توفي مساء أمس الفنان العربي الكبير وديع الصافي عن عمر ناهز 92 عاماً بعد مسيرة فنية حافلة بالإبداع والعطاء غير المحدود في خدمة الفن والأغنية الشعبية والوطنية ومتميزة بالروح الوطنية الكبيرة التي تمتع بها وجسدها في أغانيه ومواقفه.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان أن الفنان الصافي تعرض لوعكة صحية مساء أمس أثناء تواجده في منزل ولده طوني ببلدة منصورية شرق بيروت ونقل على إثرها إلى مستشفى بيل فو حيث فارق الحياة فيها.
ونعت وزارة الإعلام ونقابة الفنانين في سورية الفنان الكبير الصافي الذي أصبح مدرسة يحتذى بها في الغناء والتلحين وتقدمتا من أسرته بخالص العزاء.
وسيشيع جثمان الفنان الصافي بعد ظهر الاثنين القادم في كاتدرائية مار جرجس وسط العاصمة بيروت.
ويعتبر الفنان الصافي عميد الأغنية اللبنانية وأحد عمالقة الطرب العربي حيث تربع على عرشه فترات طويلة ولقب بصاحب الحنجرة الذهبية وأقام بصوته جسرا من الحنين بين المغترب ووطنه واقترن اسمه بجبال لبنان التي لم يقارعها سوى صوته الذي صور شموخها وعنفوانها.
وتربط الفنان الصافي علاقة حب متميزة بسورية والسوريين حيث أكد مرارا أن الشعبين السوري واللبناني شعب واحد وقال “يشرفنا جميعنا أن نكون سوريين لبنانيين ولبنانيين سوريين” وقدم أغنيتين هما “إلاك يا أمل وسورية وطن السلام” كعربون شكر لسورية قائدا وشعبا مشيرا إلى أنها كانت سباقة في رعاية الفن والفنانين.
وولد الفنان الصافي واسمه الحقيقي وديع فرنسيس في 1 تشرين الثاني عام 1921 في قرية نيحا بقضاء الشوف وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد وعاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان.
ونزح الفنان الصافي مع عائلته إلى بيروت عام 1938 ودخل مدرسة دير المخلص الكاثوليكية وكان المنشد الأول في جوقتها وبعد ثلاث سنوات اضطر للتوقف عن الدراسة لمساعدة والده في إعالة العائلة ولأن جو الموسيقى كان يطغى على حياته.
وشارك الفنان الصافي في مسابقة غنائية نظمتها إذاعة لبنان الرسمية التي كانت تعرف بإذاعة الشرق الأدنى ونال الجائزة الأولى في الغناء من بين أربعين متباريا ولشدة إعجاب لجنة التحكيم بصوته طلبت منه الانتساب رسمياً إلى الإذاعة وأطلقت عليه اسم وديع الصافي بدل وديع فرنسيس.
واستطاع الفنان الصافي خلال فترة قصيرة إبراز موهبته على أفضل وجه وكانت أول أغنية فردية له بعنوان “يا مرسال النغم” وبعدها “طل الصباح وتكتك العصفور” عام 1940 لينشد لاحقا العتابا والغزيل وأبو الزلف وغيرها من أغاني الفولكلور الشعبي بجدارة.
وسافر الفنان الصافي بحثاً عن لقمة العيش إلى مصر عام 1944 وإلى دول أميركا اللاتينية عام 1947 وبقي ثلاث سنوات وأحيى فيها حفلات فنية ثم عاد إلى لبنان وشكلت أغنية “ولو” المأخوذة من أحد أفلامه السينمائية في أوائل الخمسينيات علامة فارقة في مشواره الفني حيث سمعها الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب وأبدى إعجابه الشديد بصوت الصافي.
وانهالت العروض على الفنان الصافي لإحياء الحفلات وتمثيل الأفلام وصار ملك الغناء من دون منازع وقيل عنه في مصر مبتكر المدرسة الصافية في الأغنية الشرقية وتعرف في القاهرة على ملحنين وممثلين وأنجز معهم العديد من الأعمال الفنية.
وغنى الفنان الصافي مئات الأغاني وجذب الأجيال بصوته فأطرب الكبار والصغار ومنها ما أفرح القلوب مثل “عاللوما ولرميلك حالي من العالي ولبنان يا قطعة سما وجايين وعندك بحرية يا ريس والله يرضى عليك يا ابني وعاليادي اليادي” ومنها ما حرك الحنين لدى المغتربين كأغنية “على الله تعود على الله”.
وعمل الفنان الصافي مع العديد من الموسيقيين في أواخر الخمسينيات من أجل نهضة الأغنية اللبنانية والعربية انطلاقا من أصولها الفولكلورية من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعته مع فيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف ووليد غلمية وعفيف رضوان وتوفيق الباشا وسامي الصيداوي وغيرهم.
وغادر الفنان الصافي لبنان مع بداية الحرب الأهلية عام 1976 ليستمر بالدفاع بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة والإعلان عن اعتراضه على هذه الحرب الظالمة وألف منذ الثمانينات الألحان الروحية نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه.
وخضع عام 1990 لعملية القلب المفتوح ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء وإحياء الحفلات في لبنان وخارجه بمشاركة العديد من الفنانين العرب والأجانب وحصد نجاحا منقطع النظير.
وغنى الفنان الصافي الآلاف من الأغاني والقصائد ولحن العدد الأكبر منها وتعامل مع أهم الشعراء والملحنين وشارك في مئات المهرجانات واللقاءات والحفلات في العديد من البلدان العربية والأجنبية وكرمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق ومنحه الرئيس اللبناني السابق إميل لحود وسام الأرز برتبة فارس ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى.
والفنان الصافي متزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس وله ستة أولاد دنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
أما آخر أغنياته فكانت بعنوان ” وطن السلام سورية” من كلمات د. نبيل طعمة:
وَطَنُ السَّلامِ
سورية سورية
هي لوحةٌ
رُسمَتْ بِها
كُلَّ المَدَائِنِ
هي شُعلةٌ
وَضِاءةٌ
نُورُ الإلهِ
أَحَاطَها وأَحَبَّها
وَطَنُ السَّلامِ
بَلدُ الروَائعِ والقِمَم ْ
بَلدُ الرجالِ والهِمَمْ
ضَمَّ الثَرى
في سورية
المعْمَدَانَ وَخَالدَ
وَحَافظَ
في قِمةِ
المَجْدِ الكَريمِ
فيها خَلَدْ
حَملَ الأَمانَةَ بَعْدَهُ
بَدراً بِها
يَتَجوَّلُ
يَغْدو لَها
قَمراً يُنيرُ سَماءها
بَشار
سورية يا سورية
وَطَنُ العُروبةِ
والإِباءِ تَفاخَري
أَ نْتِ العَرينُ
حمى الإلهُ
بِناءَكِ
لَيثُ الشهامةِ
رَجُلُ الكرامةِ
حمل الأمانة
وأتمن