أعلنت الحكومة اليابانية أنها ستطلق تقنية البث 4Kالمتطورة بصوت وصورة مجملين بكثير من المهنية والتقنية الفائقة، و التي تتعدى بمراحل تقنية الHD العالية الجودة، تلفزتنا بدورها لم تتخلف عن الركب التقني، حيث سجلت التلفزة الوطنية -التي تقف على مسافة واحدة من الأطراف السياسية- براءة اختراع، بعد ابتكارها
لتقنية جديدة للبث التلفزيوني خارجة عن إطار المألوف، والمعقول، والمقبول.
وقد بدأت تجربة هذه التقنية-دون سابق إنذار- خلال نقل التلفزة الموريتانية لمباراة المنتخب الوطني للمحليين مع نظيره السنغالي، وكان الصوت يسبق الصورة بفرص، وتمريرات ،وا ختراقات، حسب واقائع “الماتش”، فمثلا بعد أنفراد المهاجم الموريتاني اسماعيل جاكيتي بمرمي السنغال كانت الهجمة في بدايتها ولم نلاحظ أي أنفرد إلا بعد برهة، وقد ضاعت الفرصة، وتأسفنا عليها كثيرا، لكننا استغربنا من “تكهن” المعلق الرياضي بفرصة لم نراها إلا بعد 15 ثانية تقريبا، ومن المعلوم في حسابات كرة القدم أن الهدف يسجل في 7 ثواني كما يقول خبراء الفيفا.
بعد تلك الفرصة الضائعة، ضاعت الثقة في شيخ المعلقين الذي بدا أنه يشغل خدمة “فوني” مع استديوا التلفزة الوطنية، والحمد لله أنه لم يتهم المصدر بالتشويش أو ضعف الإرسال، في مطلع الشوط الثاني عشنا على أعصابنا من ثرثرة المعلق الذي كان غائبا عن المشهد لأن صوته يسبق الصورة، وبسبب الفرص الكثيرة للمنتخب السنغالي لم نعد نحتمل المباراة، رغم تصديات الحارس الموريتاني سليمان جلو الناجحة لكرات المهاجمين السنغاليين.
لأول مرة نتمنى أن تنتهي المباراة ولم نعد نطالب اللاعبين بالإبداع والفوز، بقدر ما نطالب التلفزة بتقديم بث لائق يحترم المشاهدين في عصر التقنية.
تلك القناة التي يبدوا أنها لم تسمع بشيء يقال له النسخة النظيفة، بمعنى أن يشتري أي تلفزيون حقوق بث الحدث من المصدر، والتحكم في الصوت ،والتعليق ، والإعلان على الشاشة، و الترجمة، التلفزة فضلت اعتماد تقنية “السرقة” أو “الهبة” فبدأت تبث من التلفزيون السنغالي مباشرة، إلا أن تقنية التعليق بواسطة الهاتف النقال ابتكار محفوظ للتلفزة الوطنية.
لقد ضيع السنغاليون فرصا محققة خلال الشوط الثاني، وكنا مع كل فرصة نقف مشدوهين حائرين بسبب المعلق الذي يثير اعصاب مشجعي المنتخب الوطني المتسمرين أمام الشاشة الصغيرة، في ذلك الدربي الفريد من نوعه، بسبب النقلة النوعية للتلفزة، والتطور اللافت في تقنيات البث، حتى أن بعض المشاهدين كتم الصوت وبدأ يشاهد الصورة دون تعليق.
لقد كانت التسديدة الصاروخية للمهاجم السنغالي في الدقيقة الخامسة والستين رصاصة الرحمة على ما تبقى من احترام للمعلق الرياضي الذي تحدث عن الهدف قبل أن تبدأ الهجمة أصلا، وقبل أن تعانق الكرة شباك الحارس الموريتاني سليمان جلو، إلا أنه وللحق قد تمكن من شحن هاتفه النقال جيدا، وتزويده ببطاقات الرصيد، وتشغيل خدمة الساعة أو فوني مع الاستديو في نواكشوط، وبدا الأمر مضحكا بقدر استفزازه للمشاهدين، الذين تساءلوا ماذا فعل المعلق الموريتاني ببونيس.
الدربي الغرب أفريقي يعتبر حساسا لمشجعي الكرة في موريتانيا والسنغال، ويطبعه الحماس والندية، حتى انه يكاد يكون أهم من “حلم” الترشح “لتصفيات” كأس أفريقيا، بالنسبة لجمهور الكرة ، واتحاد اللعبة، و حتى للذين لا يشجعون الكرة أصلا، تماما كما هو الدربي المغاربي بين الجزائر و المغرب، وكذلك الدربي اللاتيني بين البرازيل والأرجنتين، أو الدربي الأوروبي بين المانيا وانجلترا بفارق المستوى الفني والنقل التلفزيوني طبعا.
حدث مرة أن قررت الجماهيرية الليبية أيام الزعيم الراحل معمر القذافي أن تنقل مباريات كأس العالم لأول مرة في الولات المتحدة الامريكية في دورة كأس العالم عام 1994، ونظرا لأن ليبيا في ذلك الوقت لم تكن تلفزتها مهتمة بنقل الألعاب الرياضية لاعتبارات سياسية أنذاك، غاب عنها الكادر المؤهل لتغطية الأحداث الرياضية الهامة، بحجم بطولة كأس العالم، حيث انتدب التلفزيون الليبي حينها معلقين رياضيين هما صلاح وعياد وكانا يعلقان على مباريات كأس العالم التي تنقل بتوقيت متأخر نظرا لفارق 8 ساعات، حيث كان النعاس يحاصر المشاهدين ورغم أن متعة اللعبة تثير الحماس و الحيوية، إلا أن تعليق الزميلين عياد وصلاح كان يصيبك بالدوار و الغثيان، و يتميز بالرداءة، وضعف المعلومات، وقلة الحماس، حتى أن أحدهم يقول لماردونا اللاعب الأرجنتيني رقم 10 وهي قمة الجهل الكروي.
في تلك الأثناء كانت ليبيا تعاني من الحصار الأمريكي على خلفية قضية لوكربي الشهيرة، وكانت الولايات المتحدة تطالب بشخصين تتهمهما بالتخطيط لتفجير طائرة البانام الأمريكية، وهما الأمين فحيمة، وعبد الباسط المقرحي، لكن الليبين حينها يتندرون بأن أمريكيا تخلت عن المطالبة بالشخصين المتهمين بتفجير الطائرة الأمريكية، وباتت تطالب بصلاح وبلعيد اللذين علقا على مباريات كأس العالم في أمريكا 1994 من خلال التلفزيون الليبي وتتهمهما بإفساد متعة كأس العالم .
وتكمن أهمية تقنية التلفزة الوطنية في أنها لعبت دورها في نقل المشاهد من الاستياء من الهزيمة، إلى الغضب من النقل التلفزيوني الباهت والتعليق الرياضي الذي تسبب في شلل الجمهور، الذي بات يطالب بمحاكمة مديرة التلفزة والمعلق الرياضي.
المامي ولد جدو