تحظى الفنانة الشابة الصاعدة وردة بنت سيدي ولد همد فال بمكانة عظيمة في قلوب الجماهير الموريتانية، ليس بوصفها حفيدة عمالقة الفن الموريتاني فحسب، بل لأنها درة فنية ثمينة، ونادرة في عالم الفن الموريتانيولدت فنانة الشباب وردة بنت همدفال عام 1985 في نواكشوط، وبدأت مبكرا تعلم مبادئ “أزوان” عزفا وغناء على أبويها الفنانين الكبيرين سيدي ولد همد فال وسكتو منت همد فال، وعلى أختها الفنانة مامه منت همد فال، حيث نهلت من معين فنونهم الغزيرة، وكانت ذكية وماهرة في كل مراحل التعلم.
لم تستغرق وردة وقتا طويلا حتى صارت تجيد العزف والغناء في آن واحد، فنالت إعجاب الأبوين المعلمين الحنونين، والأخت مامه، ثم إعجاب الأقارب والأصدقاء، قبل أن تصبح محل إعجاب لكل من يستمع إلى صوتها الرخيم، وعزف أناملها الساحرة.
قدمت الفنانة وردة “الموريتانية” أحلى وأجمل الأغاني منذ بدأت مشوارها الفني، ولم يتوقف جمهور منت همد فال على الموريتانيين، لكنه امتد ليشمل الجماهير العربية، بل وحتى من العالم غير العربي، حيث ساهمت في تطوير الأغنية الموريتانية ومثلت الوطن أحسن تمثيل.
شاركت فنانتنا المتألقة في حفلات ومهرجانات شتى داخل وخارج الوطن، وتألق نجمها الساطع في سماء الفن العربي، فأينما حلت الفنانة وردة وصدحت بصوتها العذب انبهرت الجماهير بذلك الصوت الجميل، القادم من وديان وواحات بلاد شنقيط العريقة.
وكانت آخر أغنية غنتها الفنانة وردة منت همد فال هي أغنية “القلب الأخضر” كلمات المستشار الرئاسي والشاعر الكبير محمد ولد الطالب، وألحان الموسيقار أحمد سالم ولد البوبان، وحققت الأغنية نجاحا كبيرا في مهرجان الأغنية العربية الذي احتضنته مؤخرا جمهورية تونس، وحصلت الفنانة وردة – كعادتها – على شهادة تقدير عالية من اللجنة الفنية المشرفة على المهرجان.
وتستعد الفنانة وردة منت همد فال هذه الأيام للسفر إلى بلاد الرافدين، لتمثيل موريتانيا في مهرجان فني كبير تشارك فيه إلى جانب العراق وموريتانيا، الدول العربية الأخرى، وتمت دعوتها إلى هذا المهرجان من طرف اللجنة المنظمة للمهرجان في دولة العراق الشقيق.
في منزلها بنواكشوط استقبلتنا الفنانة الشابة وردة منت همد فال بالسرور والبسمات على عادة الموريتانيين، وكانت بصحبتها الأم والمربية الفنانة الموريتانية الكبيرة والشهيرة سكتو منت همد فال، وأجرينا معها الحوار التالي: كارفور: بداية.. الفنانة وردة قدمي لنا ورقة تعريفية عنك؟ الفنانة وردة: أنا اسمي وردة بنت سيدي ولد همد فال، والدي هوالفنان والشاعر والكوميدي سيدي ولد همد فال، ووالدتي هي الفنانة الشهيرة سكتو بنت همد فال، وأنا من مواليد 1985 في انواكشوط.. ترعرعت في أحضان أسرة فنية من مدرسة تكانت.
كارفور: متى بدأت مشوارك الفني؟ وردة: بدأت مشواري الفني منذ كنت صغيرة في سن التاسعة تحت إشراف الوالد و الوالدة سكتو منت همد فال، والأخت الفنانة مامه بنت همد فال، وكان للأخيرة دور بارز في صقل وإبراز موهبتي الفنية، غنيت للوطن مجموعة من الأغاني، وغنيت الكثيرة من مدائح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان يرافقني دائما ويواكبني في مسيرتي أخي الفنان فؤادي ولد همد فال.
