28 مارس 2024 , 16:03

رفض الجزائر لمبادرة الملك يُنذر بمخاطر وشيكة بالمنطقة…(يستحق المشااااهدة)

عرض جلالة الملك على الجزائر، في خطاب المسيرة الأخير، مبادرة لفتح حوار مباشر وبدون شروط، عبر لجنة سياسية مشتركة، تنكب على جميع القضايا دون استثناء من أجل هدف تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية، وتجاوز حالة الجمود غير الطبيعية التي تطبع واقع هذه العلاقات.

وبعد أن التزمت الجزائر صمتا مطبقا ومريبا صرح مصدر مأذون له لموقع TSA الجزائري بأن المبادرة المغربية “ليست حدثا، فهي مشكوك في شكلها (لإطلاقها في عيد المسيرة)، وفي محتواها (للإرادة المغربية لتثنية قضية الصحراء بين المغرب والجزائر)، وهي بذلك حسب هذا المصدر لا تستحق الرد والجواب.

ويلاحظ على هذا الرد الجزائري أن الجار الشرقي للمملكة منح لنفسه متسعا من الوقت لدراسة المبادرة قبل الجواب عليها. كما أن الجواب الجزائري جاء عبر وسيلة إعلامية موقع تسا (كل شي عن الجزائر) وليس عبر مصدر مواز رسمي، ومن مصدر مجهول، لم تفصح الجهة الناشرة عن هويته، وبقي معرفا بصفة واحدة أنه مأذون له، ودون الإفصاح عن الجهة صاحبة الإذن، أ هو من الرئاسة أو الحكومة أو البرلمان.

وهذه الملاحظات تعطي إشارات مفادها أن المبادرة كشفت عن غياب أو تهرب المخاطب الرسمي في الرئاسة كما في الحكومة، كما أن العرض الملكي بفتح الحدود وتطبيع العلاقات أوقع المؤسسات الجزائرية المذكورة في ارتباك كبير أدى إلى ترك مهمة التعقيب على المبادرة القرار في وقت معقول ومناسب، أو أنهم اتجهوا عن قصد إلى إذلال وتبخيس العرض والتقليل من قدره وقيمته، وهو ما يؤكده الجواب بأن المبادرة “ليس بحدث”

أما النتيجة الثانية، وهي المرتبطة بآثار العرض الملكي، فهو في تفكيكه من حيث البناء؛ تناول التشخيص الدقيق لواقع العلاقات، ووصفها بأنه غير طبيعي، وتقديم الحلول بالدعوة إلى إنشاء آلية ذات اختصاصات شاملة وموسعة، وتحديد هدفه العام في بلوغ نتيجة في تطبيع العلاقات، وتعبير المبادرة عن الانفتاح على كل المبادرات الجزائرية دون شروط وبدون استثناء، الشيء الذي يجعل المبادرة جدية وتحمل بصمات وعلامات الصدق والمصداقية

ويكيف العرض الملكي بالسياسي والحقيقي، لأنه صادر من المؤسسة الملكية في إطار اختصاصاتها السياسية، وهو مظهر من مظاهر ممارسة الملك للسياسة، بالنظر إلى انعقاد الولاية له دستوريا واضطلاعه بمهمة صنع السياسة الخارجية للمغرب. كما أن الخطاب الذي وردت فيه المبادرة تمحور بشكل حصري حول محددات وأركان السياسة الخارجية للمغرب، واحتلال ملف الوحدة الترابية صلب هذه السياسة، وإعطاء أمثله ببعض تدخلاته القارية وتعاونه الأممي، وحرصه على شراكات لا تضر مصالحه ووحدته الترابية

أضف إلى ذلك، فإن مضمون المبادرة التي تضمنها الخطاب تعتبر فهما مبكرا لمآلات السياسة القارية الإفريقية والمجموعة الدولية والأممية، الذي بدؤوا يشتكون من حالة الانحصار في العلاقات المغربية الجزائرية، وجعله سببا رئيسيا يعيق اندماج وتكامل الدول المغاربية في إطار تكتل الاتحاد المغاربي؛ وهو ما يفوت فرص التنمية على المنطقة، ويشجع على الهجرة الذي تشتكي وتتضرر منه أوروبا، بعد وفوق كل التقارير الأوروبية على وجود ترابط آلي بين التنمية الاقتصادية وإرادات ودوافع الهجرة. كما أن هذا الجمود في العلاقات ينعكس سلبيا مثلما يعيق عمليات التعاون الموسع كحل أساسي وناجع لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، الذي يهدد في نهاية المطاف أمن واستقرار المنطقة بشكل عام.

ولا يقف الخطر على المنطقة عندما ما تشكله الجماعات الإرهابية من تهديد لأمنها واستقرارها؛ بل إن الجمود والقطيعة والتي يرافقها تسابق الطرفين نحو التسلح وعلى ريادة وقيادة المنطقة، وكذا وعدم الوصول والتوافق على حل سياسي لنزاع الصحراء، ومسؤولية الجزائر في عرقلة هذا الحل (التقرير 249/2006 للأمين العام للأمم المتحدة)، وهو ما قد ينتهي بحرب شاملة في المنطقة، الذي حذرت منه تقارير الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن

واعتبارا لكون المبادرة الملكية توصف من الناحية السياسية وحتى القانونية بأنها عرض حقيقي، فإن عدم تجاوب الجزائر إيجابا معها ورفضها وتكييفها “ليست بحدث ويكتنفها الشك والمراء في الشكل كما في المضمون”، فإنها مع ذلك ترتب أثرا سياسيا مباشرا، إذ تنزع مسؤولية المغرب عن استمرار الوضع الراهن المتأزم للعلاقات البينية بينه وبين الجزائر وعن ما قد ينجم عنه، وتجعل هذه المسؤولية كما تبقيها على عاتق الجزائر وحيدة. وقد يكون ذلك من إحدى خلفيات المبادرة من أساسها، وهو ما يحرج الجزائر قاريا وإقليميا ودوليا وأمميا

وللإشارة، فإن المقال، الذي تضمن خبر الرفض الجزائري، إذ عرج على ذكر سابق الشروط الجزائرية لإعادة فتح الحدود البرية وتطبيع العلاقات مع المغرب، من خلال وقوفه عند تصريحات المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية عمار بلاني في يونيه 2013، “إعادة فتح الحدود هو شأن سيادي ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الجزائرية والشروط الرئيسية معروفة عند جيراننا”

وتتمحور هذه الشروط، حسب الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة الجزائرية السابق، في “توقيف حملة التشويه ضد الجزائر” و”التعاون الصادق، والفعال والمثمر في مواجهة العدوان الذي نعاني منه يوميا من خلال تهريب المخدرات”، و”احترام موقف الحكومة الجزائرية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية التي نعتبرها إنهاء الاستعمار التي يجب أن تتم تسويتها وفقا للقانون الدولي في إطار الأمم المتحدة”

ولا شك في أن الشروط الجزائرية السابقة يكتنفها التناقض بين أجزائها وتعجيزية في الأخيرة منها، فهي تحمل اتهاما وتجريما صريحا ورسميا وبدون دليل إلى المغرب بإطلاق حملة تشويه ضدها، وممارسة عدوان تهريب وتصدير المخدرات إليها، ومطالبته بوقفه. وبالمقابل، فإن الجزائر تطلب احترام موقفها المعادي والمستفز صراحة للمغرب؛ لأنه يمس بوحدته الترابية، وهذا الشرط الأخير يجعل الجزائر من حيث لا تدري وتتهرب منه طرفا أساسيا في نزاع الصحراء

صبري لحلو

محام بمكناس وخبير في القانون الدولي ـ الهجرة

 

شاهد أيضاً

المبادرة الأطلسية التي أطلقها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس تؤسس لميلاد إفريقيا جديدة  مزدهرة ومستقرة

أكد خبراء ومفكرين من مؤسسات وتخصصات مختلفة، خلال ندوة فكرية بالرباط، أن المبادرة الأطلسية التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *