25 أبريل 2024 , 4:09

حول تأسيس للجمهورية..خلاصات وتوصيات / باب ولد أحمد ولد الشيخ سيديا

 

 

 

منذ ما يزيد على الخمسين ببضعة أعوام استقلت البلاد الموريتانية، فكان حدثا استثنائيا بكل المقاييس الحالمة فى عالم مثالي تتمايز فيه وجهتا نظر و تتقاربا حين الحاجة، وإن كانتا تتفقان فى رمزية الحدث ودلالاته المعرفية فى مجال جغرافي ظل عصيا وصعب التحول من حال بادية وعصبية فـــــــــى الأشكال والنماذج المقدمة فى زمانه التاريخي الطويل إلى خطاب آخر يتمثل فى انسيابية نظام الحكم والانتقال من قيم القبيلة والنماذج الشكلية المتعود عليها إلى أنماط معاصرة تغيب فيها الفردية والتعاطي مع الماضي التاريخي على شكل قواعد ثابتة وراسخة تنزل المنازل وتعطى الأفضلية بفضائلها وأعطياتها عن حق أو غيره.

كانت البلاد كغيرها تعيش وفق قواعد اجتماعية أهلية بالأساس تستوحي من أثر موجود فى الميراث العربي الإسلامي على العموم، قوامه وسنده البحث  فى المتخيل الأسطوري حول النشأة والبدايات الإلهامية المتعددة الأوجه والمعادة السياق فى كل اللحظات حين الحاجة أو إبراز عارض أو حدث من شأنه أن ينسف بالمرتكزات والمبادئ فى غياب السلطان الجامع، بالتالى فالشخص الأسطوري الرمزي بدلالاته الاجتماعية والمنفعية سيكون حاضرا فى الأخيلة والوجدان السلطوي الآسر محددا ما يجوز وما لا يجوز له الحكم القيمي وله التصور المرجعي. وإن كان الحال يختلف فى النماذج  والبلدان نظرا لتعدد اللحظات واختلاف السياقات فى المجتمعات المغاربية و التحولات العميقة التى شهدتها طيلة مراحلها التاريخية خصوصا فى المراحل المعاصرة إبان الاستعمار وقيام الحركات القومية النهضوية الداعية إلى التحرر والنضال و المنافحة عن كل كبرياء ماضوي واستعادة الأمجاد والتخلص من الثوب المقيت للاغتراب بدلالاته المقصودة هنا، ليكون الخلاص من أغلال المعاش حيث تتلاحم كل القوى والأطراف فى مشهد درامي جدا الهدف منه نشوء الدولة المعاصرة والوطنية على اختلاف المشارب والتوجهات والمنطلقات.

فكان استقلال الجمهورية مشابها إلى حد كبير  لدول  الجوار مدفوعا بمقتضيات الزمن مع النظر إلى الاختلافات والأنماط بالضرورة وأخذ كل حالة على حدة رغم السياق البنيوي الجامع للأطراف.

وعموما فقد واكبت الجمهورية بعض المظاهر التي أعاقتها و مازالت إلى أيام الناس هذه تقف حجرة عثرة وراء التصور الحداثي للدولة  وما يراد من الحاكم والمحكوم، لعلها تبرز فى اشكاليات مصيرية من الضروري إيرادها فى هذه العجالة التحليلية من أجل وضع خلاصات  لمستقبل واعد للجمهورية الجديدة، مما يتمثل فى الآتى:

  • الابتعاد عن الأشكال المعتمدة والنظر إلى التصورات القبلية كآراء فى الحكم لها قدسيتها والتحول تدريجيا من النمط القبلي المؤسس ثقافيا واجتماعيا إلى معايير تنتهج الوطنية والمصداقية الأخلاقية فى بناء دولة معاصرة ينسجم فيها الجميع بمبدأ الإخاء، وعدم الإحساس بالغبن بأنواعه و مضامينه، حيث المساواة فى تجلياتها الناصعة والمحببة والابتعاد عن الأفكار الرجعية التى تبرز من حين إلى آخر .

  • حسم الاشكاليات المصيرية بأنواعها وتشعباتها وتعقيداتها البارزة للعيان منذ دولة الاستقلال وحتى أيام الناس هذه؛ من قبيل هوية البلاد والخطاب السياسي الموحد الجامع بحسم الانتماءات والفوارق والإحساس باللادولة والغبن والتهميش وقول كل متقول مهما كان فى مصائر الناس وتاريخيتهم ونسف مرتكزاتهم إلى حس وطني شامل ومرتكز بين وواضح.

  • الابتعاد عن المحاصصات القبلية و التأريخ للمجتمعات لا بمنطق الفرد وإنما بالمبادئ الجامعة للأمة والتى لا تتأسس على المفارقات والمقاربات الصورية لمجال أو جهة معينة بمرتكز ينبني على توحيد الجهود وكتابة تصور عام يخضع للمعايير المعروفة بين أهل الاختصاص، ولعل دعواتنا المتكررة إلى إنشاء مركز وطني للأبحاث والدراسات يتأسس على رقابة ما ينشر وما يؤلف بدافع الذات والقبيلة وإعادة كتابة كل شئ وفق الأهواء والملل، إلى منطق آخر ترعاه الهيئات الرسمية بدافع الغيرة والحس الوطني المرهف وإعطاء كل ذي حق حقه على مبدأ من الكتابة الحقة المبتعدة عن كل تصور ذاتي تكثر دواعيه فى زماننا وتبرز مضامينه وأسبابه المتكررة فى المجتمعات القبلية وتكرار مسوغات وأفكار معروفة لا بصياغتها التجديدية وإنما الرجعية الصادمة والمعوقة لأي اتجاه تجديدي.

حقا يبدو إشكال تأسيس الجمهورية من المشكلات البنيوية العميقة في تاريخ الأنظمة العربية رغم تاريخية بعضها ونجاح بعضها  الآخر في المنجز  التنموي المحقق من رجالها وتضحياتها الجسام التى صارت في سجل الخالدين مما تناوله الركبان وصار ذكرا لها في كل المنازل والآفاق.

لكن هذا المنجز التاريخي رغم أهميته في التحليل البنيوي  يبقى في الآن نفسه عبئا ثقيلا يجب على النخبة أن تناقشه بقدر من الجدية ومراعاة الظروف والأحوال دون سابق نظر قد يقلل كثيرا من التوافق بمعناه الوظيفي وخلق أجواء من الجدية لمنظومة الحكم المراد تطبيقها في البلد. مما يستدعى وضع  عناوين كبيرة يجب الاشتغال عليها في الفترة لمقبلة

  • معالجة الاختلالات السياسية في البلد وفق نظر مؤسساتي

  • النظر في المظالم التاريخية ورد الحقوق المكتسبة إلى أهلها

  • مراجعة عميقة و متأنية لنظام الحكم  وفق نظر  تشاركي وتفاعلي

  • اصلاح المنظومة التربوية حتى تستجيب للتطلعات والمطالب الملحة.

  • النظر في الفوارق الاقتصادية ومعالجتها بطريقة سلسة ومنطقية

  • الحد من هجرة الشباب و العمل على إيصاله لمراكز صنع القرار  .

  • تشجيع الاستثمارات المحلية. وخلق القوانين والتسهيلات الإجرائية الضرورية لذلك.

  • ملائمة التعليم العام مع ضرورات السوق العالمية وخصوصية المنطقة.

  • إنشاء معاهد متخصصة  في تكوين  المتسربين وكبار السن  للرفع من الانتاجية وخلق آفاق تنموية واعدة.

  • ـ إعطاء أولوية للتكوين المهني في سبيل إنشاء المعاهد والمدارس

  • إعطاء أولوية للموارد الطبيعية واستغلالها الاستغلال الأمثل.

  •  إقامة البني الأساسية اللازمة للقيام بعملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلد، والتهيئة لمرحلة النضوج والازدهار.

  • الاهتمام بالاستصلاح الزراعي من أجل خلق تنمية مستدامة تراعي الاشكاليات المعاشة.

  • وضع برامج تنموية من أجل الأمن والغذاء، تعتمد في طبيعتها على التشارك والتفاعل بين الفاعلين المحليين والشركاء.

  • تطوير قوانين الأعمال في البلد.

  • تطوير المؤسسات القضائية والمالية  وإيجاد تشريعات بامكانها  أن تطور لمنظومة الاقتصادية المحلية .

  • تطوير الحاكمة والحكم الرشيد.

  • الاهتمام بتطوير  الأرياف والعمل على خلق المساواة بينها وبين المدن الكبرى.

  • إعطاء أولوية  للامركزية وخلق دينامية محلية.

ورغم هذه النقاط وغيرها مما بقي قصد الاختصار ، يبتعد المرء  عن التحليل البحت لتبرز ذاتيته الحالمة والمتفائلة، بيوم استثنائي متذكرا  المحطات المفصلية فى تاريخ الجمهورية، والأمجاد الخالدة واللحظات العصيبة لبنى الأمة الموريتانية متمنيا الغد الأفضل والمستقبل الواعد بالتغلب على الاشكالات المصيرية والعوارض الشائكة التى تحتاج نظرا بعيد الأفق وتحليلا يتجاوز الراهن بسلاسة وبعد تفكير .

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …