25 أبريل 2024 , 1:21

من منا لم يستفد من علمه! بقلم /عبد الناصر بيب

من منا لم يلتقيه، من منا لم يحضر محاضرة له، من منا لم يستفد من علمه! هو ذلك الداعية والواعظ، او بالأحرى كشك موريتانيا الذي لطالما وقف مع الحق، محمد سيدي يحي، والذي لم يكن يوما طامعا في منصب سياسي أو إداري أو أي امتياز أخر، والذي لطالما تميز بالكرم والخلق والطيَبة، وفي المقابل لم يعاني أحدنا مثل ما عانى هو في سُجون نظام ولد الطايع، ولم يعذب مثل ما عُذب هو ظلما وعدوانًا، ولم يهرب إلى الخارج أو طلب لجوء من أي دولة أجنبية، ومع ذالك عاد إلى منابره ليقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.

لم أصَادف يومًا في داخل البلاد أو خارجها من يَكره هَذا الرجل أو يشّتكي منه، رغم أن إرضاء الناس غَاية لاتُدرك، ولانستطيع جميعًا نكران أن هَذا الرجل يَمضي كُل وقته في الدعوة إلى الله .

محمد ولد سيدي يحيى الأستاذ في معهد ابن عباس، يلقب (بكشك) موريتانيا نظرا للشبه الكبير بينه وبين الداعية المصري عبد الحميد كشك، في طريقة الوعظ التي تعتمد على البساطة وتخاطب الشرائح الاقل حظا في التعلم وقد بلغت شهرته كل بيت موريتاني وكانت اشرطته تعد جزءا لا غنى عنه في سيارة الاجرة (التاكسي) في موريتانيا.

اسمه الكامل محمد بن الشيخ محمد المصطفي، بن محمد عمار (بوب)، بن سيدي يحيى، بن عبد الرحمن (آب)، بن المختار بن عيسي بوب، بن محمد بن باب المصطف بن باب أحمد بن سيدي ببكر، ولد قبل استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية سنة 1960م، في المنطقة الوسطى شمال مدينة كيفة تربى في حضن والده الشيخ محمد المصطفى ولد سيدي يحيى وفي محظرته التي كانت مشهورة في المنطقة بتدريس القرأن الكريم وعلومه والفقه المالكي.

بعد وفاة والده انتقل إلى العاصمة نواكشوط عام 1978م، فالتحق بمعهد الرابطة للدراسات القرآنية ودرس فيه، فأخذ الإجازة في العلوم الشرعية، والتقى بشيوخ كبارفتأثر بما يحملونه من علوم ومعارف،ثم نظر إلى الأوضاع الفكرية والسياسية والاجتماعية فوجد الساحة في ذلك الزمن تغلوا غليانا شديدا وتتصارع فيها القضايا المعاصرة بسلبياتها وإيجابياتها مع مظاهر التحلل الخلقي والتفسخ من التدين في قطاعات عريضة من الشاب فأخذ علي عاتق مهمة التغيير. فبدأ خطواته الأولى بكلمات عابرة يعلق فيها على مظهر معين ينافي الذوق العام للمجتمع، ويخالف مسالك المتدينين، ويوصف المتعاطي له بقلة الحياء والخروج عن المألوف من العادات المرعية والأعراف الشرعية المتعارف عليها في التقاليد الإسلامية، فأخذه الحديث في مثل هذه المواقف شيئا فشيئا حتى اكتسب الجرأة الخطابية وشعر بإقبال الناس على حديثه واستحسانهم لما يبديه من ملاحظات وانتقادات، ثم درس في هذه المرحلة في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وتخرج منه بتحقيق رسالة كتبها أحد أعلام البلد وهو الشيخ سيديا الكبير، عن وجوب تعلم النساء وتعليمهن، وتوطدت صلته بالعاصمة نواكشوط وبعلمائها وطلابها وشبابها وقاطنيها، فاندفع في الدعوة إلى الله مركزا على النواحي الآتية:

وجوب التعليم والتعلم وفرضية الدعوة إلى الله على الجميع كل حسب علمه واستطاعته قائلا: إن الدين للجميع والخطاب فيه للعموم…

اعتنى عناية خاصة بتوعية فئات عريضة كانت منسية في المجتمع الموريتاني من التعليم ومحرومة من ممارسة الحياة العادية الكريمة، فتصدى لهم وخاطبهم بما يفهمون حيث استعمل في دروسه العامة “اللهجة الحسانية الدارجة” وعبر للعوام بعباراتهم واستعمل أمثالهم وكنايتهم وحركاتهم واستعاراتهم ونبرات أصواتهم حتى غلب هذا الصنف من الناس على مجلسه أو مجالسه ورأوا فيه المعلم الناصح الذي يريد أن ينتشلهم بعدما أهملهم غيره وترفع عليهم الآخرون من ساداتهم ومتعلمي بلدهم.

اهتمامه بتعليم النساء وتوعيتهن ونفَّر أولياء أمورهن من سوء عاقبة إهمالهن في جهلهن وإطلاق الحبل لهن في الأسفار والخوض في الأسواق أو تركهن نهبة للذئاب الجائعة والضائعة من مرضى القلوب والنفوس الطامعين في إفساد الدين والأعراض والشرف، واستعمل في ذلك الأدلة الشرعية وما كان عليه السلف الصالح من عناية ورعاية للمرأة لما في ذلك من عونها على إصلاح نفسها وأطفالها قائلا: إن في البلاد عقولا منكوسة مقلوبة الفطرة تسأل عن حضور المرأة للدروس وشهود الجماعة في المساجد ولا تسألها أين سافرت ولامع من كانت ولا تراقبها في خروج ولا ولوج إلا إذا كانت ترغب في حضور الخير وتعلم الدين تأتي لتسأل عن جواز ذلك وعن حكمه في الشرع، وقد نفع الله به في هذا الجانب حيث تدين الكثير من النساء وتعلمن وأطعن الله.

غيض من فيض من حياة العالم الجليل والداعية الشهير أطال الله عمره ونفع المسلمين بعلمه

بقلم عبد الناصر بيب

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *