24 أبريل 2024 , 11:06

محاضرة للدكتور محمد الأمين ولد داهي، أستاذ القانون الدستوري | العملية الانتخابية على ضوء تعديلات 20 مارس 2012 لدستور 20 يوليو 1991

unnamed خاص للمرابع ميديا  /  يكتسي هذا العرض أهميته المميزة كون نشره في هذا الوقت الذي تشهد فيه البلاد خوض انتخابات تشريعية وبلدية، يمثل إضاءة كاشفة على مجمل القضايا ذات الصلة بالعملية الإنتخابية والغاية منها والهدف من الإسترشاد بالدستور والقوانين المتعلقة بمسألة الإنتخابات عموما في بلادنا.

والعرض يقدمه الأستاذ المحاضر البارز في جامعة نواكشوط، والغني عن التعريف  الدكتور محمد الأمين ولد داهي.

العملية الانتخابية على ضوء تعديلات 20 مارس

2012 لدستور 20 يوليو 1991

 المزايا والتحديات و الخطوط العريضة للقانون الانتخابي الموريتاني

عرض: داهي محمد الأمين، أستاذ قانون بجامعة نواكشوط

جامعة نواكشوط 23 دجمبر 2013.

 منذ دخول مسار الدمقرطة  الذي أقره دستور 20 يوليو 1991 حيز الإعداد والتنفيذ، كانت  الجمهورية الموريتانية الثانية ما تزال تبحث عن توازن معياري ومؤسسي يكون عاكسا للتحول الثقافي-السياسي العميق والمتسارع الذي بدأنا نعيشه منذ المرحلة الانتقالية الديموقراطية 2005-2007.

وبصورة عامة، فإن المجتمع الموريتاني في حالة انتقال من نظام إلى آخر منذ 1991، انتقال نحو ترتيب أو تنسيق جديد ما زال رسم ملامحه وحدوده النهائية لم يكتمل بعد تماما. وهذه الوضعية  الانتقالية تطال أيضا، بطبيعة الحال، البيئة القانونية. نحن نعيش في الواقع، ليس فقط انتقالا على مستوى القانون، ولكن أيضا بقانون انتقالي هو إذن ما يزال قيد التكوين.

والحالة الانتقالية التي عليها القانون الموريتاني محسوسة بصورة خاصة على أرضية القانون الدستوري، وبدرجة أكثر خصوصية أيضا على مستوى القانون الانتخابي. ومن ثم فإنه يبدو من المفيد وضع اليد على العناصر المساعدة على بلورة  وتطوير مدونتنا الانتخابية الموريتانية التي لم تعد أهميتها بالنسبة للحياة السياسية  بحاجة إلى إثبات.

لقد كشفت مختلف الانتخابات المنظمة منذ 1992 وخاصة رئاسيات 25 يناير 1992 المعترض عليها، وانتخابات دجمبر 1997 التي قاطعتها المعارضة، وانتخابات نوفمبر 2003  وكذا انتخابات 18 يوليو 2009  التي لم يعترف بها البعض؛ كشفت هذه الانتخابات مدى اتساع الخلاف بين الأطراف الفاعلين في اللعبة السياسية حول  القانون الانتخابي القائم، وعلى نطاق أوسع، حول المرحلة الانتقالية الديموقراطية الموريتانية الراهنة,

في الواقع يتميز قانوننا الانتخابي الحالي بتأثره بالمرور من نظام سياسي أحادي ومغلق قبل 1991 إلى نظام سياسي تعددي مفتوح اليوم.

إنّ القانون الانتخابي الموريتاني الذي يتعلق الأمر بتحليله هنا سيتم تناوله، عن قصد، بمعناه الواسع. سنذكر بأهم الفاعلين، وبمكوناته الجوهرية، أهم التحديات التي عليه رفعها؛ في الوقت الذي يقترح فيه، على أساس خصوصية التجربة الموريتانية، جملة من التوصيات.

I.                   المدونة الانتخابية الموريتانية: الغاية والخصوصية

من أجل تقديم إجمالي منسجم ومنظم عن المدونة الانتخابية الموريتانية، وقبل التعرض لخصوصيتها، يبدو من المناسب التذكير بالغاية المتوخاة أصلا من المدونات الانتخابية في الديموقراطيات الفتية.

أ‌.        غاية المدونة الانتخابية: الديموقراطية وتمثيل المواطنين

تلجأ الديموقراطية إلى المساقات الانتخابية من أجل تحديد أي المواطنين أجدر بتولي المسؤولية الأساسية التي هي الحكم. ترتكز الديموقراطية التمثيلية على مبدإ كون كل المواطنين يتمتعون بإمكانية المشاركة في القرارات السياسية؛ وذلك بانتخابهم لممثليهم عن طريق الاقتراع الشامل، الحر، المتساوي، المباشر والسري. وبالجملة، يتعلق الأمر بمبدأ “شخص (واحد)، صوت (واحد)”. وإذن فتنظيم الانتخابات يتطلب مدونة تنظيمية شمولية، انطلاقا من التقنين الدستوري للاقتراع المباشر وغير المباشر، ووصولا إلى جرد وفرز البطاقات الانتخابية وإعلان النتائج.

1.       تعريف القانون الانتخابي

مما لا جدال فيه أن أهم نص تنظيمي هو القانون الانتخابي الذي يجب أن يتضمّن حدا أدنى من التنظيم الانتخابي المتعلق ببعض الترتيبات المفاتيح مثل الحقّ الأساسي في الاقتراع العام، الشروط والاجراء التنظيمي للانتخاب، وكذا آليات رقابة مختلف مراحل المسار الانتخابي.

ينص القانون الانتخابي الموريتاني على معظم هذه المساطر الإجرائية وبما يكفي من الدقة.

2.       أهم خصائص القانون الانتخابي الموريتاني

يأخذ القانون الانتخابي الموريتاني في الاعتبار العناصر الثلاثة الأساسية التالية:

إنه، في المقام الأول، يضمن حق التصويت لكل شخص، ويستبعد كلّ تمييز أو حرمان من حق التصويت غير قابل للتبرير. ينبغي التذكير هنا بأن بعض التشريعات الانتخابية تنصّ على إجراءات تمييزية إيجابية تتمثل في منح مقاعد حسب العرق، أو الثقافة وحتى الجنس. ومع أن هذه الاجراءات ترمي إلى ضمان مشاركة طوائف أو مجموعات كانت مستبعدة أو ضحية إقصاء، فإنها تشكل استثناء بالقياس إلى مبدأين أساسيين من مبادئ المساق الانتخابي هما مبدأ “شخص (واحد)، صوت (واحد)”، والمبدأ الذي يعتبر أنّ التمثيل السياسي هو الذي يعني تمثيل مجموع الأمة، وليس فقط تمثيل بعض المجموعات أو بعض الطبقات.

ثانيا، ينص القانون الانتخابي على إيجاد سجل للناخبين أو قائمة انتخابية على مستوى كل بلدية.

ثالثا، لقد وضع القانون الانتخابي مسطرة إجرائية من أجل ضمان السير الحسن للمسلسل الانتخابي، مثل اختيار الوقت المناسب لانطلاق العمليات الانتخابية وكذلك لنشر النتائج.

ويعتبر مظهر المسار الانتخابي الذي يعطي أكبر قدر من الفعالية والذي أقره المشرع الموريتاني منذ 2006 هو بنية الهيئة الانتخابية المستقلة، المكلفة إما بإدارة ورقابة كل المسار الانتخابي، مثل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)؛ وإما بالسهر، في الفترة الانتخابية، على التسوية بين المترشحين في الولوج إلى وسائل الإعلام العمومية والخصوصية، مثل السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA).

يضمن القانون الانتخابي الموريتاني، نظريا، توفر كل الشروط اللازمة لكي يكون التصويت، وبصورة حقيقية تماما، حرا، منصفا، مباشرا وسريا.

ب‌.      خصوصية التجربة الانتخابية الموريتاني

هذه الخصوصية تبرز من خلال الأجهزة التي أنتجت هذا القانون الانتخابي، وتبرز كذلك في الدينامية التي دعمته أثناء المناسبات المختلفة لإعداده ومراجعاته.

إن القانون الانتخابي الجاري به العمل في الوقت الراهن في موريتانيا هو ثمرة لعدد كثير من بؤر الإنتاج. ولذلك فإنه من الضروري أن نعطي عناية خاصة لهذه البؤر المتمثلة أساسا في البرلمان، وبصورة ثانوية في الحكومة.

1.       عن طريق السلطة التشريعية (البرلمان)

تنص الفقرة 7 من المادة 57 من دستور 20 يوليو 1991 على أن نظام الانتخابات في موريتانيا ينتمي إلى مجال تدخل السلطة التشريعية. فمنذ 1992، تمّ اتخاذ كل النصوص ذات الطبيعة التشريعية المتعلقة بالانتخابات والمصادقة عليها من قبل البرلمان باستثناء مرحلة 2005 – 2007 حيث مارس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية (CMJD) هذه الوظيفة. وهذا المعطى في نفسه جدير بالاهتمام.

وقد كانت اللجنة الوطنية للخلاص الوطني (CMSN) هي التي صادقت على قوانين 1991 المتعلقة بالحريات، والتعددية الحزبية، والانتخابات. وقد صادقت نفس الهيئة، وهي مستمرة في عملها على “تصفية” النظام القديم، على الأمر القانوني الذي سيتمّ بموجبه تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شهري يناير ومارس من عام 1992. وقد تعلق الأمر، على ما يبدو، بتقديم البرهان عمليا على الانخراط والانحياز الصادق لصالح الديموقراطية. وذلك حرصا من النظام على المعالجة الاستباقية لما يواجه به  من انتقاد معارض يصم الحكم بالانغلاق والتشنج السلطوي. وهذا الاهتمام بالوعي السليم أمام التاريخ هو ما تمّ التعبير عنه بقوة من خلال مراجعة الأمر القانوني 91-027 المتعلق بالانتخابات الرئاسية، أسبوعا فقط بعد دخوله حيز التنفيذ؛ وذلك بعد اعتراض اتحاد القوى الديموقراطية (UFD) على الشروط المجحفة التي تتطلبها تزكية الترشحات للانتخابات الرئاسية.

تتمثل الدعامة المعيارية للقانون الانتخابي في القوانين العادية. وإذا كان هذا الأمر مما يسهل تكييف القانون الانتخابي مع التطورات السوسيو- سياسية، فإن من شأنه أن يجعله عرضة لتحولات قد تكون بالمناسبة جدّ ميسورة؛ إما أن يكون ذلك بحسب تغيرات الأغلبية، وإما أن يكون بحسب وضعيات التأزم السياسي الحاد، مثل الحالة التي جرى فيها حوار سياسي بين الأغلبية الرئاسية المدعمة وبين بعض أحزاب المعارضة الديموقراطية (هي: التحالف الشعبي التقدمي، الوئام، حمام، والصواب) في شهري سبتمبر وأكتوبر 2011. وبعبارات أخرى، فإنّ الطابع الإنجازي للقوانين الانتخابية يزداد وينمو باطراد كلما عرف المسرح السياسي مزيدا من التنوع.

2.       عن طريق السلطة التنظيمية (الحكومة)

في نفس الأمر، لا يثير إصدار هذه النصوص من قبل السلطة التنظيمية (الحكومة)، إشكالات خاصة.  فلهذا الإصدار أساس قانوني صريح وجازم، يتمثل في الترتيبات المتعلقة بالسلطة التنظيمية من المادتين 32 و59 من الدستور التي تنصّ على ذلك. ومع ذلك، فعلى هذه النصوص أن تكون مطابقة، في ما يتعلق بمضمونها، للقوانين التي تنظم مختلف الانتخابات.

وبصورة عامة، فإنه يتعين على هذه النصوص التنظيمية، وهي المراسيم التطبيقية للقوانين الانتخابية ومقرراتها، أن تحترم القوانين المعنية المناسبة، والتي تستعيد غالبا ألفاظ منطوقها.

وعموما، فإن إنشاء أو وضع قانون انتخابي هو أساسا قضية تهُمّ بالدرجة الأولى، الطبقة السياسية. ولا يهتم بها من غير السياسيين إلا الإخصائيون في القانون الذين بإمكانهم، بهذا الصدد، أن يتقدموا بمقترحات تشريعية قد تحظى بأن يستأنس بها، حسب الحاجة. كما يمكن القانونيين أيضا أن يقدموا تعاليق وشروحا، على شيء من الموضوعية، حول مشاريع نصوص قيد الإعداد، أو حول نصوص سبق أن صودق عليها.

II.      العوامل المساعدة أو توفر أهم الفاعلين ومكونات العملية الانتخابية

أ‌.        الفاعلون البارزون

كل العوامل المساعدة على تنظيم العملية الانتخابية متوفرة، أهم الفاعلين وأهم مكونات المسار الانتخابي الموريتاني

أهم الفاعلين في العملية الانتخابية: اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)، المجلس الدستوري، المحكمة العليا، السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA)، والأحزاب وتكتلات الأحزاب السياسية، كل اولئك في حالة جاهزية.

1.       اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)

إذا كانت هناك مسألة شكل موضوعها مجالا لتدخل القانون الانتخابي من أجل إنقاذ وضعية سياسية كان طابعها الانسداد، فهي فعلا مسألة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI). ذلك أنه منذ بدأ النقاش حول اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في أواسط التسعينيات، وهو النقاش الذي حمل احتجاجا مفتوحا على دور وزارة الداخلية – الحكم المنحاز لأحد الأطراف- في المسار الانتخابي؛ كانت الأغلبية التي يمثلها الحزب الجمهوري الديمقراطي والاجتماعي (PRDS) الحاكم قد تبنت موقفا عدائيا صريحا. وحتى سنة 2006، كان رفض اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بدوافع سياسية خالصة: لقد كانت الأغلبية القائمة آنذاك، بكل بساطة، غير راغبة فيها.

ومع أنّ هذه المؤسسة ظلت مطلبا لطيف واسع من المجتمع الموريتاني، فإن الطلب السياسي لم يعبر عنه  بالصيغ القانونية، للمرة الأولى، إلا أثناء نقاش الأيام الوطنية للتشاور في أكتوبر 2005. وستعاد صياغة هذا الطلب من جديد في نوفمبر 2011 بمناسبة الحوار السياسي بين الأغلبية وبعض أحزاب المعارضة الديمقراطية لتمنح وضع هيئة دائمة.

بعدما أنشئت في البداية بوصفها مؤسسة خاصة (بالمهمة التي أنشئت من أجلها) سنة 2006 للإشراف على الاستفتاء الدستوري المنظم في 26 يونيو 2006، والانتخابات التشريعية، والبلدية  والرئاسية في نوفمبر 2006 ومارس 2007؛ ثم أسند إليها الإشراف على رئاسيات يوليو 2009. كل ذلك قبل أن تحصل على وضع دائم انطلاقا من ابريل 2012 بموجب القانون 2012-027 بتاريخ 12 ابريل 2012 المتضمن إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)؛ وخاصة المرسوم 017-2013 بتاريخ 14 فبراير 2013 الذي نقل إليها، من الإدارة العامة لخدمات دعم المسار الانتخابي، الصلاحيات الخاصة بالمجال الانتخابي.

وطبقا لترتيبات هذا القانون، صارت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI) منظمة ذات طابع مهني، مستقلة عن الحزب الحاكم، وعن الأحزاب الأخرى، تضمن بحيادها السير الحسن للاقتراع، وانتظامه، وشفافيته.

2.       المجلس الدستوري والمحكمة العليا أو قاضي الانتخاب

تعتبر النزاعات الانتخابية، بفعل كثرتها، واقعا لا سبيل إلى إنكاره. يعطي النزاع الانتخابي القاضي المختص مناسبة للمشاركة في إيجاد القانون الانتخابي. لقد كان رفض النتائج الانتخابية مسألة تلقائية في موريتانيا إلا في مناسبتين: في الانتخابات البلدية سنة 2001، وفي الانتخابات التشريعية سنة 2006، والرئاسية في مارس 2007.

ومع أننا لم نقم بدراسة استقصائية للأحكام القضائية الانتخابية، فإنه يمكن القول، إجمالا، إن القاضي الموريتاني برهن على درجة كبيرة من ضبط النفس والاعتدال، باعتماده تفسيرا ضيقا للنصوص.

إن قانون ابريل 2012 المتعلق بالانتخابات قد أوكل إلى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات جملة من الصلاحيات تكون فيها صاحبة الاختصاص بالدرجة الأولى في ما يتعلق بفض النزاعات. كيف تترتب هذه الصلاحيات؟ بالنسبة للمجلس الدستوري والمحكمة العليا، ينبغي، في الغالب، أن نميز بصورة عامة بين النزاع قبل الانتخابي والنزاع بعد الانتخابي.

3.       السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية وتسيير الإعلام العمومي والخصوصي في الفترة الانتخابية

لقد أصبح الولوج إلى الشبكات الإعلامية التي تملكها الدولة يتمتع بشعبية فائقة بسبب اللجوء المتزايد إلى وسائط الإعلام أثناء الحملات الانتخابية في المجتمعات الحديثة؛ وذلك ما يحتاج ضرورة إلى سنّ ترتيبات ملائمة في التشريعات والتنظيمات الانتخابية الجديدة.  وهذا الولوج  يتطلب انتباها مستمرا ويفرض رقابة مركزة طيلة مدة الحملات. في هذا الإطار تمّ إنشاء السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA) سنة 2006 بموجب الأمر القانوني 2006-034 المعدل بالقانون 2008-026 المراجَع بالقانون 018 بتاريخ 22 مارس 2012. وقد كرست المسطرة الإجرائية التي وضعها هذا القانون تطبيق المبادئ التالية: الولوج المجاني بالنسبة لكل المترشحين؛ الطابع المحايد للخبر المبثوث عبر وسائط الإعلام، ليس فقط في توزيع الفضاءات وزمن البث، ولكن أيضا في المضامين الإعلامية نفسها؛ الولوج بالسوية لكل المتنافسين مع التـأكد من عدم إقصاء أو استبعاد الأخبار والمعلومات المتعلقة بأحد المتنافسين بصورة خاصة؛ توزيع الفضاء وزمن البث حسب معايير موضوعية ومحددة سلفا؛ إلخ.

أما وسائط الإعلام فقد أخذت بحظها هي أيضا من الديموقراطية. فقد بات الولوج إليها يزداد رخصا مع الوقت؛ وأصبحت تشكل وسيلة تعبير جوهرية بالنسبة لسير وانتظام الديموقراطية الموريتانية.

لقد خضعت حرية الصحافة، على التعاقب، لأحكام الأمر القانوني رقم 91-023 بتاريخ 25 يوليو 1991، المعدل بالأمر القانوني رقم 2006-017 بتاريخ 12 يوليو 2006 الذي ألغى الرقابة. ومنذ 2011 لأحكام القانون رقم 2011-025 بتاريخ 08 مارس 2011 الذي عدل بعض هذه الترتيبات من أجل أن يؤخذ في الحسبان؛ تحرير الاتصال السمعي البصري، والصحافة الالكترونية، والدعم المالي للصحافة الخصوصية، وإلغاء عقوبة السجن بسبب جنح الصحافة.

لكن مشاكل كثيرة مازالت مطروحة بخصوص هذه النقطة: ضرورة أخذ الصحافة الالكترونية في الحساب؛ تحرير الاتصال السمعي البصري؛ المساعدة المالية للصحافة الخصوصية؛ وإلغاء عقوبة السجن بسبب جنح الصحافة. لقد كرس القانون رقم 045-2010 بتاريخ 26 يوليو 2010، المعدل في مارس 2012 المتعلق بالاتصال السمعي البصري فتح القطاع السمعي البصري الذي كان حتى ذلك الوقت احتكارا للدولة. وبعد المصادقة على دفتر الالتزامات الخاص بمقاولات الإعلام الخصوصي، أذنت الحكومة منذ 2011 لخمس شبكات إذاعية خصوصية؛ كما أذنت 2012-2013 لخمس شبكات تلفزيونية خصوصية. أما الدعم العمومي للصحافة الخصوصية فقد شكل موضوع القانون رقم 2011-024 بتاريخ 08 مارس 2011 الذي أنشأ لجنة خاصة، مكلفة بتوزيع هذا الدعم العمومي. يرأس هذه اللجنة عضو من السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA)، وتتضمن ثلاثة أعضاء باعتبارهم ممثلين لمختلف التجمعات الصحفية، كما تتضمن أعضاء ممثلين للإدارة.

4.       الأحزاب السياسية وتكتلات الأحزاب أثناء الانتخاب

يعود الفضل إلى دستور 20 يوليو 1991 في تكريس التعددية السياسية؛ وذلك عن طريق الترتيبات الواضحة للمادة 11 التي تنص على أنّ :”الأحزاب والتجمعات السياسية تساهم في تشكيل الإرادة السياسية والتعبير عنها …”. ومن بين وظائف الأحزاب الهامة التي حددها الأمر القانوني 91-024 بتاريخ 25 يوليو 1991 المتعلق بالأحزاب السياسية، والمعدل بقوانين 2001، 2006، و2012 نجد إلحاحا على خلق جو ملائم للتنمية؛ ولتجميع وتمثيل آراء ومصالح سياسية في إطار مسار انتخابي.

وقد تمّ دعم كثافة انخراط الأحزاب في المسار الانتخابي بمنع الترشحات المستقلة الذي طبق على انتخابات 2001؛ وهو المنع الذي كرس في سنة 2012، ثم جرى العمل على تقويته بحظر الترحال السياسي على المنتخبين، حسب ما توصل إليه الحوار الوطني سنة 2011. ومن الآن فصاعدا، أصبحت الأحزاب السياسية هي التي بيدها احتكار تقديم المترشين. وبإمكان الأحزاب السياسية أن تقيم في ما بينها تفاهمات تعاون حول جملة من المواضيع مثل المشاركة الجماعية في الانتخابات، تشكيل حكومة بعد الانتخابات، تجمع مجموعة من الأحزاب في ائتلاف لغرض هزيمة حزب آخر،

وأخيرا، فقد تمّ دعم وضع الاحزاب منذ الحوار الوطني في أكتوبر 2011 عن طريق المنظومة التشريعية المحرمة للترحال السياسي على المنتخبين.

ب‌.      أهم مكونات المسار الانتخابي الموريتاني

على المستوى التشريعي، يمكن توزيع أهم مكونات المسار الانتخابي حسب الأصناف الثلاثة التالية: الناخبون مثل صفة الناخب؛ تسجيل الناخبين، المنع من حق التصويت؛ المترشحون، تسجيلهم، وشروط مقبوليتهم؛ الأحزاب السياسية، والإدارة الانتخابية مثل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)؛ والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA)؛ الحملة الانتخابية؛ التصويت؛ نشر أو إعلان النتائج. وأخيرا العقوبات التي فرضها المشرع حسب المخالفات الانتخابية، وتسوية الخصومات والنزاعات.

يستخدم النظام الانتخابي الموريتاني لمنح المقاعد طريقتين هامتين للاقتراع: الاقتراع الفردي بالأغلبية أو الاقتراع على اللائحة في شوطين والتمثيل النسبي.

1.       صفة الناخب: الجنسية، المواطنة، الإقامة، العمر، والحقوق المدنية والسياسية

يعطي دستور 20 يوليو 1991 حق التصويت باعتباره حقا سياسيا أساسيا. ويحدد في الفقرة 2 من المادة 3 من يحق لهم الانتخاب: “الناخبون هم كل مواطني الجمهورية، البالغين، من الجنسين، المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية”. ويتضمن القانون ترتيبات مفصلة تهمّ متطلبات أخرى من طبيعة مدنية أو سياسية، وكذلك متطلب الإقامة، والتسجيل على اللائحة الانتخابية للبلدية.

أما شروط التوفر على حق التصويت المباشر، فهي العمر القانوني، المواطنة، والتمتع بحق ممارسة كامل الحقوق المدنية والسياسية. وإقامة الموريتاني في الداخل أو في الخارج منصوص عليها غي القانون الانتخابي. أما العمر الذي يعطي حق التصويت فقد كان إحدى وعشرين سنة في 1986. ومنذ المصادقة على دستور 20 يوليو 1991 فقد تم تحديد السن القانوني بثماني عشرة سنة. وتجدر الإشارة، مع ذلك، إلى أن السن القانوني للترشح للانتخابات هو أعلى من ذلك؛ وقد نُصّ على أن حده الأدنى هو 25 سنة بالنسبة للنواب، و35 سنة بالنسبة للشيوخ؛ وما بين 40 و75سنة بالنسبة للمترشحين للانتخابات الرئاسية. وفي هذا الإطار، فإن القانون الانتخابي الموريتاني قد نص أيضا على بعض حالات الحرمان من حق التصويت بسبب السجن أو لفقد حق التصويت لأسباب سياسية، إلخ.

2.       شروط أهلية وقبول المترشحين ونشر لائحة المترشحين الرسميين

إن شروط الأهلية للترشح ليست هي بالضرورة نفس شروط الأهلية للتصويت. مبدئيا، يفرض النظام الديموقراطي على المترشحين وعلى الناخبين أساسا نفس المتطلبات في ما يتعلق بالمواطنة، السن القانوني، وامتلاك  الحقوق السياسية والمدنية. لقد نص القانون الانتخابي على الحرمان من حق الترشح بالنسبة للأشخاص

الذين يشغلون منصبا أو يتولون  مهام عمومية كالقضاة والحكام؛ الحرمان من حق  الترشح بالنسبة لبعض الموظفين المزاولين لمأموريات عمومية، وذلك لغرض ضمان حيادهم كالعسكريين في الخدمة النشطة الذين هم في العادة خاضعون لقيود أكثر صرامة من الموظفين والأفراد الخصوصيين المحرومين من حق الترشح بسبب فرض عقوبة عليهم لما ارتكبوه من جنحة إجرامية ناتجة عن مخالفة انتخابية أو عن أي صنف آخر من الجرائم.

تسند المسطرة الإجرائية لقبول الترشحات في القانون الانتخابي الموريتاني مسؤولية القبول إلى المجلس الدستوري بالنسبة للترشحات لرئاسة الجمهورية، وإلى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI) بالنسبة للترشحات الأخرى البرلمانية والبلدية. وفائدة هذه المسطرة الإجرائية تنحصر في التدقيق والتثبت من أن المترشحين يستجيبون لكل المعايير وتتوفر فيهم كل المتطلبات الضرورية، وتأكيد أسماء الذين سيشاركون في الانتخاب. وكل هدف آخر غير شرعي يرمي إلى تحديد عدد المترشحين أو إلى تضييق مجال أنشطة من تتوفر فيهم المتطلبات، يجب تجنبه. على المسطرة الإجرائية للقبول يجب أن لا تتحول إلى تدقيق مبالغ فيه. كل فعل ترشح يجب أن يتضمن اسم وشهادة إثبات هوية الشخص، وجنسيته، وسِنِّه، وما يثبت كونه مسجلا على اللائحة أو في سجل الناخبين. المتطلبات الأخرى هي تلك المتعلقة باسم  وبرموز التعريف بالمترشح. وهذه التفاصيل (اسم المترشح، الأحرف الأولى من اسمه ولقبه، رموزه أو أي علامات أخرى تُعرِّفه) ذات أهمية كبرى لتسهيل أن يتعرف جمهور الناخبين على المترشح. وأخيرا، فإنّ على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI) التي تتبعها إدارة المسار الانتخابي مسؤولية نشر اللائحة النهائية للمترشحين الرسميين للانتخابات

3.       الأنماط المختلفة للحملة الانتخابية ورقابة التمويل

تعدُّ حملات التربية الشعبية أو تهذيب جمهور الناخبين من البرامج التي تنفذها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI) طبقا لترتيبات المادة 4، الفقرة 2 من القانون النظامي 2012-027 المنشئ لها؛ لغرض أن يعرف المواطنون الظروف التي تجري فيها الانتخابات. كما يتعين أن يعرفوا المسطرة الإجرائية للتصويت؛ دون استهداف، مع ذلك، للتأثير على خيار الناخبين.

من ناحيتها، تعرّف الحملة الانتخابية بأنها الأنشطة التي يرخص للمترشحين وأحزابهم أن يقوموا بها لأجل طلب الأصوات. وهذه الأنشطة يجري إخضاعها شيئا فشيئا لإجراءات وخطوط توجيهية هدفها ضمان المساواة في الحملة بين كل المترشحين وكل الأحزاب، نزاهة المسار وحياد اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI) والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA).

ومن بين مجالات التشريع الانتخابي التي تتطلب أكثر قدر من الرقابة لضمان مبدإ الإنصاف بين المترشحين هو تمويل الحملات الانتخابية. وهذا التمويل خاضع لأحكام الأمر القانوني 2006-035 بتاريخ 02 نوفمبر 2006 والمرسوم المطبق له والذي حدد سقف تمويل هذه الحملات. لقد فرض هذا القانون على كل مترشح أو لائحة مترشحة، تعيين وكيل مالي يسدد النفقات في إطار الحملة، ويجمع الأموال والمساهمات في الحملات الانتخابية حسب الحدود المقررة. وتتولى اللجنة الوطنية لرقابة تمويل الحملات الانتخابية (CNC) فروعها الجهوية (CRC) تدقيق سجلات المداخيل والنفقات أو حسابات المترشحين للحملات الانتخابية طبقا لترتيبات الباب II من هذا القانون.

4.       مكاتب التصويت، اللوازم وكيفية التصويت

إنها بدون أدنى شك العناصر التي تشكل قلب المسار الانتخابي. تُعدّ مكاتب التصويت الأداة الأكثر أهمية في أي انتخاب ناجح. ذلك أنه في هذه المواقع تتم مراقبة تصويت المواطن، وفيها يقام بالجرد الأولي ويتمّ إعداد الوثائق للحساب الرسمي الذي ستقوم به السلطات المختصة. فهنا تجري الأنشطة الرئيسية للمسار الانتخابي. يتعرف

أشخاص مكاتب التصويت على من لهم الحق في التصويت، وماهي الأصوات الصحيحة، وغالبا جدا، يقررون النتائج. وقراراتهم تكون غالبا نهائية.

وبإمكان ممثلي المترشحين إبداء آرائهم في كل المراحل؛ وعن طريق التوازن الذي يضيفونه إلى وجهات النظر السياسية، فهم يساعدون كثيرا على ضمان سلامة واستقامة الانتخابات.

المساطر الإجرائية التي يخضع لها التصويت وجرد وفرز النتائج في مكاتب التصويت جدّ دقيقة وهي ، بصورة عامة، مشتركة بين كل المدونات التنظيمية والقانونية.

5.       صيغ الاقتراع، إعلان النتائج وطرائق فض النزاعات

صيغ الاقتراع، إعلان النتائج

الاقتراع بالأغلبية والتصويت باسم واحد في شوطين يستخدم في منح مقاعد الشيوخ والنواب في الدوائر الانتخابية التي ليس لها إلا مقعد واحد؛ كما يستخدم في انتخاب رئيس الجمهورية؛

أما اقتراع اللائحة ذات الأغلبية في شوطين فهو يستخدم في منح مقاعد النواب في الدوائر الانتخابية التي تتوفر على مقعدين.

التمثيل النسبي لمنح مقاعد المستشارين البلديين، ومقاعد نواب اللائحة الوطنية (20 مقعدا)، ومقاعد لائحة النساء(20)، ومقاعد المقاطعات التي تتوفر على أكثر من مقعدين مثل نواكشوط 18 مقعدا، نواذيبو 3، سيلبابي 4 ، كيهيدي 3، امبود 3، كيفا 3، كوبني 3 وامرج 3.

بعد انتهاء التصويت، والقيام بالفرز في كل واحد من مكاتب التصويت، وتسجيل النتائج على سجلات التصويت، يجب أن ترسل النتائج إلى موقع مركزي في كل دائرة انتخابية أو في البلد، مبدئيا، يتعلق الأمر بالمقاطعات. تقوم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عندئذ بعمليات التجميع النهائي، وتعلن النتائج الرسمية.

يمكن أن يأخذ إعلان النتائج وإسناد المقاعد، أحيانا، كثيرا من الوقت، بسبب ضرورة القيام بنقل الوثائق الانتخابية التي استعملت يوم الاقتراع من كل مكتب تصويت. وينبغي أيضا توقع احتمال، بالنسبة للمترشحين، أن يطالبوا اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، أن تأخذ في الاعتبار كل اعتراضاتهم التي سبق أن سجلت لدى مكاتب التصويت.

وبشكل لا يمكن تجنبه، تفتح هذه الآجال الباب أمام كثير من الاستعلامات والاستفسارات عن نتائج الانتخاب؛ ومن ثمّ ضرورة إيجاد آليات وميكانزمات ومساطر إجرائية تسمح بالحصول على نتائج أولية لكن بشرط أن تتمتع بالقدر الكافي من المصداقية، وأن يكون ذلك في الساعات الأولى بعد نهاية عملية الانتخاب نفسها.

تقوم به اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بفرز وحساب النتائج الرسمي لكل دائرة انتخابية ويجري ذلك علنا، ويمكن أن يكون بمحضر ممثلي المترشحين الذين شاركوا في الانتخاب. ومن بين مراحل عملية الفرز والحساب، على وجه الخصوص: تحليل الوثائق المستلمة من كل مكتب تصويت؛ تحليل الشكايات والاحتجاجات والمطالبات التي تم إيداعها من قبل المترشحين خاصة تلك المتعلقة بأنشطة مكاتب التصويت والتي سبق تقييدها على الوثائق الرسمية؛ قبول أو رفض هذه الشكايات والمطالبات؛ وأخيرا، إصدار قرار بتأكيد، أو بتعديل أو بإلغاء نتائج مكتب تصويت معين.

بعد الفراغ من تدقيق كل النتائج، يقام بجمعها وتصبح رسمية. يقام في نفس الوقت بإعطاء عدد المقاعد المقابلة لكل واحد من الترشحات في كل دائرة انتخابية. وبصورة عامة، تحصر حالات إلغاء النتائج في الحدّ الأدنى ؛ ولا ينطق بالإلغاء إلا إذا أثرت عيوب شكلية في النتائج النهائية للانتخاب.

طرائق فض النزاعات

في كل مرحلة من مراحل المسار الانتخابي، يمكن أن تبرز نزاعات نمطية قد يكون من المفيد فحصها. إنّ اقتراح، وتقدير وإعلان المنافسين المشاركين في مسار انتخابي أمور مهمة بداهة لأنها توحي بتصور عن شروط الترشح للانتخابات وذلك ببيان من يمكنه المشاركة في الانتخابات، ومن يحق له الاستفادة من الدعم العمومي، ومن يمكنه الظهور على البطاقات الانتخابية، ومن سينتخب.

على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أن تقوم بفحص الترشحات للتأكد من كونها مستوفية للمتطلبات. وعليها أن تشعر ممثلي المترشحين بكل خلل أو نقص. وهذا الفحص يسمح بالتأكد مما إذا كان القانون تم احترامه فعلا. من المهم العمل على تسوية كل شكوى وإصلاح الخطأ الذي أدى إليها، في كل مرحلة من المسار الانتخابي. وهذا يعني أنه إذا كانت كل النداءات قد جرى التعامل معها إيجابيا، وضمن الآجال الحرجة المفروضة لهذه الغاية، خلال مرحلة معينة، فإنه لا يمكن أخذ أي خطإ آخر في الاعتبار ما لم يكن قد نُبِّه إليه في الوقت المناسب، وبالكيفية الموصوفة.

أثناء الحملة، من الممكن أن تبرز نزاعات من كل نوع تتعلق بمسائل مثل الدعم العمومي الموجود، أنشطة الحملة الانتخابية، والاستطلاعات الانتخابية. ومما هو بديهي، مع ذلك، أن تكون لدى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الوسائل الكفيلة بحل النزاعات، وأن يكون ذلك بأسرع ما يمكن.

مقاربة القاضي الدستورى

إن العدالة الانتخابية تقتضي الهدوء والسكينة إلا أن هذا قد لا يحدث  لكونها تأتي في ظرف ساخن مباشرة بعد حملة انتخابية كثيرا ما تكون حادة ومن المفروض أن تراعى مبادئ أساسية  مثل المساواة بين المرشحين، مما يؤكد مبدأ التناقض.

لهذا فالنزاعات ليس الهدف من مقاضاتها بالضرورة هو القضاء على التجاوزات الشيء الذي يمكن للقاضي الزجري أو المحكمة الجنائية أن يقوما به. إلا أن المطلوب هو التأكد من أن الذي شغل المقعد هو فعلا ذلك الشخص الذي أراده الناخبون.

وذلك يعني بالضرورة إجراء تحقيق من طرف المجلس الدستوري من شأنه تقييم صدقية وأهمية الوقائع التي قدمت له.

في أي نزاع انتخابي، فإن المهم  معرفة هل الشخص الذي تم انتخابه هو فعلا من استحق الفوز فالمسألة إذن هي معرفة هل المخالفات أثرت أولم تؤثر على النتيجة.

وبمعنى آخر فإن هامش الأصوات الذي تم به الفوز في الانتخابات يعتبر عاملا أساسيا في بعض الأحيان.

لنفرض مثلا أنه في دائرة انتخابية قد تم التظلم على 150 صوتا وأن التحقيق أثبت ذلك، فإذا كان الفوز قد تم بفارق 1000 صوت، فإن الجواب هو أنه يؤسف لذلك ولكنه لا يمكن أن يؤثر على النتيجة لأن الفارق بين المترشحين بقى كبيرا أي (1000 -150 = 850 صوتا). وبالمقابل، إذا تم الفوز بالتلاعب ب 150 صوتا فإن القاضي يعتبر أن هناك ريبة ويلغى الانتخاب.

ويعني ذلك أن المجلس سيثبت أولا طبيعة الوقائع وحقيقة النواقص ويقدرعدد الأصوات المتنازع فيها.

ويكون ذلك سهلا في بعض الأحيان: 80 بطاقة مثبتة ألغيت خطئا و 75 لم توجد توقيعات على اللائحة الانتخابية،فهذه 155 بطاقة .

بعد معرفة الرقم ولو كان تقريبيا للأصوات المتنازع فيها يقوم المجلس الدستوري بنزع افتراضي  لهذه الأصوات من عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح المنتخب فإذا بقى الحاصل أعلى من حاصل المرشح الآخر فإن الانتخاب صحيح وإذا كان الحاصل في المقابل أقل، فإن الانتخاب لاغ .

ومن جهة أخرى فإن المجلس الدستوري بإمكانه إلغاء الاقتراع الرئاسي بدون اعتبار فارق الأصوات وذلك، في حالات  التزوير الخطيرة: العنف  داخل مكاتب التصويت: حشو الصناديق أو تزوير المحاضر…ومقاربة المجلس الدستوري هي اعتبار أن وراء ما تتضمنه عناصر التحقيق بدون شك ما هو أكثر وفق قاعدة المرئي وغير المرئي من وراء جبل الجليد ! إذن وراء الأرقام شبهة خطيرة في دقة مجمل عمليات التصويت.

هذا هو السعي الطبيعي للعدالة الانتخابية من خلال الاحتكام بالحق وحق المتضرر في الطعن واحترام التناقضات. وعموما لابد من تحلى القاضي بالاستقلالية والحيطة. والقاضي بدوره سيحكم عليه الرأي العام إذا بدت قراراته خاطئة أو منحرفة.

6.       مخالفات انتخابية

تكتسي التدابير التي ستتخذها المحاكم عندما تكون إزاء مخالفة للمساطر الإجرائية الانتخابية فائدة كبيرة.

هناك تشكيلة كاملة من المخالفات يمكن أن تفع في كل مرحلة من مراحل المسار الانتخابي. هناك ظروف من شأنها إزعاج وإدخال الاضطراب على سير الانتخابات، قد تطرأ في أي مرحلة من مراحل المسار الانتخابي، منها على الخصوص: إكراهات أو ضغوط غير قانونية على ترشيح؛ تزوير السجل الانتخابي؛ الإعاقة أو التسهيل غير القانونيين، من طرف موظفين، في توزيع الدعاية الانتخابية؛ تزوير النتائج من قبل وكلاء أو أعوان إداريين، إلخ.

بكل أسف، الإمكانيات في هذا المجال لانهائية. كل واحد من هذه الأخطاء يخلق مشكلتين قانونيتين من طبيعة مختلفة. ينبغي تحديد مرتكب الخطأ من أجل عقابه. لكن ينبغي أيضا، وبسرعة أكبر، إيقاف الأفعال الممنوعة من أجل إعادة الحقوق المنتهكة إلى نصابها. الحملة التي جرت إعاقتها يجب أن تستمر؛ والأشخاص الذين أقصوا بغير وجه حق من لائحة الناخبين يجب أن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم؛ كل مترشح تتوفر فيه متطلبات الترشح ورفض ترشحه، يجب أن يتمكن من أن يتقدم إلى الانتخابات.

III.     التحديات العديدة لتنظيم وسير الانتخابات

منذ انطلاق المسار الديموقراطي عام 1991 والمصادقة على دستور 20 يوليو 1991 الذي تأسست بموجبه للجمهورية الثانية، شهدنا، على فترات منتظمة، تنظيم انتخابات اشتدت فيها المنافسة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي. وكانت هذه الانتخابات تجرى في سياق تعددية سياسية كانت تعطيها دلالة مختلفة تماما، تتمثل في منافسة، واختيار حر بين تشكيلات سياسية مختلفة.

هذا الدستور التعددي كرس العناصر المساعدة على احترام متطلبات الديموقراطية سواء في ذلك القواعد التي تمس محيط المنافسة السياسية وتلك المتعلقة بالمنافسة السياسية نفسها.

وبتكريسه من ناحية أخرى، مبدأ تحديد عدد المأموريات الرئاسية في المادة 28، المراجعة عبر استفتاء شعبي سنة 2006؛ فقد خلق هذا الدستور إطارا ملائما للتناوب الديموقراطي، حتى ولوكان التحقيق الفعلي ليس أمرا تلقائيا. ومن شأن شرط تحديد المأموريات الرئاسية أن يزيد حظوظ التناوب في سياق سياسي تغلب عليه التهدئة، عندما يكون الرئيس المنتهية ولايته لم يعد قابلا لأن ينتخب بعدما أمضى ولايتين متتاليتين من 5 سنوات.

ومن ذلك الوقت فصاعدا، أصبحت الأحزاب السياسية المتنافسة أكثر انتباها ورزانة، ونتائج الانتخابات صارت تقبل؛ وقرارات القاضي الانتخابي تحترم أو يعامل معها بمرونة وانفتاح بالقول “أخذنا علما” بهذه النتائج بدل الاعتراف الصريح أو الرفض القاطع؛ كما كان الشأن في يوليو 2009.

كانت جملة من الوقائع وبنفس القدر فهي تمثل بعض علامات التطور التي تشهد بتغير أنماط سلوكنا السياسي إزاء الانتخابات، كما تعكس رؤية جديدة للشأن السياسي وللديموقراطية في بلادنا.

لقد أطلق مسار الانتخابات التعددية في بلادنا التي عرفت قرابة 40 سنة من ثقافة الحزب الواحد، وخضعت طويلا لأنظمة عسكرية؛ وهو يتطور في سياق مضطرب وصاخب، يطبعه حداثة سن المؤسسات، والإعداد غير الكافي للفاعلين، وصعوبة  الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وعقليات تبدو أحيانا عصية على التحول الديموقراطي.

