تقرع هذه الأيام طبول زيارة الرئيس لولاية الحوض الشرقي، وهي فرصة لا تشترى بثمن ستركبها المصفّقة الشرقية “للهيدنة” (المديح) وقول الزور والإسراف والتبذير وحمل الدهماء والفقراء على ما لا طاقة لهم به. إنها أيام سيحشر فيها الناس من الأعماق والأدغال ومن قراهم المهمشة ومزارعهم
المصوّحة في سيارات الدفع الرباعي وعلى ظهور الجمال والخيل والحمير في صعيد واحد كي يلقي عليهم هذا الرئيس نظرة احتقار من خلف نظارة سوداء سميكة، ثم يلقي فيهم خطابه الانتخابي المعروف بعد عتمة الليل؛ فيصفقون، ثم يصفقون كرّتين ثم يعودون في أسمالهم البالية وأثوابهم الخلقة إلى سيرتهم الأولى وبؤسهم السرمدي ويركب هو طيارته ملآنَ بطن مرتاحَ نفس إلى القصر الذي كان حارسه ذات يوم. لا أعرف بأي وجه يزور الرئيس أي ولاية من هذا الوطن، وبأي وجه يزور ولاية الحوض الشرقي خاصة؟ إن هذا الرئيس يحتقر سكان الحوض الشرقي ولا يقيم لهم من الوزن مثقال حبة من خردل؛ بسبب ما يرى من ابتذال مصفّقة الشرق وشدة خنوعها وذلّتها، ولما يعرفه في بعض أطرها المقربين من التملق وحب الذات والانصراف عن مصالح الناس. لا يمكن لمواطن ذي كرامة وعزّة أن يخرج من بيته في النعمة أو في جكني أو في غيرها من المقاطعات ليلهث مغبرّ القدمين متعثر الخطو خلف سيارة هذا الرئيس الذي لم يعبّد له كيلومترا واحدا من الطريق، ولم يبنِ له مستشفى محترما ولم يسقه من عطش ولم يطعمه من جوع. إن ولاية الحوض الشرقي هي أكثر ولايات الوطن عدداً وأقلها استفادة من موارد بلدها؛ فمطارها الوحيد مغلق أمام الطيران المدني حتى يكتمل تهميشها، وآثارها التاريخية منسية مهملة، ولا يربط بين أي من مقاطعاتها السبع طريق معبّد باستثناء طريق الأمل بين عاصمة الولاية ومقاطعة تمبدقه، وهو طريق شُق منذ عهد الراحل المختار ولد داداه رحمه الله، وتشقّق في عهد هذا الجنرال الحاكم دون صيانة رغم أن أكثر ما تفاخر به هذه السلطة هو تشييد الطرق!! هذا الرئيس الذي يقرع طبوله لزيارتكم بعد أيام يا سكان الحوض الشرقي رئيس يعاملكم بدونية في كل شيء، وهو لا يعبأ بكم لولا أصواتكم الانتخابية؛ ومصداقا لما أقول انظروا نظر قياس ومقارنة بين مقاطعة “اظهر” التي أنشاها في الولاية ومقاطعة “الشامي” التي أنشأها في ولاية انواذيبو، أنا لا أقول إن “الشامي” لا تستحق ما أنجز فيها من منشآت فهي تستحق ذلك وأكثر ويستحق أهل انواذيبو على بلدهم حقوقا كثيرة لم ينالوها، لكني أريدكم يا سكان الحوض الشرقي أن تفهموا أن النظام غير عاجز عن جعل مقاطعة “اظهر” كأختها “الشامي” لكنه في الواقع غير راغب ولا راهب؛ غير راغب لأن الجهوية أعلى سهما في قلب رئيسه من الوطنية، وغير راهب لأن مصفّقة الشرق أذلت نفسها فاستذلها الحاكمون الذين استمرؤوا شراء أصواتكم عبر مقاولين انتخابيين، ولأنه نظام تعوّد تغييبكم فما عاد يراكم بشراً ولا مواطنين… أنتم من يجب أن تعبروا عن أنفسكم هذه المرة؛ فهذه المصفقة التي تسكن بينكم لا تعبر عنكم ولا تشبهكم أبدا في إبائكم وعزة أنفسكم، إنها لا تشبه إلا أنفسها المريضة المسترقّة المستعبدة ولا تمثل إلا قيم التبعية والهون والدون. بين يدي حفل الزور المرتقب بعد أيام في الولاية التي لا تزورها عصابات الحكم والسلطة إلا احتقارا واستحمارا، أقدم ملاحظات وأفكارا لمن يرفضون شهود الزور من مقاطعة النعمة ومن مقاطعتي جكني وبقية مقاطعات الولاية الكريمة. أقول لهم: احشدوا ضد هذه الزيارة ووسعوا دائرة رفضها بين الناس، وانشروا فكرة “الذين لا يشهدون الزور” التي أطلقتها مجموعة من شباب مقاطعة النعمة عبر عرائض شعبية وبيانات ومنشورات، وإن أمكن تنظيم مظاهرات شعبية أو شبابية موازية لحشد الدولة فذاك أمر مطلوب جدا؛ حتى تعلم عصابة الحكم ومصفقتها أن عهد الزيارات الاحتقارية للولاية ما عاد يقبله أحد. ثم لا تتركوا العصابة تستفرد بالحشود المحشورة بل ارفعوا لافتاتكم بكثافة في أوساط الشعب الطيّب الذي جلبوه بالترغيب والترهيب والقبلية والعصبية من القرى والأرياف، أما في حفل الزور الليلي فاقطعوا أحاديثهم وأباطيلهم بالهتاف ولا تعطوهم فرصة لقول الزور والعمل به، ولا تكونوا سماعين للكذب. يا أهل الحوض الشرقي لقد ظلمتم – كغيركم من الموريتانيين – كثيرا، وهمّشتم كثيرا وكُذب عليكم كثيرا، واحتقرتم كثيرا، وزورت أصواتكم الانتخابية كثيرا، فقدموا هذه المرة مثالا للشعب الموريتاني… ارفضوا زيارة الاحتقار والخيلاء والبغي… قولوا: لا، “اخليْتُ واذريْتُ”.