كارفور: بما أن الفنانة وردة فنانة شابة وعصرية فإلى أي أشكال الموسيقى تميل؟ الموسيقى الموريتانية التقليدية؟ أم الموسيقى العصرية؟
وردة : الموسيقى التقليدية هي تراثنا الأصيل، وهي جذورنا التي نرتبط بها دائما ومن المستحيل أن أتخلى عنها، لكنني مزدوجة ولست ضد التجديد، بل أنا أجمع بين الإثنين، أغني التقليدي والعصري، والشرقي والغربي، ولا اقتصر على الموسيقى الموريتانية وحدها.
كارفور: ما هي أبرز مظاهر النقص التي تلاحظينها اليوم في الموسيقى الموريتاني؟ وردة : الموسيقى الموريتانية فن راقي جدا وغني، إلا أنني ألاحظ نقصا من ناحية تدريس الموسيقى، فالمعهد الموريتاني للموسيقى لا يدرسها فعليا، لكن يوجد كتاب ألفه الموسيقار المرحوم سيمالي ولد همد فال عنوانه “المحيط في موسيقى شنقيط” هو المرجع الوحيد لمن يريد اليوم دراسة موسيقى البيظان، فالمرحوم سيمالي هو الوحيد -حسب علمي- الذي كان يدون الموسيقى الموريتانية، وألاحظ على الوزارة عدم اعطائها لهذا الفنان الاهتمام الذي يليق بأمثاله، فهو الفنان والأستاذ الكبير الذي لم يعط حقه في حياته، ولم يجد ما يليق به من تقدير وتكريم، وتأبين بعد رحيله عن عالمنا رحمه الله، وأرجع أسباب ذلك أولا إلى الفنان الموريتاني نفسه، وإلى وزارة الثقافة، لكننا نحن الشباب الفنانين عندنا مشروع تأبيني سيكون سنويا إن شاء الله للفنان سيمالي ولد همد فال تقديرا وتكريما لما قدم للموسيقى الموريتانية. كارفور: هل أنت مع أو ضد تطوير الموسيقى الموريتانية؟
وردة : أنا طبعا مع تطوير الموسيقى الموريتانية، لكنني أشترط في ذلك الحفاظ على أصول الموسيقى والتراث الموريتاني، أحب الأغاني الهادفة التي تعالج المواضع التي تمس واقع الإنسان الموريتاني، الأغاني التي توجه المجتمع الموريتاني للتمسك بقيمه الفاضلة، وتساهم في توعيته، وتحث المواطن على أن يكون مخلصا لوطنه، والفنان بالنسبة إلي هو أقصر طريق إلى المواطن لأن جميع فئات المجتمع تستمع إليه.
كارفور: ما هي أهم المهرجانات التي شاركت فيها الفنانة وردة داخل وخارج أرض الوطن؟ وردة : شاركت في عدة مهرجانات وطنية داخل وخارج أرض الوطن، مثل احتفال الجالية الموريتانية في ساحل العاج في العاصمة أبيدجان، ووجدتهم لا يزالون يقدرون الموسيقى الموريتانية والفنان الموريتاني، والمهرجان الأخير الذي شاركت فيه هو مهرجان الأغنية العربية في تونس. كارفور: كيف كانت المشاركة الموريتانية في المهرجان الأخير في تونس؟
وردة : يكفيني شرفا أنني مثلت بلدي في هذا المهرجان، وقد شاركت بأغنية عنوانها: “القلب الأخضر” كلمات الشاعر الكبير محمد ولد الطالب، وألحان أحمد سالم ولد البوبان، وكانت تجربة ناجحة ورائعة، ورأيت من خلالها أن العالم معجب بالزي الموريتاني، والأغنية الموريتانية سهلة العبور إلى العالم الآخر، إلا أنها تحتاج إلى دعم وتوفير كل المؤهلات الضرورية للفنان، فقد وجدنا مشكلة في كتابة الأغنية بالنوتة لأنها لا توجد سبل لدراستها في موريتانيا، لكن الفنان الموريتاني موهوب، ولديه استعداد تام لكل شيء له ارتباط بالموسيقى، ونحن بحمد الله نتجاوز كل تلك العقبات رغم صعوبتها، ولا أنسى أن أذكر دعم وزارة الثقافة لي في مهرجان تونس الأخير. كارفور: نريد توضيحا أشمل وأكثر لأغنية القلب الأخضر؟
وردة : هي أغنية كلماتها من الغزل الجميل، وهي من إبداع الشاعر المبدع محمد ولد الطالب، أعجبتني كثيرا كلمات الأغنية، ومن دواعي نجاح أي أغنية أن يكون الفنان معجب بها ومستوعب للكلمات التي يغني ويحس بها، وأغنية القلب الأخضر لم تكن مبرمجة لتغنى في مهرجان تونس، إلا أنني قررت في الأخير المشاركة بها في المهرجان لأنها أعجبتني كثيرا، ولدي ملاحظة واحدة على مهرجان الأغنية في تونس، ولا أستطيع كتمانها، ألا وهي غياب السفارة الموريتانية عن المهرجان المذكور، فدولتنا هي الوحيدة التي لم تحظ بحضور سفارتها في مهرجان الأغنية بتونس. كارفور: تستعدين هذه الأيام للسفر إلى العراق.. أليس كذلك؟
وردة : نعم.. سأسافر قريبا إلى العراق لأمثل وطني الغالي موريتانيا، في الأسبوع الثقافي العربي، والكثير من الناس لا يشجع سفري إلى العراق بسبب اضطراب الأوضاع في بلاد الرافدين العظيمة، إلا أنني أصررت على الذهاب إلى العراق لأن المسألة تعني تمثيل الوطن، وأنا مستعدة للتضحية بنفسي من أجل وطني موريتانيا. كارفور: هل تفكرين بإجراء أعمال دويتو؟..الأغنية الجماعية
وردة: تعجبني الفكرة كثيرا ولدي أغاني سأغنيها مع الفنانة المعلومة بنت الميداح ويشرفني كثيرا أن أغني معها، وكذلك الفنان أسمان كانكي، فأنا أحب تمازج الموسيقى وعندي “دويتو” مع الفنان مرادي ولد أحمد زيدان عنوان الأغنية “أسير الشوق” والأغنية عبارة عن مزيج بين الموسيقى الموريتانية، والموسيقى الهندية، وهي أغنية جاهزة إلا أننا كنا نريد تسويقها، وهي من إخراج عبد الله ولد أحمد خليفة، وألحان مرادي ولد أحمد زيدان، وكلمات الشيخ الكبير ولد سيدي، لكننا في الأخير قررنا عرضها عبر وسائل الإعلام مجانا.
كارفور: هل تلحنين أغانيك بنفسك، أم أن لديك من يتولى التلحين؟ وردة : الفنان والموسيقار الكبير عرفات ولد الميداح هو من يتولى ذلك.
كارفور: لماذا الفنان الموريتاني لا يصدر ألبومات غنائية مثل بقية فناني العالم؟ وردة : أولا لا توجد شركات لتوزيع وإصدار الألبومات، كما أنه لا يوجد عندنا احتراما تاما للملكية الفكرية، فهناك مؤسسات تقوم بتسجيل الأغاني وتسويقها دون أن يستفيد الفنان الموريتاني منها ماديا.
كارفور: ما هو موقف الفنانة وردة من تهميش وزارة الثقافة الحالية للموسيقى وللفنانين الموريتانين حسب ما سمعنا من بعض الفنانيين؟
وردة : من وجهة نظري الفنان هو الذي يهمش نفسه، فالوزارة كثيرا ما ترسل الفنانين إلى مهرجانات خارج أرض الوطن، لكن بعض الفنانين أحيانا لا يحسنون أداء الدور المنوط بهم.
كارفور: الفنانة وردة ما هو موقفك من جريمة القتل بدافع الغيرة التي ارتكبها مؤخرا الفنان سيدي ولد دندني في مقاطعة تيارت؟
وردة : أتأسف عليها كثيرا، إلا أنها صدرت من شخص لا يتمتع بكامل قواه العقلية، وأعزي أسرة الضحية، وكافة الموريتانيين، وقد لاحظت أن هناك جريدة نشرت مقالا عن الجريمة تحت عنوان: “جريمة بطلها فنان” وأنا أحتج على هذا العنوان لأنه غير لائق، لأن الفن لا يرتبط بالإجرام، وهذا الفنان مواطن وله اسم وكان على كاتب المقال أن يذكره باسمه، ولا يمكن لشخص واحد أن يرتكب جريمة باسم فئة كبيرة من المجتمع الموريتاني.
كارفور: ما رأيك لو نبتعد قليلا عن الأسئلة الثقيلة وندردش حول حياة الفنانة الشخصية؟ وردة : تجيب مبتسمة (والله). كارفور: الفنانة وردة والشائعات؟
وردة : الشائعات هي ضريبة الشهرة والحمد لله لم يسبق أن تعرضت لها. كارفور: الفنانة وردة والأصدقاء؟
وردة : أحب جو الأصدقاء كثيرا، رغم أن ذلك في بعض الأحيان يؤثر على عملي ولو قليلا من ناحية الوقت. كارفور: الفنانة وردة في البيت؟
وردة : رغم انشغالاتي الفنية، فأنا أحب الاهتمام بشؤون البيت، والعناية بالضيوف والأطفال، وتوفير جو مريح في المنزل والنظام في الأسرة، والحمد لله أنا مرتبطة بشخص يحترم عملي ويهتم به، وهذا يشجعني على الاستمرار في مشواري الفني. كارفور: كيف هي علاقة الفنانة وردة بالمطبخ؟
وردة : أحب الطبخ كثيرا خاصة الطبخ المغربي، وأحب وجبات السمك والدجاج (أطاجين).
كارفور: الفنانة وردة هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى الفنان الموريتاني؟
وردة : أولا عليه أن يكون وطنيا مع أن الوطنية تكون في الغريزة، كما أوصيه بالحفاظ على التراث، ومحاولة توصيل الموسيقى الموريتانية إلى العالم رغم كل الصعوبات، وأدعوه إلى توعية المجتمع، والمساهمة في دعم المنظمات الخيرية والإنسانية،بل أدعوه إلى مساندة كل من يحتاج إليه وخاصة من البسطاء، وأن يكون اجتماعيا بفنه قدر المستطاع، وأنا شخصيا غنيت أغاني للتوعية من مرض السيدا، وحضرت مختلف المناسبات الاجتماعية كعيد المرأة وعيد الاستقلال. وفي الأخير أوجه شكرا خاصا للصحفية التي أجرت معي هذا الحوار، وشكرا “لوكالة كارفور للأنباء” على الاهتمام بالموسيقى والفنانين الموريتانيين، وأوجه تحية خاصة لمدير وكالة كارافور حسني ولد شاش.
وأرجو لكم مسيرة ناجحة، وعندي أغنية لموقع تقدمي جاهزة، وبهذه المناسبة أطلب إجراء أغنية لموقع كارفور فهذا شرف لي.
كارفور: شكرا للفنانة الرائعة وردة منت همد فال على إجرائها معنا لهذه المقابلة المتميزة، ونتمنى لها مزيدا من التألق والنجاح والتوفيق في كل مشارعها الفنية.
حاورتها: فاطمة بنت الناتي
نقلا عن: المحيط