ومهما يكن من أمر، فقبول مبدإ انتخابات حرة وشفافة هو فعلا واقعة جديدة بين ظهرانينا، والاعتراف بذلك بوصفه مبدأ فرض نفسه من الآن فصاعدا، أما إدخاله مجال الفعل والعمل التطبيقي فلن يكون بدون نتائج على تطور حياتنا السياسية.

وهكذا فقد عبأت السلطات العمومية، مدعومة من قبل المجموعة الدولية، جهودا كبيرة لضمان سير نزيه، منتظم، وغير منحاز للانتخابات. ومصداق ذلك المدونات الانتخابية، وتقوية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية؛ كما تشهد به بعثات مراقبة الانتخابات؛ وكذلك، وبصورة قد تكون أقل شأنا، الميزانيات الهامة التي خصصت لهذا الغرض.

وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من الأشواط الهامة التي قطعت على طريق التقدم، فإن تنظيم وتسيير المسار الانتخابي ما زال يلاقي صعوبات جدية تضعف من شفافيته وتقف عائقا دون تحقيق ما يعتبر هدفا جوهريا في مرحلة ترسيخ الديموقراطية التي نوجد فيها في الوقت الراهن: قبول النتائج الانتخابية من قبل الفاعلين السياسيين المتنافسين. خمس من بينها تستحق انتباها خاصا.

1.       انتخابات غالبا ما تنتقد

رغم تكريس النصوص الدستورية من الآن فصاعدا، للانتخابات كآلية للتناوب على التمثيل وتولي مهام الحكم، فما زال اللجوء إلى الانتخابات، مع ذلك، إلى اليوم، يواجَه بتحفظات، ويثير مخاوف. وأحيانا يبدو أن الصعوبات تتفاقم والأمور تزداد سوءا إذا اعتمدنا في تقدير ذلك على درجة خطورة الأزمات المرتبطة باقتراعات نظمت منذ وقت قريب (انتخابات 2009) أو إرجاؤها (2011). لقد تضاعفت انتقادات الانتخابات.

بالنسبة للبعض، فإن الانتخابات أصبحت، بشكل متزايد، ينظر إليها باعتبارها مجرد “خداع وتدجيل” لا تعدو كونها “شكليات إدارية بسيطة”. ويرى آخرون أن الانتخابات التي قد نُظِر إليها باعتبارها الطريق المفضل للخروج من الأزمات، والتعبير عن التعددية المستعادة؛ أصبحت اليوم تعزى إليها المسؤولية عن التوترات وحتى كسر الإجماع، وكلاهما مضر بالحياة السياسية.

وأخيرا، بالنسبة لبعض حساسيات المعارضة الأكثر جذرية ضمن “منسقية المعارضة الديموقراطية” (COD) يعتبر مبدأ وجود الانتخابات نفسه هو المسؤول ومن ثم فهو المدان؛ فمثل هذه الانتخابات مشكوك في قابليتها للوفاء بمتطلبات الديموقراطية، والسماح بالمشاركة الشعبية.

هذه التقييمات والانطباعات تقوم بتغذيتها، في نفس الوقت، كثرة واستمرار الاختلالات والنواقص، وممارسة التحايل والتزوير وهو ما ينعقد الإجماع على اتساع انتشاره، وكثرة تكراره؛ مثل الحالات الجلية المتمثلة في “شراء” و”احتجاز” بعض المستشارين البلديين. كما تجد نفس التقديرات ما يدعمها في صعوبات استقبال وفهم الميكانيزمات والآليات الانتخابية من طرف الفاعلين السياسيين، ومواطنينا.

هذه الأحكام، مهما كانت أهميتها ونسبتها من الحقيقة، يجب، جديا، التعامل معها بحذر، وأن لا تؤخذ على إطلاقها.

فهي من جهة، أحكام تقلل من مزايا وفضائل الانتخاب، وحق التصويت الذي لا غنى عنه لإثبات شرعية من يحكموننا في إطار بنائنا الديمقراطي؛ ومن جهة أخرى، فهي تحافظ على الفكرة الشائعة، مع أنه لا برهان عليها، والتي مؤداها أن ثمة عدم ملاءمة أو تعارضا، على مستوى الطبيعة، بين البلدان السائرة في طريق النمو وبين الديموقراطية الليبرالية التعددية.

ومن نتائج هذه الأحكام أيضا أنه ربما فهم منها أن العنف، والتزوير، وفساد الذمم هي حكر على انتخاباتنا، في حين أن التاريخ والأخبار الراهنة تدل على أن الانتخابات في الديموقراطيات الليبرالية العتيقة ليست دائما مطابقة للمثل الديموقراطي الأعلى.

2.       إنشاء بنيتين محايدتين لتسيير العمليات الانتخابية: اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA)

اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI)

إنّ إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بوصفها سلطة إدارية مستقلة ودائمة منذ سنة 2012 ، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية من أجل تسيير الإعلام العمومي والخصوصي في الفترة الانتخابية، يرتبط بالبحث عن هذه الصيغة التي تسمح، ضمن إدارة الدولة، بعزل هيئتين تتمتعان باستقلال حقيقي بالنسبة إلى الحكومة، وإلى القطاعات الوزارية (وخاصة وزارتا الداخلية والاتصال). وهما مستقلتان كذلك عن البرلمان وعن الأحزاب السياسية. وذلك لممارسة صلاحيات تتعلق بالمجال الحساس للحريات العمومية، وعلى وجه الخصوص، تنظيم انتخابات نزيهة، حرة، وشفافة.

منذ إنشائها أثارت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عديد التعاليق والانتقادات. من بين هذه الانتقادات ما يتناول امتداد صلاحيات اللجنة وقدرتها على ممارستها. صنف آخر من الصعوبات مرتبط بتشكيلتها؛ ذلك أنه بالنسبة لكثير من الفاعلين السياسيين لا يمكن بلوغ الأهداف المتوخاة المتمثلة في الحياد، وإيجاد مناخ من الثقة مع السكان؛ وذلك إما بسبب الغياب الفعلي للحياد، وإما بسبب عدم توفرها على الكفاية من القدرات التنظيمية  والمادية.

3.       التحكم الصعب في تنظيم وسير العمليات الانتخابية

كل مراحل المسار الانتخابي، ابتداء من وضع جدول زمني – وغالبا ما يكون ذلك متأخرا – تشكيل اللوائح الانتخابية، وتوزيع بطاقات الناخبين، وحتى المركزة وإلى إعلان النتائج وكذلك النزاعات؛ تثير العديد من الصعوبات.

وإلى النواقص ذات الطبيعة السياسية، تنضاف نواقص أخرى من طبيعة مادية وتعني العملية-المفتاح في الانتخابات: وضع اللوائح الانتخابية التي تكون نواقصها غالبا مصدرا لنزاعات كثيرة، ولعدد من انسدادات المسار الانتخابي.

4.       مسؤولية الفاعلين في المسار الانتخابي

لا يخضع مصير الانتخابات فقط، مهما كان مداها، للتحسينات التقنية والتنظيمية، ولا للوسائل المخصصة لها، ولا حتى للمؤسسات؛ ولكن أيضا للفاعلين في اللعبة الانتخابية ولسلوكهم.

