18 أبريل 2024 , 22:52

عبد الباري عطوان يكتب :اذا كان النظام السوري لا يحتمل معارضا مثل قدري جميل فان الحل السياسي ما زال بعيدا

01
كيل النظام السوري تجاه السيد جميل طفح فيما يبدو خاصة بعد الانباء التي ترددت حول لقاءات عقدها مع المستر روبرت فورد السفير الامريكي السابق في دمشق والمتآمر الاكبر على سورية والعرب

يصعب علينا ان نصدق الرواية الرسمية التي بثها التلفزيون الرسمي السوري حول اسباب اعفاء السيد قدري جميل من منصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء، خاصة الجزء المتعلق منها “بغيابه عن العمل دون اذن مسبق، وعدم متابعته واجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد”، لان السيد جميل ليس عاملا في مصنع او ميكانيكي في ورشة اصلاح السيارات عليه ان يقيد اسمه في دفتر الحضور والغياب ويستأذن من رئيسه في كل مرة يريد فيها التغيب عن “ورديته” لمقابلة هذا الشخص او ذاك فهذا رجل يتولى وظيفة سياسية ولاعتبارات سياسية وليست تنفيذية، وجاء في ظروف غير عادية، ولاضفاء طابع ديمقراطي اصلاحي على نظام يواجه اتهامات بالديكتاتورية والقمع وانتهاك حقوق الانسان

السيد جميل اعفي من منصبه ربما لانه نسي نفسه، ومن يكون، ومع من يعمل، وفي ظل اي ظروف دخل الوزارة نائبا لرئيسها، وبات يتصرف وكأنه نائب رئيس وزراء السويد، وليس نائبا لرئيس وزراء سورية التي تعيش حالة حرب على جميع الجبهات، وتؤمن السلطة فيها ايمانا اعمى بنظرية المؤامرة ومسكونة بها

نذهب الى ما هو ابعد من ذلك ونقوق ان السيد جميل خرج عن النص من وجهة نظر السلطة عندما اكثر من سفرياته، وبات يخوض في قضايا حساسة، ويدلي بدلوه حول مؤتمر جنيف، ويعقد مؤتمرات صحافية في موسكو، ويتحدث عن انتخابات رئاسية وبرلمانية، وصلاحيات الحكومة الانتقالية ويفتي في امور سياسية خارج صلاحيات وظيفته الاقتصادية الشكلية

كيل النظام السوري تجاه السيد جميل طفح فيما يبدو خاصة بعد الانباء التي ترددت حول لقاءات عقدها مع المستر روبرت فورد السفير الامريكي السابق في دمشق والمتآمر الاكبر على سورية والعرب، اثناء تواجده في جنيف قبل عشرة ايام، فهذا خط احمر لا يمكن تجاوزه الا باذن رسمي ومن اعلى المستويات، والرئيس بشار الاسد على وجه الخصوص قناة الاخبارية السورية التي اوردت بعض اسباب الاعفاء، وذكرت فقرة مهمة لا يمكن تجاهلها عندما قالت “قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة، وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدول” في شرحها لاسباب اقالته

هذه الفقرة تؤكد ما سبق، اي اللقاءات مع الامريكيين والمستر فورد تحديدا دون التنسيق مع السلطات او اخذ اذنها رسميا، واذا حصل على هذا الاذن فعلا، فان عليه ان يلتزم بالنص المعطى له كاملا، وان لا يخرج عنه، لان الاجتهاد ممنوع، وعليه او على غيره

ولعل الشعرة التي قصمت ظهر السيد قدري واخرجته من منصبه بجرة قلم، تلك التسريبات التي صدرت عن المعارضة في الخارج حول انشقاقه عن النظام، تماما مثل تسريبات مماثلة عن انشقاق شريف شحادة النائب في مجلس الشعب السوري الذي كان يتواجد في بروكسل ونفاها بشكل سريع قائلا انه عائد بعد يوم الى دمشق.

النظام السوري، مثل كل الانظمة الاخرى، لا يطيق كلمة “انشقاق” حتى لو جاءت في اطار التشويش والصيد في الماء العكر، فهذا نظام شمولي، ويمر في ظرف صعب بقاؤه واستمراره موضع الكثير من الشكوك، وتعمل لاسقاطه قوى عديدة اقليمية ودولية كبرى، وثقته بمن حوله باتت في حدودها الدنيا ان لم تكن معدومة، خاصة بعد انشقاق رؤساء وزارة والوية جيش ووزراء وسفراء كانوا يزايدون على الجميع في الولاء والطاعة له

السيد فاروق الشرع مثلا دفع ثمنا باهظا لمثل هذه الاشاعات والتسريبات التي اكدت انشقاقه اكثر من مرة، بل واوصلته الى عمان بعد عبوره الحدود السورية الاردنية، رغم ان الرجل لم يغادر شقته المتواضعة في وسط دمشق

الثمن الذي دفعه السيد الشرع كان خروجه من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، وهو الذي يتولى اعلى منصب في البلاد بعد رئيس الجمهورية، وبات رهن الاقامة الجبرية الاختيارية في منزله، يقضي وقته بين احفاده، ونادرا يزوره احد من خارج الدائرة العائلية الضيقة، ولماذا يزار وهو لا يملك نفوذا او نقودا

واذا كان السيد الشرع علم بقرار ابعاده من وسائل الاعلام مثله مثل غيره، فان حال السيد جميل لم يكن افضل، وصرح لقناة “روسيا اليوم” الاخبارية بعدم علمه بسبب اعفائه من منصبه، واسبابه واكد عودته الى دمشق قريبا

من الطبيعي ان تتعدد الروايات حول قرار الابعاد هذا، وان تخرج تكهنات عديدة، بعضها لا يخرج عن اطار النظرية التآمرية، مثل القول ان هذه الاقالة جاءت مناورة من النظام لكي يمثل السيد جميل لاحقا المعارضة في مؤتمر جنيف 2 وهذا اذا عقد اساسا

لا شيء غريب او مستبعد على النظام السوري الذي استطاع الصمود لما يقرب من الثلاثة اعوام في مواجهة العالم باسره تقريبا بقيادة الولايات المتحدة واوروبا ومعظم الدول العربية، فقد اسس ميليشيات اسلامية وغير اسلامية، واخترق اخرى، وشكل احزابا معارضة، ومول وسهل تدفق الجهاديين في العراق اثناء الاحتلال الامريكي لينقلب عليهم او لينقلبوا عليه سيان الامر، فالسحر ينقلب على الساحر في الكثير من الاحيان، ومن هنا فان القول بان عزل السيد جميل جاء متعمدا ومناورة لكي يمثل المعارضة ممكن ولكنه مستبعد كليا لان الرجل منسجم في مواقفه وعارض النظام بقوة، وتعرض للاعتقال والملاحقة، وتبنى مطالب الشعب في الحرية والعدالة كاملة

ابعاد السيد جميل، بعد اشهر معدودة من توليه منصبه، يلحق ضررا كبيرا بالنظام، لانه يكرس انطباعا بانه اي النظام لا يتقبل اي نوع من المعارضة، والرأي الآخر، حتى لو كانت هذه المعارضة “سكر خفيف”، ويلتقي اصحابها مع النظام حول الوحدة الجغرافية والديمغرافية لسورية، وتعترف بوجود مؤامرة خارجية، وترفض رفضا مطلقا اي عدوان خارجي ومستعدة للوقوف في خندقه لمواجهته، وتعتبر الارتباط بالقوى الخارجية خيانة عظمى

فاذا كانت خطيئة السيد جميل هي اللقاء بمسؤولين امريكيين في جنيف، وهو المكلف رسميا بملف الاعداد لمؤتمر يحمل اسمها، ووافق النظام على حضوره، وكلف السيد وليد المعلم وزير الخارجية لتمثيله فيه، فان النظام نفسه يتطلع لمثل هذه اللقاءات والاتصالات، ولا نستبعد ان نفاجأ في الايام او الاسابيع المقبلة باتصالات او لقاءات بين السيد المعلم ونظيره الامريكي جون كيري تحت اي ذريعة من الذرائع، فمن كان يتصور ان يهاتف الرئيس الامريكي باراك اوباما نظيره الايراني حسن روحاني لاكثر من 15 دقيقة، ويعطي الضوء الاخضر لحوار معمق بين البلدين، وتزال الشعارات المعادية للشيطان الامريكي الاكبر من ميادين طهران بعد ان استقرت فيها منذ ثلاثين عاما

النظام السوري يعيش وضعا افضل هذه الايام مما كان عليه الحال قبل عامين، واذا كان لا يستطيع ان يتحمل وجود شخص مثل قدري جميل في صفوفه، فلا نعتقد انه سيتحمل اي سياسي آخر، سواء في المعارضة الداخلية او الخارجية، وصححونا اذا كنا مخطئين.

شاهد أيضاً

تساؤلات من مراقب !!!/ التراد ولد سيدي

في ظروف توالد وتكاثر المبادرات التي يتنافس فيها الآخيرون مع الاولين في إظهار ولائهم الحقيقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *