فجأة اختفى الاحتقان من المشهد السياسي، بل يكاد يختفي الحدث السياسي نفسه عندنا هذه الأيام، لم نعد نسمع أو نقرأ عن لجنة تحقيقات في اتهامات المعارضة للرئيس الجنرال بالمتاجرة في المخدرات، لم نعد نسمع أو نقرأ أيضا دعوات الرحيل للنظام الحاكم الآن، وحتى الانتخابات التي لا تريدها المعارضة ويصر عليها الرئيس، بات الحديث عنها باهتا، لكأن الكل أخذ فترة راحة صيفية من العمل السياسي!، والأعجب أن هذا الهدوء والراحة تكررا في نفس الزمن من العام الماضي، وتلاهما إعلان الرئيس الجنرال عزيز و حزبه عن انتهاء أسطورة ” الربيع العربي” التي كانت تروج لها المعارضة وتحاول استنباتها هنا في رمالنا المتحركة!.
وحدها أخبار حزب تيار إخوة جميل” تواصل” مازالت تترى، فتارة هو يهب الماء والسقاية للطلاب في العاصمة نواكشوط أيام الباكالوريا، أو يدشن حملة لحل أزمة النقل عند الغروب ، بتوفير سيارات لنقل المتخلفين قرب العيادة المجمعة وأكنافها، وأخرى هو يوزع المؤونة والمال في الحوض الشرقي أو لعصابة، وو…..،إنها الطريقة الإخوانية المصرية المعروفة :أطعم الفم تستحي العين، وتنكسر، ويرق الفؤاد والقلب عند الدعوة للتصويت، خصوصا إذا ربطت بطريقة ماهرة برضى الله، الذي سيأتي خصيصا لصاحب الصوت الانتخابي الموجه لأولئك المحسنين!.
المهم الآن هو أن حزب تواصل وحده من ينشط الساحة بإعلامه، ويجعلنا نحس بأن ثمة شيئا ما يدب في واقعنا- لا نجزم أنه حياة- ، ويجعلنا بالتالي نطرح بعض الأسئلة: هل غاب الحدث السياسي عن حدته المشتعلة في الأيام الماضية، لأن الجميع يستعد لجولة عاصفة جديدة؟ أم أن الجميع يترقب ما سيحدث في سوريا بعد تدخل حزب الله في القتال، وإعلان ما يسمى اتحاد علماء المسلمين” رغم أنني لا أرى فيه سوى السنة وحدهم” الجهاد ضد حكومة سوريا و بمباركة حكومة مصر؟
هل ينتظر الجميع هنا ما قد يحدث لحكومة مصر الإخوانية يوم 30 يونيو الجاري، وما قد يحدث – لو انهار تماسك تلك الحكومة في وجه معارضيها- بالتالي لحكومات تونس، وليبيا، واليمن، و..المغرب،و………موريتانيا بالتالي على طريقة سقوط قطع لعبة الدومينو؟؟
يمكن فعلا أن يكون ذلك هو سر هذا الهدوء الذي يلف الجميع- باستثناء أخبار منجزات تواصل الخادمة!-، فنتيجة المعركة الدولية المفتوحة في سوريا تؤثر وتتأثر بما يحدث وقد يحدث في مصر، و تؤثر بالتالي فيما يمكن أن تؤول إليه صيرورة هذا الذي اخترق واقعنا السيئ ذات يوم، وسماه بعضنا بالربيع العربي أو الربيع الإسلامي .
ولكي نقارب الأمر دعونا في البداية لا نستغرق كثيرا في خدعة إعلامية ، تكرس أن ما يحدث في سوريا هو استجابة لداعي الجهاد ضد الرافضة الشيعة، ذلك أن من يبحث قليلا في النت، وبمساعدة الشيخ جوجل، سيعثر على فتوى بعنوان :” فتوى ساخنة من بلاد الحرمين للشيخ بن جبرين”، وقد صدرت هذه الفتوى كصرخة استغاثة إبان الاستهداف المنظم الذي تعرض له سنة العراق، من قبل بعض شيعته وخصوصا ما يسمى جيش المهدي- وهو صنو حزب الله-، إلا أن قناة الجزيرة ودولة قطر لم تهللا آنذاك للفتوى، ولم يتحدث عنها من يسمون اليوم ب ” علماء المسلمين”، و لم نر حينئذ أي احتشاد في قطر- كانت القاهرة مغتصبة آنذاك-، ولا دعوة للجهاد منها ضد الشيعة الرافضة الذين يستهدفون سنة العراق!، إذن يمكننا أن نجزم أن هذا الحراك القطري- العلمائي- الإخواني المصري الطارئ، له علاقة ما – واضحة أو خفية الله أعلم- بأخبار تتحدث عن نية حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تسليح ودعم المعارضة السورية!.
و يمكننا أن نشك على الأقل- إن تعذر علينا التصديق الكامل حاليا- أن الاستجابة المصرية المندفعة إلى حد الاستعراض السياسي، والذي تجلى في إعلان قطع العلاقات المصرية السورية، من قلب استاد القاهرة، ووسط الجماهير التي بلغت أزيد من 70 ألف، ثم إعلان الجهاد المصري ضد حكم سوريا من هناك، هي استجابة متعلقة بثمن سياسي مستقبلي على أمريكا و أوربا أن تدفعانه ، ويتمثل في التغاضي عما قد ترتكبه الحكومة المصرية من قمع وتجاوزات في حق المتظاهرين الذين سيخرجون يوم 30 يونيو بحول الله؟!
على كل حال ما يعنينا هنا في موريتانيا هو ما سينتج عن تلك العاصفة- الصيفية- والتي توشك أن تهب فيما كان يسمى ذات يوم عربي : الجمهورية العربية المتحدة- مصر و سوريا-. و قد يكون فعلا هدوؤنا السياسي هذا هو ترقب وانتظار قلق للآتي من خلف عاصفة المشرق تلك، ولتوقعنا مبرراته التحليلية.
فالرئيس الجنرال عزيز والذي هلل في الصيف الماضي لسقوط نظرية معارضته عن الربيع العربي الذي سيعصف بحكمه، قد يتمادى أكثر لو اندحر الإخوان في سوريا ومصر وتونس ، وقد يشجعه ذلك لتنفيذ ضربة سياسية وأمنية ضدهم هنا في موريتانيا، و إعادتهم إلى ما قبل نشوة الربيع العربي و حماسته ،التي وظفوها هنا ليقنعو البسطاء السذج أن ذلك علامة على انتصارهم ووراثتهم للأرض باعتبارهم هم المتقون وحدهم لا غير!.
أما إذا حدث العكس و استطاع الإخوان أن يرسخو وجودهم ويؤسسو دولة الجمهورية الإسلامية المتحدة- مصر و سوريا-، فيمكن توقع زيادة بريق الالتحاق بالإخوان والتحالفات مع حزبهم هنا، و بالتالي سنشهد معارضة يقودها بقوة حزب تيار إخوة جميل المعروف بتواصل، وقطعا سيكون هناك نوع من المباركة الغربية لوصولهم للحكم- ولو على حساب الجنرالات الحاكمين حاليا-، لأن إخوتهم حكموا في مصر وتونس وسوريا، وكانوا متعاونين وفق قاعدة براجماتية: مصالح الغرب تتحقق، ومصلحة التمكين لحكم الإخوان تتحقق، وليخسأ كل من يعارض ذلك!.
مدونة الكاتب