فهناك مسؤولية مهمة، ينبغي على الأقل ذكرها، تقع الهيئات القضائية المكلفة بتسيير النزاع (المجلس الدستوري، المحكمة العليا، وفي مستوى معين، الغرفة القانونية للجنة الوطنية للانتخابات)، هذه البيئة التي تتقاطع فيها الانتخابات والديموقراطية. السؤال المطروح  هو معرفة ما إذا كان حكام أو قضاة الانتخابات يجدون أنفسهم وقد خُوِّلوا صلاحيات وسلطات لا تتناسب مع وسائلهم ووضعهم ولكن أيضا مع النتائج السياسية التي يمكن أن تنجر عن أحكامهم في سياق ديموقراطي ما يزال هشا.

ومسؤولية أخرى خاصة تقع بداهة على الأحزاب السياسية. إن أحد مصادر التوترات والفشل يقع على مستوى نواقص التشكيلات الحزبية. فمن الملاحظ باتفاق المراقبين ضعف نجاعة أنظمة الأحزاب السياسية الموريتانية التي أصبحت تتمتع باحتكار انتخابي منذ منع الترشحات المستقلة سنة 2000 (إجراء تم تعليقه للأسف في 2006 واستعيد العمل به منذ 2012) لكن  بنيات الأحزاب غير مهيكلة بما يكفي لتنشيط وإعطاء معنى جوهري للمنافسة الديموقراطية.

وما زالت الأحزاب تحمل حتى الآن السمات النفسية والإيديولوجية للأنظمة الأحادية القديمة التي تعمل على الاستمرار. إن نظام الأحزاب قد ضعف بشكل أساسي في نفس الوقت بفعل الترحال السياسي (عولج 2012)، وغياب الثبات على الآراء، وفقر العديد من التشكيلات الحزبية؛ يضاف إلى ذلك التوترات والانجرافات العرقية.

5.       الإجماع الصعب

التغيرات في التشريع الانتخابي الموريتاني أمر واقع. ومن المهم أن يبرز من ذلك الإيقاع، والتوقيت، والمنهج.

في ما يتعلق بإيقاع التغيير، توجد أربعة قوانين في المجال الانتخابي: الأول على الرئاسيات، والثاني على التشريعيات، والثالث على انتخاب الشيوخ، والرابع على البلديات. كل واحد من هذه القوانين عدل عدة مرات.

في مارس 1993 عدل القانون الذي سيخضع لأحكامه اقتراع البلديات في دجمبر 1993؛ وفي 2000 عذل إيجابيا القانون الذي سيحكم الانتخابات التشريعية والبلدية سنة 2001. في 2006 أدخلت البطاقة الوحيدة ، ولائحة النساء، ورفع الحظر عن الترشحات المستقلة، اللائحة الوطنية للأحزاب السياسية بالنسبية، اللجنة الوطنية للانتخابات، والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية لتنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية في نوفمبر 2006، والانتخابات الرئاسية في مارس 2007.

وإذا أخذنا في الحساب أنه منذ 1991 كان القانون الانتخابي يعد دائما قبيل الاقتراع، فهناك ما يغري بالقول إن أي قانون انتخابي موريتاني لم يصادق عليه خارج أفق طلب التسيير الاكثر فوائد، حسب ميزان القوة، في الاقتراع المعلن.

الزمن أو توقيت التشريع الانتخابي الموريتاني يعطي الانطباع أن من يتحكمون في معطياته لا هم لهم إلا مصالحهم الآنية المباشرة. ومن ثم، فكل مراجعة للقانون الانتخابي تجد نفسها في مواجهة الاعتراض المبدئ المتعلق بالوقت المناسب، وبضرورة تعديل القانون القديم.

وبكل بداهة، يبدو توقيت إدخال التغييرات أمرا غير واضح، من السهل أن يقنع أقل الناس سوء ظن بأصحاب مبادرة المراجعة بأن ثمة منطقا يخدم التلاعب أو يسعى إلى تدبير التحايل والتزوير في العملية.

هذه القراءة لمراجعة القوانين تظهر أن هذه الأخيرة مهمة، ويطال مفعولها ليس فقط  بعض عناصر سير وتسلسل اللعبة الانتخابية ومستوى الثقة فيها، ولكن كذلك تتضرر بها عناصر من النظام الدستوري.

في هذا الإطار، سنذكر بالمنهج الموريتاني المتبع في إعداد القانون الانتخابي من خلال حالتين، قدمتهما الممارسة السياسية في السنوات الأخيرة: الإجماع المستعاد، والإجماع المرفوض.

الإجماع المستعاد:

ليس القانون الانتخابي مجموعا معياريا مثل الفروع الأخرى للقانون الدستوري. بالنسبة للفقهاء الدستوريين وعلماء السياسة، القانون الانتخابي يعتبر بمثابة دستور. وحسب ما إذا كان هذا القانون جيدا أو رديئا، ستكون الحكومات التي تصدر هذا القانون قوية أو ضعيفة، أكثر شرعية أو أقل شرعية.

إن القانون الانتخابي بوصفه وسيلة مفضلة لتقريب مجموعة وطنية من المثال الديموقراطي، وخاصة في البلدان التي تجتاز مرحلة الانتقال الديموقراطي، يجب أن ينعقد حوله حد أدنى من الوفاق بين مختلف الفاعلين في الحياة السياسية.

وقد تم تبني هذه المقاربة في الأيام التشاورية الوطنية في اكتوبر 2005 وأقرب من ذلك في إطار الحوار الوطني في شهري سبتمبر وأكتوبر 2011؛ بين الأغلبية الرئاسية وجزء من المعارضة الديموقراطية، الذي اقترح، بروح حوار وطلب للتوافق، إدخال تحسينات هامة على المدونة الانتخابية وعلى النظام الديموقراطي.

يتفق الجميع أو يكاد على ضرورة مثل هذه المقاربة. بالنسبة لعلماء السياسة، تبدو المقاربة الإجماعية ضرورية ملحة في بلداننا التي تسعى إلى ترسيخ الديموقراطية؛ وأن الاعتراض على القانون الانتخابي يسبق دائما ويقود إلى رفض نتائج الانتخابات.

الإجماع المطلوب

هل سيتأتى للخلافات الراهنة حول القوانين الانتخابية بين مختلف الفاعلين أن يتم تجاوزها استلهاما لهذه التجربة المثرية الموريتانية الخالصة؟

يعود إلى الفاعلين السياسيين واجب التوصل إلى إزالة الطابع الدرامي عن الانتخابات، فذلك ضمان لحسن انتظام المسار الانتخابي.

وهذا يشكل أحد واجباتهم تجاه الأمة والجمهورية. وإذا ألقينا نظرة إلى الوراء على التاريخ السياسي لجمهوريتنا الثانية، رأينا أن نجاح الانتخابات يمر يطرائق إعداد توافقية كفيلة بتفادي الإقصاء في نفس الوقت للخاسرين وللأقليات السياسية؛ وذلك بتنظيم دوري للانتخابات في مواعيدها القانونية، وخاصة عن طريق نشر الثقافة الديموقراطية القائمة على المواطنة من خلال وسائل إعلام تحترم القيم الديموقراطية والجمهورية.

شاهد أيضاً

الطاقة المتجددة في موريتانيا تشهد مشروعًا جديدًا.. بالتعاون مع ألمانيا

من المقرر أن تنتعش مشروعات الطاقة المتجددة في موريتانيا، من خلال إقامة مشروع طاقي تنموي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *