24 أبريل 2024 , 9:54

 بينهن أوروبية كتبت القرآن.. الخطاطات وإبداع درر الفن الإسلامي/ عمران عبد الله

 

 

لقرون طويلة، كان فن الخط العربي درة الفنون الإسلامية في العصور الإسلامية المبكرة والحديثة على حد سواء، وأبدع الخطاطون خطوطا عربية استخدمت للزخرفة والتزيين، وقال خطاط القرن السابع الهجري ياقوت الموصلي إن “الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية”.

وإذ كانت كتابة القرآن الكريم تمثل درة تاج كل كاتب وخطاط، فقد انبرى عدد كبير من الخطاطين والخطاطات لكتابته بالرسم العثماني المأثور، ومنهم خطاطة لم تأخذ حظا من الشهرة، وعاشت في العاصمة البوسنية سراييفو في القرن 18، ووقعت أعمالها باسم “أمينة ابنة مصطفى شلبي”.

تظهر الأعمال الفنية التي أبدعتها الخطاطات أنهن كن عضوات ناشطات للغاية في مجتمع الخط، وتعلمن الخط من كبار الخطاطين، وأبدعن روائع فنية منذ العصور الإسلامية المبكرة وحتى الزمن الحديث.

وفي مؤلفه “أدب الكُتّاب” للإمام أبي بكر يحيى الصولي، ينقل المؤلف المتوفي سنة 335 هـ عن محمد بن إبراهيم الأنصاري أبو الحسن قوله “وصف أحمد بن صالح جارية كاتبة فقال: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قرطاسها أديم وجهها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن سكينها سيف لحاظها، وكأن مقطها قلب عاشقها”.

الخطاطة البوسنية
في البوسنة العثمانية -التي اعتنق أهلها الإسلام تدريجيا وبشكل طوعي منذ دخول العثمانيين لها أواخر القرن 15 الميلادي، واستغرق الأمر أكثر من قرن ليصبح عدد المسلمين أغلبية في البلاد- عاشت أمينة في البلاد التي اعتاد جميع الأطفال فيها على الذهاب لمدارس تعلم الإسلام والأبجدية العربية.

وحسب الأكاديمي بجامعة سراييفو حارث درويسفيتش، كان الأطفال الذكور يواصلون تعليمهم في المدارس، ويكمل الإناث تعليمهن في منزل العائلة، ويدلل الباحث البوسني بوثيقة للأوقاف البوسنية في القرن 17، حيث يصرح فيها أحد النبلاء بأنه يعطي أموالا إضافية للأساتذة من أجل تعليم الإناث اللاتي أبدعن في فنون الخياطة والتطريز والنسيج والخط والكتابة الإبداعية.

وفي مقاله بمجلة الفنون الإسلامية، يستعرض درويسفيتش مصحفا يعود تاريخه لعام 1764، وكتبته أمينة مصطفى شلبي، وحفظ في مكتبة غازي خسرو بك في سراييفو بوصفه واحدا من أهم مقتنيات المكتبة العريقة.

تحتوي المخطوطة على 250 ورقة، وكتبت بخط النسخ، واستخدمت الحبر الأسود باستثناء أسماء السور وعلامات القراءة الخاصة، التي كتبت بحبر أحمر اللون، وذهبت صفحتا البداية، ولم تحتو المخطوطة على أرقام الصفحات، لكن الكلمة الأولى من أول كل صفحة وضعت أسفل الصفحة السابقة لها لتربط النص، بحيث لا تُفقد أي صفحة من صفحاته.

ويقول درويسفيتش في مقاله إن أمينة قد تكون تعلمت الخط في البيت، إذ كان لقب والدها “شلبي”، مما يعني أنه كان مواطنا ذا مكانة مرموقة في سراييفو، وكانت لديه على الأرجح إمكانية توفير تدريس خاص لابنته، ويظهر خطها أنها تمكنت من قواعد الكتابة بشكل صحيح، وأضافت علامات التلاوة والقراءة، فضلا عن القيمة الجمالية للنسخة القرآنية.

وفي الصفحة الأخيرة من المخطوط، وقعت أمينة باسمها، وقالت إنها انتهت من نسخه في سراييفو في حي “زابلجاك” الذي لم يعد موجودا في الوقت الحالي، ودعت من يقرأ المصحف أن يدعو لها بالرحمة ويقرأ الفاتحة.

خطاطات الماضي والحاضر
وفي كتابها “الخطاطات.. الماضي والحاضر”، تقدم المؤلفة هلال قازان سردا زمنيا للخطاطات وأعمالهن منذ العصور الإسلامية المبكرة وحتى الآن، وتتعرض للقواعد المهنية (الإجازة) في الخط، التي تدل على تشابه الفن الإسلامي مع العلوم الأخرى كالحديث والتفسير والفقه؛ مما يظهر المكانة المهمة للخط بين العلوم والمعارف الدينية.

وتقسم المؤلفة كتابها لقسمين؛ تناقش في الأول أعمال الخطاطات في العصر الإسلامي المبكر على مساحة جغرافية واسعة شملت الخلافة الراشدة والأمويين والعباسيين وغيرهم، وفي الثاني خطاطات الزمن الحديث.

وتتعرض المؤلفة لتقاليد الخطاطات في أراضي الدولة العثمانية وإيران وبغداد وسمرقند ومصر والرقة والأندلس وخراسان ودمشق وتونس والقيروان ولبنان والقدس ودلهي وحيدر آباد وقندهار وشيراز، وغيرها.

وتعتبر قازان أن هناك فارقا بين الكتبة والخطاطين؛ فالخطاط فنان مميز، وفي العصر الأموي بالأندلس تورد المصادر التاريخية آلاف الخطاطات، حسب المؤلفة التي استشهدت بثلاث أو أربع منهن في كتابها.

وتلاحظ المؤلفة أن قصور الأمراء كانت بيئة معتادة للخطاطات اللاتي نبغن في بلاط الصفويين والقاجار الذين عرفوا خطاطين بارعين، وكانت بنات الأمراء مثل شاه إسماعيل وحكام القاجار خطاطات معروفات.

وإذ تشهد بلدان إسلامية مثل المغرب وتركيا صحوة حديثة لفن الخط العربي، تظهر المخطوطات وشواهد القبور القديمة دور الخطاطات المبدعات منذ العصور الإسلامية المبكرة في المحافظة على هذا الفن العريق وتوريثه لأبناء الأزمنة الحديثة.

 

شاهد أيضاً

مدينة مراكش بالمغرب الشقيق تحتضن المهرجان العالمي للشعر

في إطار الاحتفال بمدينة مراكش المغربية عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي 2024 أعلن بيت الشعر …