقلمه بيده ليكون عين التاريخ الساهرة التي ترصد اللحظة التاريخية في بوادرها الأولى. يقول دارسو الإعلام إن التقرير الصحفي هو النسخة الأولى من التاريخ المكتوب، وهذا ما حاول إسحاق أن يكتبه بكل مهنية وتجرد.
لستَ محتجزا أخي إسحاق، بل حر طليق تغرد، فنحن المحتجزون تشوفا لأخبارك وخوفا عليك. لست معتقلا، فلا يعتقل من تسكن ذكراه قلوب أهله وصورته شاشات وطنه.
لست مغيبا، فلم يغب من تضج حواري بلاده ومساجدها بالدعاء له أن يعود لأهله ومحبيه. لن تخيب تلك الأكف المرتفعة المرتجفة في جوف الليل، ولن تذهب تلك التمتمات المكبوتةهباء.
لا أعرف أين أنت –أخي إسحاق- ولا متى سأراك. لكني واثق كل الثقة أني سأراك قريبا لتحكي لي عن ليالي حلب الشهباء وعن ضريبة الكلمة الحرة ومغامرات الصحافة الجادة.
أحمد فال الدين